يفعل الخير والاسلاميون يحاربونه

الدكتور مجدي يعقوب لا تشغله مسألة الجنة والنار وهو يفعل الخير على كل حال.

سئل مجدي يعقوب "هل تعالج الناس مجانا طمعا بالجنة؟" فرد "أنا مفكرتش بالجنة والنار"، فنشر الاسلاميون هذه المقابلة على شبكات التواصل الاجتماعي بهدف الاساءة له. ومجدي يعقوب هو مصري قبطي مسيحي يعالج الناس من أمراض القلب مجانا، وقد صرح أنه يفعل الخير ليس من أجل الجنة، وهذا يعني أنه يفعل الخير من أجل الخير ولخدمة الانسانية، وهذا هو الدافع الذي يدوم أكثر من دافع الدين، ألم يقول الرسول محمد "يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي الرجل مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل." فالدين أمر غيبي، والاسلام يعني أن تستسلم له دون أن تسأل، فإذا أصاب المسلم كربا، فإن الشكوك تساوره، فينقلب على مبادئ حب الخير للبشرية، ويبدأ يضرب ذات اليمين وذات الشمال، من ظلمه ومن لم يظلمه، أما إذا كان الخير نابعا من نفس نقية من الأطماع بالطيبات الدنيوية والأخروية، فإنه لا يتغير، بل يشفق على الظالمين الذين يتصرفون كالوحوش وكأنهم خالدون ولن يصبحوا ترابا ذات يوم.

للتذكير، فإن مستشفى مجدي يعقوب لأمراض القلب فاز بـ 88 مليون درهم في مبادرة صناع الأمل التي أطلقتها الامارات العربية المتحدة، وهي مبادرة قصد بها نشر ثقافة التبرع والتطوع التي أصبحت جزءا من ثقافة "الكفار" في الدول المتقدمة، وأصبح فعل الخير أحد أهم معايير نجاح الشركات الكبرى تحت اسم "المسؤولية المجتمعية" والشركة التي تتبرع ينتشر اسمها في العالم، وبالتالي فإنها تحقق ربحا أكبر.

إن الثقافة عامل خفي لا نراه مجسدا إلا إذا راقبنا سلوك الأفراد والشعوب التراكمي خلال مدة طويلة تكفي لتكوين رأي في الانسان، فإذا كان الفساد منتشرا، نستنتج أن الشعب جبان لا يدافع عن حقوقه، وإذا كان التطوع والتبرع ضعيفا أو معدوما، نستنتج أن الشعب غبي وهمجي وغير مصقول الأخلاق ولا يعرف التهذيب والرقة ولا يعرف كيف يستمتع بالحياة في ظل المحبة والتضامن والتكاتف، وليس سرا أن العرب هم أقل الشعوب فعلا للخير دون إجبار أو إكراه، لذا فإنهم يعانون كثيرا ولا يستمعون بالحياة كما يجب.

والمشكلة تكمن في تعريف مفهوم الخير، فالمسلم يرى أن الإنسان فاسد ما لم يكن مسلما ومصيره النار مهما فعل، وهكذا فإن مفهوم الخير اختفى، وخُيِّل للبعض أن الاسلام وأداء الشعائر كافية للحصول على الجائزة ولا داع لفعل الخير طالما أن المسلم سيدخل الجنة، وهذا تغيير شامل لمفهوم فعل الخير.

لكن ماذا عن المسلم الذي يؤدي الشعائر كلها ويهضم حقوق أسرته وعماله ويسيء معاملتهم ولا يفوت فرصة للنهب إلا ويقتنصها، ولا يحسن معاملة أحد ما لم يكن ثريا أو مسؤولا كبيرا، ويسيء الأدب مع الناس لأن القانون لا يعاقبه على ذلك؟ ألم نتعرض كلنا جميعا لويلات ومظالم من قبل أناس يصلون على النبي كل خمس دقائق؟

يعتقد الناس جميعا أن الالتزام بالإسلام الصحيح يجعل المجتمع أكثر حضارة ورقيا وتهذيبا، وسوف نموت ونحن لا نعرف ما هو الاسلام الصحيح وكيف نوفق بين التناقضات التي تملأ أدبياته، فما نشاهده كل يوم هو إصرار على الشكليات، وحين تذهب الأم لخطبة فتاة لولدها تسأل "هل هي محجبة وتصرح أن ولدها يصلي ولا يدخن" وحين تذهب الأم لاستقدام خادمة، فإنها تشترط على مكتب الخدم أن تكون الخادمة غير مسلمة لأن الخادمات المسلمات لا ينظفن جيدا. هذه حقائق نعيشها يوميا، والأمور بنتائجها وليس بأدبياتها، وأية كتب لا تحقق أهدافها فهي تلوث بيئي، ليس أكثر من ذلك.

نعم، الدكتور مجدي يعقوب لا تشغله مسألة الجنة والنار وهو يفعل الخير على كل حال، وليس هو الطبيب الوحيد، فهناك الكثير من الأطباء جنود مجهولون لا يبحثون عن المال ولا عن الشهرة ولا عن التبرعات، يعالجون الناس مجانا أو بأجر ضئيل، لأنهم فهموا الحياة على حقيقتها، وأن البشر مساكين جاءوا الى الحياة رغما عن أنوفهم وسوف يغادرونها رغما عن أنوفهم، وآمنوا أن الرجل الصالح هو من يخفف من العناء في رحلة الحياة دون طمع بثواب أو خوف من عقاب، وفي النهاية، الناس يحبون من يحسن إليهم وليس من يصلي خمسه ويصوم شهره ويكتنز المال والله فقط يعلم مصدره.