30 باحثا مصريا وعربيا يفتحون أبواب العلاقات بين المشرق والمغرب العربيين

مكتبة الإسكندرية تستضيف مؤتمر "العرب بين المشرق والمغرب" بالتعاون مع مكتب الجامعة العربية بتونس.
عبداللطيف عبيد يقترح مؤتمرا عن المكونات البشرية العربية لمجتمع الإسكندرية
المؤتمر جاء من أجل التأكيد على قوة القواسم المشتركة بين جناحي العروبة

أكد د. مصطفى الفقي مدير الإسكندرية أن مصر تشعر دائما بانتماءاتها المغاربية والمشرقية على حد سواء، وأنها كانت قبلة العلماء والأئمة وأولياء الله الصالحين المغاربة الذين يمكثون عاما أو أكثر وبعضهم استقروا في مصر عقب أدائهم فريضة الحج، وربما لا يعلم البعض أن اللغة الأمازيغية تنتشر في منطقة سيوه وبعض مناطق الوادي الجديد، إن المشرق العربي تلازمنا معه تلازما تاريخيا لا محل للجدال فيه، إنما نحن نشعر دائما أننا مزيج بين المشرق والمغرب، هناك الكثير من الجماعات في المحافظات المصرية من أصول مغاربية، أبو زيد الهلالي عندما جاء استقر في جنوب مصر هو ورجاله.
وأضاف في افتتاح مؤتمر "العرب بين المشرق والمغرب" أن المغرب العربي كان دائما في الطليعة في مواقف القضايا القومية والوطنية العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية القدس، وإسهاماته لا يمكن إنكارها سواء في وقوفه إلى جوار مصر أعقاب 1967 أو في حرب 1973.
 وقال د. عبداللطيف عبيد الأمين العام المساعد لجامعة العربية ومدير مكتب الجامعة بتونس الذي ينظم المؤتمر بالتعاون معه "كان للمغاربيين ـ أي التونسيين والليبيين والجزائريين والمغاربة أو المراكشيين والموريتانيين ـ مثلما كان للشوام وغيرهم من أبناء الأمة العربية، حضور قوي في مدينة الإسكندرية، وهذا الحضور اقتصادي واجتماعي وثقافي، وما أحرانا أن نخصص له مؤتمرا يكون بعنوان (المكونات البشرية العربية لمجتمع الإسكندرية). وما أحرانا أيضا أن نوثق لهذا الحضور ضمن مركز بحثي تحتضنه مكتبة الإسكندرية. 

بعض الأوراق البحثية تناولت التاريخ النضالي بين المشرق والمغرب في مواجهة الاستعمار الغربي والجمود والتخلف الحضاري

إن مثل هذه الجهود التوثيقية والعلمية حول دور المغاربيين وغير المغاربيين في المجتمعات العربية في مدينة الإسكندرية عبر التاريخ واندماجهم فيها الاندماج التام لما يقيم الدليل على أننا كنا وينبغي أن نبقى أمة واحدة لا تفرق بينها الحدود ولا يحتاج فيها المواطن إلى التأشيرة ولا يضطر إلى دفع ضريبة السفر لأن بلاد العرب كلها وطن له.
وأكد أن المؤتمر جاء من أجل التأكيد على قوة القواسم المشتركة بين جناحي العروبة في الماضي والحاضر من أجل مستقبل أفضل للوطن العربي والأمة العربية. إن الوطن العربي الذي تشكل مساحته 10 % من مساحة اليابسة ويمثل سكانه حوالي 5 % من سكان العالم لا يخلو من التنوع في المكان والزمان وبالتالي في البشر والثقافة والهموم والآمال، ولكن تبقى العروبة إطارا جامعا قادرا على التوحيد وتحقيق التضامن والتعاون والتكامل ولمثل هذا يهدف مؤتمرنا". 
ويأتي المؤتمر بمشاركة أكثر من ثلاثين باحثًا عربيًّا من تونس والمغرب والجزائر وسوريا والعراق وسلطنة عمان والسعودية بالإضافة إلى مصر، ويهدف لإعادة التركيز على ملف العلاقات المشرقية المغربية الـذي انزوى في العقد الأخير، ولم يعد يحظى باهتمام الباحثين العرب. 
ويرى القائمون أن الخطوة الأولى لإعادة الاهتمام بهذا الملف الحيوي هو بناء وعي تاريخي لدى النخب الثقافية والجماهير العربية بعمق العلاقات العربية العربية التي تتجاوز الخلافات والأزمات القائمة. ويستلزم هذا إعادة النظر في مسار تلك العلاقات دون التركيز على جوانبها السياسية فقط، بل بالتركيز أيضًا على عوامل الاندماج الثقافي والحضاري والاجتماعي الذي جسدته الرحلات الفردية والهجرات الجماعية بمشرق العالم العربي ومغربه على مدار قرون. من ناحية أخرى، بقدر ما يكشف هذا المسح عن عمق العلاقات المشرقية المغربية.
وعقب الافتتاح توالت جلسات لتناقش أصول العلاقات المشرقية المغاربية من جوانبها وزواياها المختلفة فاتخذ الباحث التونسي علي حمريت من العراق وتونس نموذجا للعلاقة الأخوية الدائمة بين المشرق والمغرب كاشفا أن نساء البربر قدمن للشرق عن طريق التزاوج والمصاهرة بعضا من رجالاته، وهذا ناتج عن السبي وعن التقدير الذي نلنه، فولدن مَنْ سوف يكون أميرا وأنجبن ثلاثة خلفاء. فقد أنجبت راح أصيلة نفزة من بلاد الجريد بالجنوب التونسي (منطقة قبلي) عبدالرحمن الداخل مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، وأنجبت سلامة من نفس المكان (نفزة بتونس) أبا جعفر المنصور وهو باني الدولة العباسية، وولدت قراطس الخليفة العباسي المقتدر.
وكان الشعبي (المتوفي 105 هـ) وهو تابع ومحدث شهير بالكوفة، وراو بالخصوص لتواريخ مغازي الرسول، هو أيضا من أسرة بربرية أسرت ببلدة جلولاء قرب القيروان. حدث أن البعض من البربر الأصليين قاموا بدور من الطراز الأول في نقل العلوم الإسلامية إلى الشرق. وقد كان عكرمة (المتوفي 105هـ) عبدا أعتقه ابن عباس فصار أحد أعلام التفسير وهو من البربر. وقد جاء إلى أفريقيا حيث "بث العلم وكان مجلسه في مؤخر جامع القيروان في غربي الصومعة" كما قال المالكي في رياض النفوس.
ورأى حمريت أن العلاقات بين العراق وتونس لم تنقطع أبدا، ولعل أبرزها في العصر الحديث إقامة الشيخ عبدالعزيز الثعالبي ببغداد سنوات عديدة كان فيها الزعيم العربي والإسلامي المحبوب والمؤثر. وإن تفاعل شعراء العراق مع الشيخ الثعالبي ومع القضية الوطنية التونسية، قبل حصول تونس على استقلالها عام 1956، لتفاعل كبير يقيم الدليل على أن العراق وتونس قطران شقيقان من أمة عظيمة واحدة هي الأمة العربية.
وعرض د. مصطفى الكتيري لكتابه "الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية المصرية" الذي صدر في مجلدين بالتزامن مع انطلاق المؤتمر وأهدى نسخة منه لمكتبة الإسكندرية والذي يتناول جوانب العلاقات التاريخية المشتركة الدينية والسياسية والثقافية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية بين مصر والمغرب. والذي شارك فيه 31 باحثا مغربيا ومصريا.

صفحات من تاريخ مدينة تطوان
صوت المغرب العربي

ومن خلال إرث والدها العلامة المغربي محمد داوود قدمت الباحثة د. حسناء داوود رصدا مهما لصفحات من تاريخ مدينة "تطوان" الثقافي والفكري مع المشرق العربي في النصف الأول من القرن العشرين، حيث شكلت نخبتها التي ذهبت للتعلم في مصر وفلسطين المواجهة لمحاولات الاستعمار محو هوية ولغة وثقافة تطوان خاصة والمغرب عامة، حيث قامت هذه النخبة بمبادرات ثقافية وتعليمية لدعم القواسم المشتركة بين عرب المشرق والمغرب، كما قادت النضال ضد المستعمر وأفكاره. وتطرقت لتأسيس والدها محمد داوود للمدرسة الأهلية بتطوان عام 1924 وزيارته لمصر ونقله للمناهج والمقررات التعليمية للمغرب، وكذا تعريف المجتمع المصري والعربي المقيم بمصر بالقضية المغربية والمغرب عامة وقيامه باستقدام الصحف والمجلات التي تصدر في مصر وتوزيعها في تطوان والتعريف بكتابها وأبرز ما يجيء فيها من مقالات.
كما تحدثت حسناء داوود عن إنشاء بيت المغرب بالقاهرة عام 1938 والذي كان صوت المغرب العربي كله وله دور بارز في دعم النضال الوطني المغاربي، هذا فضلا عن تعريفها برحلة والدها "الرحلة الشرقية" 1935 التي تجول فيها بين بلدان المشرق العربي مصر والعراق وسوريا ونجد والحجاز وفلسطين. 
ولفتت د. إكرام عدناني إلى أن العلاقات بين المغرب العربي وأوروبا أكبر كثيرا من علاقته بالمشرق العربي خاصة في ظل التراجع الواضح في السنوات الأخيرة. وأكدت ضرورة دعم العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بين المشرق والمغرب خاصة وأن هذه العلاقات راسخة الجذور على ما دار في تاريخ طويل، وأن اللغة والعلاقات الروحية أثرتا كثيرا في الفضاء الطبيعي الذي يحدد الهوية. وناقشت حوار المفكرين العربيين محمد عابد الجابري وحسن حنفي الذي ترك أثرا عميقا في الحراك الفكري والثقافي المغاربي حيث منح المفكران العلاقة طابعا فكرية وفلسفيا من خلال مناقشتهما لقضايا الحرية والنهضة والعدالة والديمقراطية والعقلانية.
أما د. عبدالعزيز صلاح سالم فتناول مظاهر إشعاع التراث الحضاري الإسلامي بين مصر والمغرب، لافتا إلى العديد من القواسم المشتركة بين المدن المصرية والمغربية خاصة فاس والقاهرة.  
وتحت عنوان "مكتب المغرب العربي بالقاهرة كرمز للتضامن الكفاحي بين المغرب والمشرق العربيين" تطرق السفير محمد الحصايري إلى الظروف التي حقت بإنشاء مكتب المغرب العربي بالقاهرة وإلى الأهداف التي تم إنشاؤه من أجلها والدور الذي اضطلع به في توحيد الجهود والتنسيق بين ممثلي الحركة الوطنية في البلدان المغربية الثلاثة، أي تونس والجزائر والمغرب التي كانت واقعة تحت الاستعمار الفرنسي. كما أبرز الدور الذي لعبته جامعة الدول العربية ومصر وعدد من دول المشرق العربي في دعم الحركات الوطنية المغاربية.
وأكد الحصايري على الأهمية التي اكتساها التضامن الكفاحي بين المغرب والمشرق العربيين في تعزيز نضال الحركات الوطنية المغاربية ضد الاستعمار الفرنسي. وخلص إلى ضرورة استحضار الروح التضامنية العربية للاستعانة بها على مواجهة التحديات الخطيرة التي تهدد العالم العربي اليوم كدول وكمجموعة.
وتطرق د. امحمد بن عبود إلى النضال الوطني المغاربي العربي في القاهرة في فترة الأربعينيات متخذا من الشهيد امحمد أحمد بن عبود نموذجا (1946 ـ 1949) مؤكدا أن نشاط المناضلين المغاربة في القاهرة كان فصلا سياسيا وثقافيا، هدفه تحقيق استقلال منطقة المغرب العربي وذلك بمكافحة الاستعمار الفرنسي.
وتحدث الباحث د. هاني حمزة عن رحلات المشارقة ممثلة في رحلة عبدالباسط بن خليل للمغرب في القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي، لافتا أولا إلى أن الترحال من المغرب إلى المشرق العربي كان من الظواهر البارزة في العصور الوسطى المتأخرة (القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي إلى القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي) وذلك لأسباب وعوامل عديدة: دينية: لأداء فريضة الحج وزيارة الأماكن الإسلامية المقدسة أو لممارسة شعائر التصوف ـ علمية: لطلب العلم في المدارس الإسلامية المنتشرة في المشرق العربي ـ سياسية: في مهام دبلوماسية أو لجمع معلومات ـ بقصد التجارة، وأحياناً حبا بالمغامرة.
وقال إن من أشهر هؤلاء الرحالة إن لم يكن أشهرهم هو عبدالباسط بن خليل بن شاهين الظاهري الملطي. وقد سجل رحلته هذه في "كتاب الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم" والذي نشر عام 2014 تحقيق عمر عبدالسلام التدمري في أربعة أجزاء عن مخطوطة بمكتبة الفاتيكان في روما، ووصف الكتاب محمد عامر في العدد الثامن من مجلة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة وذكر رحلة عبدالباسط زكي محمد حسن في كتابه "الرحالة المسلمون في العصور الوسطى" المنشور في بيروت عام 1981. وهناك كتاب عن عبدالباسط الحنفي ذكرت فيه أيضاً رحلته المغاربية واسمه "عبدالباسط الحنفي مؤرخاً" من تأليف محمد كمال عز الدين نشر في بيروت في 1990. 
وتسلط بعض الأوراق البحثية للمؤتمر الضوء على نماذج للرحلات التـي أسهمت في تكوين صور مختلفة بين المشرق والمغرب من خلال الرحالة والكتاب والمؤرخين عبر فترات زمنية مختلفة. وتشير بعض الأوراق البحثية إلى صور المغرب والمشرق في نظر الرحالة الأوروبيين. ولم يقتصر الترحال على العوامل البشرية، فرحلت أنماط ثقافية متنوعة بين المشرق والمغرب، وهو الأمر الذي تعكسه مداخلات الباحثين الذين سوف يركزون على فنون مثل الموشحات والمعمار والأدب العربي بين المشرق والمغرب. من ناحية أخرى، تتناول بعض الأوراق البحثية التاريخ النضالي بين المشرق والمغرب في مواجهة الاستعمار الغربي والجمود والتخلف الحضاري، وهو الأمر الذي مثّل بداية لإعادة التعارف بين جناحي العالم العربي، وهو ما تجسد في حركة تضامنية واسعة استهدفت التخلص من الاستعمار وإرثه في بلدان مثل تونس والجزائر والمغرب، وهي البلدان التي تلقت مساعدات من جارتها المشرقيات في سبيل التخلص من العدوان العربي، وساعدت بدورها في الحركات التحررية العربية.