يوسف السباعي في مرآة نجيب محفوظ

لم يكن السباعي يحمل أي نوع من الغيرة من زملائه الكبار، من أمثال محفوظ وعبدالقدوس والحكيم، بل انه ساعدهم على نشر أعمالهم.

على الرغم من أن يوسف السباعي لم يكن الأول إبداعيا وسط أبناء جيله من المبدعين، ومن أبرزهم نجيب محفوظ وأحسان عبدالقدوس، فإنه كان الأول إداريا بينهم، حيث قام بأدوار مهمة في الحياة الأدبية والثقافية في مصر، من أبرزها مشاركته في تأسيس نادي القصة بالقاهرة وجمعية الأدباء، ونادي القلم الدولي، والمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عام 1956، واتحاد كتاب مصر عام 1975، وتوليه مناصب أخرى مثل إدارة مؤسسة دار الهلال، ومؤسسة الأهرام، ومؤسسة روزاليوسف، وكان نقيبا للصحفيين. كما اختير وزيرا للثقافة في عام 1973 وظل في هذا المنصب حتى لحظة اغتياله – على إيدي متشددين فلسطينيين - في لارناكا بقبرص عام 1977 ومات عن 60 عاما، فهو من مواليد 1917 (بعد ميلاد نجيب محفوظ بست سنوات).

ولا شك أن يوسف السباعي بحكم أنه ضابط متخرج من الكلية الحربية عام 1937، وبحكم اقترابه من رجال ثورة 1952 أسهم مساهمة فعالة في تقلد مثل هذه المناصب، ولكن لا ننسى أنه كان من أسرة أدبية كبيرة، فأبوه محمد السباعي مترجم ومثقف كبير ونقل "رباعيات الخيام" وغيرها إلى اللغة العربية. لذا نجد أن ابنه  يوسف السباعي أحب الثقافة والأدب فكتب 22 مجموعة قصصية وأصدر عشرات الروايات آخرها "العمر لحظة" سنة 1973. ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1973 وعددا كبيرا من الأوسمة.

ولعلنا نتذكر من أعماله التي تحولت إلى الشاشة الكبيرة "رد قلبي" الذي يعرض حتى الآن في ذكرى ثورة 1952، و"العمر لحظة" الذي يعرض دائما في ذكرى انتصار أكتوبر 1973، ومن الأفلام الرومانسية التي لا ننساها فيلم "إني راحلة" و"بين الأطلال" و"نادية" و"جفت الدموع" و"ليل له آخر". ومن الأعمال الكوميدية والاجتماعية التي قدمت روايات يوسف السباعي للشاشة الكبيرة نتذكر "أرض النفاق" و"أم رتيبة"، و"نحن لا نزرع الشوك" وغيرها.

لم يكن يوسف السباعي يحمل أي نوع من الغيرة من زملائه الكبار، من أمثال نجيب محفوظ وأحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم، بل العكس من ذلك فهو الذي ساعدهم لنشر أعمالهم، فعندما أسس السباعي مجلة "الرسالة الجديدة" – بعد الثورة - نشر ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية) على خمسين حلقة، ونشر لتوفيق الحكيم عددا من الكتب التي كانت تصدر عن سلسلة الكتاب الفضي التي يصدرها نادي القصة بالقاهرة. كما نشر أعمالا لمحمد عبدالحليم عبدالله، وعباس خضر وغيرهما.

يذكر نجيب محفوظ أن الرقيب ألغى أحد فصول روايته "القاهرة الجديدة"، وصدرت طبعتها الأولى قبل الثورة، ولكن بعد أن قامت الثورة أراد يوسف السباعي نشرها في سلسلة "الكتاب الذهبي" (التي كانت تصدرها مؤسسة روزاليوسف)، ولكن رفض نشرها تحت عنوانها القديم، حتى لا يُفهم أن "القاهرة الجديدة" هي قاهرة الضباط، فقام بتغيير العنوان إلى "فضيحة في القاهرة"، وفيما بعد عادت إلى عنوانها الأصلي.

أما فيما يخص الثلاثية، فقد قال نجيب محفوظ: “انتهيت من كتابة الثلاثية قبل ثورة 1952 بثلاثة أشهر، وتعذّر طبعها بسبب ضخامة حجمها. قال لي سعيد جودة السحار عندما ذهبت لنشرها وكان اسمها "بين القصرين": ما هذه الداهية التي تريد نشرها؟ فغضبت منه، وأحسست بالإهانة. بعدها التقيت يوسف السباعي الذي عرض علي أن يساعدني على نشرها في إحدى المجلات، وقامت الثورة قبل بدء النشر، فاحتفظ بها يوسف السباعي ونشرها على حلقات في مجلة "الرسالة الجديدة" وهي المجلة التي أصدرتها حكومة الثورة في أبريل من عام 1954. واستمر نشرها على مدى خمسين حلقة في خمسين عددا”.

ويؤكد محفوظ أنه عندما سلّم "الثلاثية" ليوسف السباعي لم يكن لديه نسخة منها، ولو فُقدت النسخة الوحيدة من يوسف السباعي لأي سبب، لكانت الثلاثية قد ضاعت إلى الأبد.

وتعترف إحدى القارئات اللبنانيات لنجيب محفوظ أنها كانت تعيش في السويد في غربة وإحساس بالعزلة الشديدة، حتى بدأت تقرأ له كتبه، وكتب يوسف السباعي، فكانت خير عوض عن غربتها القاسية وعزلتها الشديدة.

وتعدَّت العلاقة بين نجيب محفوظ ويوسف السباعي الجانب الأدبي إلى الجانب الإنساني. وأثناء زيارة وفد أدبي مصري لليمن (يضم يوسف السباعي، وصالح جودت، ومحمود حسن إسماعيل وأنيس منصور، ود. مهدي علام، ونجيب محفوظ، حسب رغبة المشير عبدالحكيم عامر) كان ابن أخت محفوظ يعمل طبيبا بالجيش المصري هناك، فطلب من يوسف السباعي مقابلته. فقال له: سأكلم لك المخابرات. ثم أخبره أن المقابلة صعبة في هذا الوقت لأن عندهم عملا. وتبين لمحفوظ بعد ذلك أن ابن أخته كان مصابًا بشظية في رأسه ولم يخبروه.