پيشمرگة، أي پيشمرگة.. حشد، أي حشد؟

محاصصات مناطقية ومصلحية تتفرع من المحاصصات الحزبية والطائفية العرقية الكبرى.

الأمراض التي يعاني منها إقليم كردستان العراق، هي في الحقيقة نفس الأمراض التي تعاني منها بقية أرجاء البلد، مع إختلاف بسيط وغير محسوس وهوما يتعلّق بشدّة هذه الأعراض وطريقة تناولها، والتي لا معنى لها "طبيّا" طالما تؤدي الى نفس النتيجة. ومن أشدّ هذه الأعراض تأثيرا هي المحاصصّة الحزبية والطائفيّة، بإعتبارها الأب الشرعي لجميع الأمراض الأخرى التي دمّرت البلاد. وبلغة أخرى فأنّ غياب المحاصصة يعني أن لا وجود لأمراض عدّة على رأسها وجود "جيوش" عدّة، وإرادات سياسيّة قادرة على جعل هذه "الجيوش" في مواجهة بعضها البعض حالما شعرت بتعرض مصالحها للخطر، دون الأخذ بنظر الإعتبار مدى الضررالناتج عن هذه المواجهات وإن لم تتطور الى مواجهات عسكرية حقيقية لليوم، كون التراشق الكلامي الذي يستند الى ظهير مسلّح في بلد مثل العراق يرتبط أساسا بإظهار مبدأ القوّة في فضّ النزاعات، والذي يؤدي بالنهاية الى فرض الأمر الواقع بلغة السلاح. ولعدم وجود تعريف واضح ومحدّد للجيش العراقي ومهامّه وطريقة إنتشاره على الرغم من تثبيته في المادّة التاسعة من الدستور الذي لم يطبّق لليوم.، فأنّ الجيوش الرديفة ونتيجة هيمنتها على القرار السياسي وضربها للدستور حمّال الأوجه متى ما أرادت، وهي بالحقيقة صاحبة اليد الطولى بالبلد، ستشكّل خطرا كبيرا على السلم المجتمعي إن إصطدمت مع بعضها البعض لأي سبب كان، ومن أهم هذه الأسباب هو تقاطع المصالح بين الدول الراعية لهذه "الجيوش"، ومصالح قادتها وفسادهم وسرقاتهم للمال العام.

لقد إشتعل في الأيام القليلة الماضية خلاف كبير بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان العراق حول منطقة زيني ورتي، على خلفية دخول قوات الپيشمرگة الى المنطقة التي يعتبرها حزب الإتحاد الوطني الكردستاني من المناطق الخاضعة لحزبه. وهو ما دعا قيادة الإتحاد لإصدار بلاغ يتهم فيه الحزب الديموقراطي الكردستاني بمهاجمة القيادة الجديدة للإتحاد الوطني "وفقا لبرنامج مدروس وهذه الهجمات تكرّرت عدّة مرّات." كما دعا البلاغ رئيس اقليم كردستان باعتباره القائد الاعلى لقوات بيشمركة كردستان "الى اصدار قرار فوري بسحب القوات المستقدمة الى منطقة زيني ورتي بناء على المطالب المشروعة لابناء المنطقة وتسليم الاوضاع الامنية الى قوات الامن الداخلي"! فيما ردّ رئيس الإقليم السيد مسرور البارزاني في بيان أكد فيه "أن أية قوة لم يتم تثبيتها في المنطقة، عدا قوات البيشمركة"!

السؤال الذي يشغل بال المواطن الكردي كما يشغل بال المتابع لأوضاع الإقليم والصراعات بين الحزبين الحاكمين التي لم تنته لليوم ولا زالت تهدّد حياة الناس، يدور حول معنى وتفسير قوات الپيشمرگة المنضوين ضمن تشكيلات وزارة الپيشمرگة، وهل قادة وحدات هذه القوات ومنتسبيها ينفذّون أوامر قياداتهم في الوزارة والقائد العام للقوات المسلّحة بالإقليم دون الرجوع الى قياداتهم الحزبية؟

إنّ رفض الإتحاد الوطني الكردستاني لتواجد قوّات الپيشمرگة التابعين لوزارة الپيشمرگة في منطقة كردية تقع ضمن الحدود الإداريّة لإقليم كردستان العراق، وتأكيد البارزاني من أنّ القوات هناك هي من الوزارة ولا وجود لأية قوّة حزبية فيها. دلالة على إنعدام الثقة بين الطرفين من جهة، وأنّ الپيشمرگة في تلك المنطقة هم پيشمرگة الحزب الديموقراطي الكردستاني. وهذا يعني أنّ أهم وزارة كردية والتي تقع على عاتقها الدفاع عن منجزات الشعب الكردي لا زالت لليوم تحت رحمة المحاصصة كما حال بقية الوزارات هناك علاوة على إنقسامها، ما يجعل الأوامر الصادرة منها تفسّر حسب المرجعية الحزبية وليس حسب المصلحة العليا للكرد، وهذا يعني أيضا أنّ المواطن الكردي عليه علاوة على تحملّه الفساد الإداري والبطالة والفقر، أن يسأل السيد البارزاني وقادة الإتحاد الوطني وهم يتحدثون عن وزارة الپيشمرگة أن: أي الپيشمرگة تعنون أيها السادة!؟ وهل الصراع الأخير وليس الآخر بعيد عن تقاسم الثروات بين الحزبين، والتي هي بالأساس تجاوز على حقوق المواطن الكردي.

الأمر في بلد كالعراق تتحكم فيه العصابات المسلّحة في غياب واضح للدولة وشرعيتها وهيبتها، يدفعنا كعراقيين أن نتساءل حول دور القوّات المسلّحة ووزارة الدفاع العراقية ومدى فاعليتها في كبح جماح الميليشيات المنفلتة. وهذا السؤال يدفعنا الى البحث عن طبيعة القوّات المسلّحة وإستقلاليتها بعد أن فُرِضَت الميليشيات الشيعية عليها كجزء من تشكيلات مسلّحة مستقلة "تأتمر" بإمرة القائد العام للقوات المسلّحة أي رئيس الوزراء تحت مسمى الحشد الشعبي "المقدّس". وعندما نقول الحشد فأي حشد نعني، هل قوات المتطوعين إثر فتوى السيستاني والتي تطورت هي الأخرى الى ميليشيات، أم تلك الميليشيات والعصابات التي كانت تعمل قبل تلك الفتوى واستغلت الفتوى لتضفي على نفسها الشرعية وتدخل عالم السياسة وصولا للبرلمان في دورته الأخيرة!؟ وهل القائد العام للقوات المسلحة ولا نقول وزير الدفاع قادر على لجم ميليشيا كالعصائب وحزب الله وغيرهما، وهما يهددان السلم الأهلي بأعمال عسكرية هي على الضد من سياسة البلد العلنية على أقل تقدير؟

تعدد مراكز القوى بالمركز والإقليم حالة مرضية لا يتم الشفاء منها الّا بإستمرار الإنتفاضة الجماهيرية وبناء عراق جديد، على أنقاض طبقة سياسية أشاعت كل أشكال الجريمة منذ أن هيمنت على مقدّرات البلد ولليوم.