وماذا نفعل الآن، الصحافة تساعد على الإجابة


الصحافة بإمكانها أن تقوم بدور أكبر من مجرد فكرة البقاء على قيد الحياة بالنسبة للإنسان، بعد أن وثقت كيف تغير العالم بين عشية وضحاها، مقدمة قراءة صادقة وموثوقا بها لما يجري مقابل مخاتلة الحكومات
أعادت الصحافة الثقة بمحتواها وهي تتصدر مشهد الحرب على كورونا، لذلك ينتظر منها أن تجيب عن سؤال ماذا بعد ذلك

بدأت معركة المستقبل بين إستراتيجية السياسيين ورؤى الصحافيين، في إطلاق سؤال متشابه في وسائل الإعلام والاختلاف بشأن إجابته، ماذا نفعل الآن؟ السؤال يتضمن في داخله مستقبل الصحافة نفسها بعد تراجع تفشي وباء كورونا.

سؤال يكاد يتكرر في وسائل الإعلام منذ أيام بعد أن ساد ما يشبه الاقتناع أن معركة العالم مع كورونا تكمن في وجود هدف متحرك لا يمكن رصده والقضاء عليه. لذلك خففت بلدان عدة من تدابير التأمين الصارمة التي فرضتها في الحجر المنزلي، والشروع برسم خارطة طريق جديدة يفترض أن يتم ذلك بمساعدة وسائل الإعلام التي لعبت الدور الأهم خلال الأشهر الماضية في ربط المجتمعات بديمقراطية حرة من المعلومات عن انتشار الوباء.

أعادت الصحافة الثقة بمحتواها وهي تتصدر مشهد الحرب على كورونا، لذلك ينتظر منها أن تجيب عن سؤال ماذا بعد ذلك، مَن لم يحافظ على قيم المجتمع أثناء انتشار الوباء، الحكومات أم المجتمع نفسه، كيف لنا أن نعود، ما شكل حياتنا المقبلة، هل ستقبلنا المكاتب والمدن بنفس ما اعتدنا عليه، ماذا عن الصحافة نفسها بعد تجربة نجاح أثناء تغطية أخبار انتشار الوباء في أوج أزمة وجودية تعاني منها أصلا وسائل الإعلام؟

كل هذه الأسئلة المقترحة هي نتيجة للدهشة التي أصابت العالم من عدم استعداد الدول لشيء مثل هذا، لا أحد يقبل المباغتة بعد الآن وعدم اليقين مستقبلا للفايروس أو ما يماثله.

في حقيقة الأمر أن الصحافة لا تمتلك الإجابة النهائية “ومن يمتلكها أصلا؟”، لكن الصحافة تمهد لها بلعب دور جمعي في تبادل المعلومات والآراء وحث الحكومات على وضع الخطط والإستراتيجيات وتجهيز المؤسسات والعمل على منع إثارة التشويش وعدم اليقين الذي صار يكتنف المجتمعات.

على ما يبدو، أن هناك حربا إعلامية أضرمت فيها الشرارة الأولى بعد أن بدأت الحكومات تخفيف إجراءات الحظر، ومن الواضح أن السياسيين من يدير هذه المعركة، لكن وسائل الإعلام ستدخل فيها وستكون ميدانا مفتوحا لها، فبينما ترى الحكومات أن “المصادر المجهولة” تتلاعب بوسائل الإعلام وتضر باستقرار البلدان، يعيد الجمهور ثقته بالصحافة كمصدر للمعلومة التي تعمل الحكومات على حجبها، بعد أن عانت من الارتباك والفشل في إعداد خطط مسبقة لمواجهة الوباء.

وهذا ما دفع صحافيا أميركيا إلى التنبيه بأن انتشار الوباء رافقه تصاعد للوعي لمواجهة الانكسار العميق الذي أصاب المجتمعات. إن الصحافة بإمكانها أن تقوم بدور أكبر من مجرد فكرة البقاء على قيد الحياة بالنسبة للإنسان، بعد أن وثقت كيف تغير العالم بين عشية وضحاها، مقدمة قراءة صادقة وموثوقا بها لما يجري مقابل مخاتلة الحكومات.

ويطالب ستيفن ريتشارد أستاذ علم النفس بتحول أوسع في العلاقة بين الدولة ومواطنيها. ويرى في مقال له بصحيفة الغارديان أن حجب المعلومات يؤدي إلى التضليل، داعيا الحكومات إلى التخلي عن سيكولوجية إرضاء الناس كأنهم أطفال، فالشفافية أساسية في الأزمة.

ويكتب ريتشارد “يجب على الحكومات أن تعترف بقدرة الجمهور على الاعتراف والتعامل مع الحقائق القاسية واحترام هذه القدرة. ويجب أن تعاملنا كشركاء كاملين في كل مرحلة من مراحل الإستراتيجية ضد كورونا، من صياغة إستراتيجية المواجهة إلى تنفيذ وتقييم السياسة. وكما هو الحال في أي علاقة بناءة، لا يمكن أن يحدث أي من هذا دون وضع الانفتاح في صميم ما تفعله الحكومة”.

على مستوى مقابل، يتعين على الصحافيين التوقف والتفكير في طبيعة عملهم، لأن مصير الأعمال الأخرى العودة إلى سابق عهدها وإن كانت على مراحل بطيئة ومتدرجة، لكن الصحافة ستواجه سؤال الحاجة الماسة والعاجلة وما تعني بالنسبة للجمهور بعد أن تعيد هيكلة طبيعتها للمحافظة على جوهرها وسط بيئة أعمال صعبة.

لقد كانت وسائل الإعلام على مدار أكثر من شهرين مصدرا لتدفق معلومات مثيرة بشأن إعادة توجيه الطاقة الإنسانية تحت انقلاب حياة الأشخاص، لقد بشرت بالتضحية بينما الحياة برمتها في عين العاصفة.

لذلك صار من الضروري إعادة تقييم ما حصل، لأن طرح الأسئلة بشأن الإخفاق وحقيقة البيانات والكابوس المفاجئ الذي نزل على العالم برمته، قد يوصلنا بوضوح إلى طبيعة تجاربنا السابقة وتصحيح الدورات التي مرت علينا ومتابعة ما يحدث بقوة متجددة.

لقد قدرت، على سبيل المثال، الخسائر التي تكبدها قطاع الإعلام في بريطانيا خلال أسابيع انتشار وباء كورونا بأكثر من ستين مليون دولار بعد إتاحة بعض المؤسسات الصحافية الكبرى مضامينها المتصلة بالوباء مجانا إلى الجمهور.

لذلك لا يتوقع روي غرينسلايد الكاتب في صحيفة الغارديان والمهتم بشؤون وسائل الإعلام، أن تتوقف الأزمة بعد رفع تدابير الحجر المنزلي رغم الجهود والإستراتيجيات المستقبلية لإعادة تركيز أنشطة غرف التحرير.

ويقول “إن الفترة التي ستلي الوباء ستشكل على الأرجح المرحلة الأخيرة من التراجع الطويل للصحف الورقية”.

مع ذلك إن وسائل الإعلام أمام اختبار الأسابيع المقبلة وما سيحدث من تقدم وتقهقر في العالم، لأن هناك من السياسيين من يحاول أن يمرر الفشل الحكومي واتهام وسائل الإعلام بذلك تحت مسوغ الاعتماد على المصادر المجهولة وعدم التركيز على الحكومات بوصفها مصدرا وحيدا لمعلومات الأزمة عن الوباء.

لذلك فإن وقوف الصحافة كمتفرجة ليس خيارا أمام أزمة العالم بعد كورونا وأزمة وسائل الإعلام نفسها، حسب جيمس ميتشينسون رئيس تحرير صحيفة محلية بريطانية، لافتا إلى أن أزمة الوباء تشكل فرصة للتحرك قبل أن تجد مناطق نفسها محرومة من مؤسساتها الإعلامية الإقليمية التي تقوم من بين أدوارها الكثيرة بمراقبة السلطات.