وليّ العهد السعودي يستقبل الأسد بالأحضان

الأمير محمد يدعو إلى طي صفحة الماضي وإنهاء سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة وعانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية.
ولي العهد السعودي يعرب عن أمله في دعم استقرار سوريا وعودة الأمور إلى طبيعتها

الرياض - صافح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اليوم الجمعة الرئيس السوري بشار الأسد وعانقه في قمة جامعة الدول العربية بجدة، في ترحاب حار بالأسد الذي تتسلّط عليه الأضواء منذ وصوله إلى المدينة المطلّة على البحر الأحمر، فيما تمثل مشاركته في القمة بعد 12 عاما من تجميد عضوية بلاده انتصارا دبلوماسيا تتويجا للجهود المكوكية التي بذلت من أجل وضع حد لعزلة نظامه.

ورحّب الأمير محمد أمام الزعماء العرب في مستهل انعقاد القمة بعودة الرئيس السوري لحضور اجتماعات جامعة الدول العربية بعد غياب دام أكثر من عقد، قائلا في كلمته "يسرنا اليوم حضور الرئيس بشار الأسد لهذه القمة وصدور قرار جامعة الدول العربية بشأن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية".

وأضاف "نأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا وعودة الأمور إلى طبيعتها واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بما يحقق الخير لشعبها وبما يدعم تطلعنا جميعاً نحو مستقبل أفضل لمنطقتنا".

وتابع "لن نسمح بأن تتحول منطقتنا إلى ميادين للصراعات ويكفينا مع طي صفحة الماضي تذكر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة وعانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية".

وفي غضون الاستعداد لالتقاط صورة جماعية لوفود دول الجامعة، صافح الأسد نظيره المصري عبدالفتاح السيسي. وابتسم الزعيمان وأحنيا رأسيهما وتحركت أياديهم أثناء تبادلهما أطراف الحديث.

ثم التفت الأسد لفترة وجيزة متحدثا إلى الرئيس التونسي قيس سعيد. وأجرى الأسد محادثات ثنائية مع سعيد والشيخ منصور بن زايد نائب رئيس دولة الإمارات.

ورحب القادة العرب، واحدا تلو الآخر، بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وخلال كلمته، أكد الأسد مرات على أن سوريا تنتمي إلى العالم العربي.

وتمثل عودة حكومة الأسد إلى الجامعة العربية دلالة على انتهاء عزلته، فيما تلعب السعودية دورا دبلوماسيا رائدا في العالم العربي، إذ أعادت العلاقات مع إيران ورحبت بعودة سوريا إلى الصف العربي وتتوسط في الصراع السوداني.

وتعد عودة دمشق إلى الصف العربي جزءا من اتجاه أوسع في الشرق الأوسط حيث تتخذ دول احتدمت بينها الخلافات ذات يوم خطوات لإصلاح العلاقات المتوترة بسبب صراعات وتنافس لسنوات.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول العربية فيما يبدو لإنهاء عزلة الأسد، تطالبه بكبح تجارة المخدرات المزدهرة في سوريا والسماح للاجئين الفارين من الحرب بالعودة.

وتسارعت التحولات الدبلوماسية على الساحة العربية إثر إعلان اتفاق بين السعودية وإيران، أحد أبرز حلفاء دمشق، في مارس/آذار الماضي على استئناف العلاقات، في خطوة بدت انعكاساتها جلية على المشهد السياسي الإقليمي في منطقة لطالما هزتها نزاعات بالوكالة.

الأسد يلتقي بعدد من القادة الذين نبذوه لسنوات
الأسد يلتقي بعدد من القادة الذين نبذوه لسنوات

وقال مصدر خليجي مقرب من الأوساط الحكومية إن الأميركيين يشعرون بقلق شديد، مضيفا "نحن نعيش في هذه المنطقة، ونحاول حل مشاكلنا بقدر ما نستطيع بالأدوات المتاحة لنا".

وكان نائب أمير منطقة مكة الأمير بدر بن سلطان والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط في استقبال الأسد لدى وصوله الخميس إلى جدة حيث تعقد القمة. وكان برفقته عدد من المسؤولين السوريين.

ومن المتوقع أن يلقي الأسد كلمة أمام القمة في وقت لاحق اليوم الجمعة إلى جانب زعماء عرب آخرين.

وتغير الحال كثيرا بمرور الزمن. ففي قمة عربية استضافتها قطر قبل عقد مضى جلست المعارضة السورية في مقعد سوريا. وفي عام 2018 قال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إن المنطقة لا يمكن أن تتسامح مع "مجرم حرب" مثل الأسد، على حد وصفه.

وقبل انعقاد القمة، جددت الولايات المتحدة معارضتها لتطبيع العلاقات مع دمشق وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل للصحفيين في واشنطن "نعتقد أنه لا ينبغي السماح بإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية"، مضيفا أنه يجب عدم رفع العقوبات عنها. وذكر "فيما يتعلق بالتطبيع، نحن لا نؤيد التطبيع مع نظام الأسد، ولا ندعم شركاءنا في القيام بذلك".

لكن باتيل قال "لدينا بعض الأهداف المشتركة" مثل إعادة الصحفي أوستن تايس للوطن. وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية اختطف في سوريا عام 2012.

وقدمت مجموعة من نواب الكونغرس عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قانون الأسبوع الماضي يهدف إلى منع اعتراف الولايات المتحدة بالأسد رئيسا لسوريا وتعزيز قدرة واشنطن على فرض عقوبات.

وغادر الأسد سوريا مرات معدودة منذ اندلاع الحرب زار خلالها فقط إيران وروسيا وذلك حتى عام 2022 عندما توجه إلى الإمارات في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ عام 2011.

ولا تزال مساحات شاسعة من سوريا خارج سيطرته وتنتشر القوات التركية في معظم أنحاء الشمال الغربي، الذي ما زال في قبضة المعارضة، بينما تسيطر الجماعات التي يقودها الأكراد على الشرق والشمال الشرقي، بما في ذلك حقول النفط السورية، بدعم من القوات الأميركية المنتشرة هناك.

ودعمت السعودية وقطر وغيرهما لسنوات معارضين للأسد، لكن الجيش السوري، بدعم من روسيا وإيران، استعاد السيطرة على معظم البلاد منذ سنوات.