يوسف القعيد .. القرية المصرية في أدبه ودرع التكريم في يده

لجنة السرد القصصي والروائي بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر تكرم روائي الاغتراب في المدينة وحامل همّ القرية.
ميرفت دهان
القاهرة

كرمت لجنة السرد القصصي والروائي بالمجلس الأعلى للثقافة - بحضور رئيس المجلس د. أسامة طلعت ومقررها الأديب منير عتيبة  في ندوة أدارها عضو اللجنة الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول، وتحدثت فيها الكاتبة سلوى بكر والكاتبة عزة بدر - الأديب الكبير يوسف القعيد روائي الاغتراب في المدينة وحامل همّ القرية المصرية التي عبّر عنها في مجمل أعماله ولم يعبر منها يوماً إلى ضفاف النيل حتى بعد أن انتقل للقاهرة منذ ستينيات القرن الماضي. إذ ولد في قرية الضهرية محافظة البحيرة في العام 1944 وكانت الحرب العالمية على مشارف نهايتها، لكن القدر ربطه لسنوات طويلة بالسلاح منذ أن التحق بالقوات المسلحة في العام 1965 لأداء الخدمة العسكرية وحضر النكسة وشارك في حرب الاستنزاف ثم انتصار حرب أكتوبر التي قرر بعدها وضع السلاح جانباً وحمل القلم واتجه نحو الكتابة والصحافة للتعبير عن كل ما يدور من هموم وأوجاع الريف.

كتب القعيد روايات بنبرة سياسية ساخرة تمت مصادرة بعضها. وأثناء تدرجه في المناصب الصحفية من المحرر في مجلة "المصور" إلى مدير تحريرها التي استقال منها في العام 2000، كان ينثر بذور ملامح رواياته على جبين الرواية المصرية والعربية، وحين كتب روايته "الحداد" في 1969 كان لا يزال منغمساً في مركز إيتاي البارود وجاءت الرواية كتعبير عن الحداد النفسي الذي أصاب المجتمع بعد النكسة في 1967.

توالت الروايات والمجموعات القصصية التي استطاع من خلالها تصوير التجاذبات التي تعتمل دواخل شخصية الإنسان القروي، بين البحث عن الثراء وصعوبة الحفاظ على القيم وأصالة القرية. وحولت العديد من رواياته إلى أعمال درامية منها "أخبار عزبة المنيسي" "البيات الشتوي"، "بلد المحبوب"، "وجع البعاد"، أما رواية "حدث في مصر الآن" فقد حُوّلت إلى فيلم سينمائي 1994 بعنوان "المواطن مصري"، وحصلت رواية "الحرب في بر مصر" على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية.

حصل القعيد على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 2008، وقال: "حين حصلت على جائزة الدولة شعرت أن مصر تقول لي شكراً"، ثم أتت جائزة سلطان العويس للإبداع الروائي بالإمارات العربية المتحدة عام 2015.

ارتبط القعيد بعلاقة متينة متعددة الوجوه مع نجيب محفوظ بين الصديق والمريد والتلميذ والتي بدأت في مقهى ريش بعد أن طلب من أديب نوبل موعدًا يهديه روايته الأولى "الحداد"، وفي رحاب ندوة محفوظ الأسبوعية تعرف على الأديب جمال الغيطاني ومعظم كتّاب جيل الستينات، فكانا توأم الإبداع اللصيق. وأصبح يوسف القعيد من أهم  أدباء الصف الأول في زمن الستينات الذي كان يضج بالزخم الإبداعي والصالونات الثقافية، وينسب إلى محفوظ تعلمه حرفة النص السياسي في الرواية وكما ارتبط نجيب بأزقة القاهرة وعاش أبطاله وراء أبواب حاراتها،

كانت القرية بساطاً لأدب القعيد افترش أرضها  ومرّ الزمن على أبطاله تطور خلالها وعي الشخصيات وتعمقت في الأوجاع وعانت من الغربة حتى اعتبر من رواد الرواية في مرحلة ما بعد نجيب محفوظ.

وبالعود لندوة التكريم التي بدأت بكلمة رئيس المجلس وتحدث فيها عن الاحتفاء بالتكريم لقامة أدبية وروائي كبير تقديراً لدوره ومكانته الأدبية ومشواره الذي أثَّر في تشكيل الوعي لدى الكثيرين، ففي حياته تجارب أساسية انعكست في كتاباته وهي القرية، والقوات المسلحة والصحافة.

وتحدث الروائي أحمد فضل شبلول - مدير الندوة - عن أهمية تكريم قامة كبيرة في مثل مكانة الأديب يوسف القعيد وأهمية التكريمات في لجنة السرد القصصي والروائي لكبار الأدباء، وعن تاريخ حياة الأديب ومولده والوقفات التي أثرت في حياته وأثرت إنتاجه الإبداعي وذكر بعض رواياته وقصصه القصيرة وكتاباته الأخرى وأدب الرحلات.

وكانت المتحدثة الأولى الأديبة سلوى بكر التي قالت دائماً ما يتم التعامل مع التكريم في المجلس بشكل شبه أكاديمي، أي نتحدث عن الأعمال فحسب وأنها تحب أن تتكلم عن رواية "أخبار عزبة المنيسي" التي قدمت لها د. سهير القلماوي وشجعت الكاتب الشاب فيها، وبعد القراءة الثانية لها أدركت أن القيمة الأولى للرواية أنها نموذجية لعالم القرية المصرية وكأنها بانوراما تتناول حياة الإنسان المصري في الريف رغم أنها تتناول هزيمة 1967، وبرأيها الأهم هو هذه القدرة على الإفصاح عن عالم الإنسان في الريف عالم الفقراء والمطحونين، وأن الرواية تدور أحداثها في ستينيات القرن الماضي ولكن المواضعات الاقتصادية والاجتماعية التي تطرحها تعود إلى قرون ممتدة والتي مازالت تعمل ضد الإنسان الفقير، وأن الرواية مليئة بعشرات التفاصيل عن الحياة اليومية والعلاقة بالمرأة المنتهكة التي تدفع ثمن المنظومة، والقيمة الأخرى أن هذه الرواية تطرح سؤال الحداثة والتحديث في مصر وعندما نقرأها الآن نتساءل عن صيروة الحداثة في مصر بعد كل هذا التراكم الفكري في المجتمع المصري، ونحن في مأزق حقيقي تقدمه هذه الرواية.

وتحدث مقرر اللجنة الأديب منير عتيبة عن رئاسة الروائي يوسف القعيد للجنة وحرصه على يكون لها إنتاج ودفعه لتنفيذ مشروعين هما مشروع مصر المبدعة ومشروع تقرير الحياة السردية المصرية، فالأستاذ يوسف القعيد هو المثقف الذي يحرص على أن لا يكتفي بالإبداع إنما يحقق فكرته عن الثقافة ويطبقها على أرض الواقع ونحن نحتاج إلى مثقف مثله وتكريم لجنة السرد له هو تكريم لها أيضاً.

وقد تحدثت الكاتبة د. عزة بدر باستفاضة عن تفاصيل رواية "وجع البعاد" وشخوصها وعن مكان أحداثها في "العتقاء" وهي عزبة قريبة من قرية الضهرية بإيتاي البارود واعتبرتها أنشودة لمصر وأنشودة للقرية المصرية، وأضافت "بدر" أن يوسف القعيد يحاول في هذه الرواية التحليق حول تطوير القرية المصرية، لافتة إلى حرصه على تسجيل الأشياء في القرية مثل تناوله شريط التسجيل الذي جعل منه حياة وطوق نجاة لأهلها. وأوضحت بدر أن رواية "وجع البعاد" ليوسف القعيد عبرت عن تغريبة لشخصياتها من أهالي قرية الضهرية سواء بركات أو أسامة، حيث أصبح المغتربون هم أمل أهل القرية، بركات هو العمر الذي مضى والآتي. ويمضي القعيد في تفاصيل جميلة بتدفق شعري وعاطفي يكتمل بها البناء الفني للرواية.

وفي كلمته شكر الأديب يوسف القعيد كل من حضر، وأنه ليس لديه ما يضيفه فقد قال كل ما يريد أن يقوله قاله في أعماله الأدبية منذ عام 1969 وتمنى أن يتم تكريم كل كاتب مصري أو عربي أو عالمي قدم أياماً من حياته وأخلص للكتابة الأدبية وهي شيء مهم جداً لأن من سيؤرخون لتاريخ مصر بعد ذلك سيعتمدون على النصوص الأدبية لأنها أصدق وأجمل وأدفأ وأكثر وصولاً للناس.

وأضاف يوسف القعيد.. بصرف النظر عن الاختلافات المشروعة، أنا واحد من جيل كتاّب الستينيات في مصر الذي رحل عنه عدد كبير من الأصدقاء وخاصة رفيق العمر والدرب جمال الغيطاني الذي لم يتصور حتى الآن أنه رحل. وعبر القعيد عن أمنيته بعودة جائزة نوبل لأي كاتب عربي لديه مشروعه، مؤكدًا أن نجيب محفوظ حتى رحيله لم يعلم الأسباب أو السياق السياسي الذي تسبب في منحه جائزة نوبل للآداب.

ندوة التكريم كانت ثرية بالقامات من الكتّاب والنقّاد فكانت تكريماً مستحقاً لأديب كبير أثرى المكتبة المصرية والعربية، وجدَّد في الكتابة الروائية، وحفر لها في أعماق الأرض بزخم من الإبداع.