سليم نزال يؤكد أن كل العلوم مترابطة ويدعم بعضها بعضا

الشاعر الفلسطيني: اذا كان الشعر لا يساهم في عالم أكثر بهاء وأقل ألما فلا قيمة لكل ما يكتب!
ما أضيق فكري حين لا يتسع لكل فكر!
كتابة الشعر تشبه المغامرة في المجهول

 حوار أجراه:  وليد عبدالله 

الحديث مع الشاعر الدكتور سليم نزال حديث ذو شوون وشجون. فهو الرجل الذى يخوض غمار الأدب رغم أنه قادم من مجال العلوم الاجتماعية. أما بالنسبة له فكل العلوم مترابطة ويدعم بعضها بعضا، حتى وان لم يكن الرابط واضحا على الدوام. كما هو الحال مع التخصص الطبي الذي يعالج عضوا في الجسم لكنه أيضا يعالجه عبر ارتباطه مع الاعضاء الأخرى. او كما يقول نزال يشبه الأمر الرؤى الصوفية للكون المعروفة باسم وحدة الوجود أي أن الوجود لا يتجزأ، وكل الموجودات هى مجرد صور لهذه الوحدة. 
ولا ينكر نزال تأثير الصوفية عليه من خلال قراءاته لجلال الدين الرومي وكذلك ميخائيل نعيمة الذي يعتبر أن كتاباته هي صوفيه في العمق. ولذا يردد نزال أحد أقوال ميخائيل نعيمة، ما أضيق فكري حين لا يتسع لكل فكر!
 المقابلة مع الدكتور نزال حصلت بعد بضعة أسابيع من صدور كتابه الشعرى بالانكليزية "الربيع في القلب". وهو المجموعة الشعرية الرابعة التي بدأها بكتاب  "أغنيات حب على نهر الفيستولا"، و"فيما وراء الغيوم البعيدة" و"فلسطين في القلب".
 والكتاب كما في كتبه السابقة من إصدارات داري كتب اللندنية وموجود على موقع  الأمازون. ويقول الدكتور نزال إن لديه مخطوطتين شعريتين سينشرهما  خلال  العام 2018 وبعدها سيتوجه لكتابة القصة القصيرة.
ومن الواضح ان نزال يشعر بوطأة العمر حيث يقول إنه سيحسن استخدام وقته أكثر من أي وقت مضى في الكتابة.
ويرى أن كتابة الشعر تشبه المغامرة في المجهول. لكنه ليس مجهولا بالمعنى الابستومولوجى للكلمة بل كونه يحمل روح الاستكشاف. الشاعر مستكشف لكنه لا يرحل في الجغرافيا الطبيعية بل فى عالم الإنسان عبر اتحاده بكل الموجودات في الكون. وحتى وإن كانت  الفلسفة الالمانية قد وضعت خطا فاصلا بين الثقافة والطبيعة إلا ان الإنسان هو في نهاية المطاف إنتاج للطبيعة بالدرجة الأولى. كما إنه  منتج ثقافي أي من صنع االبيئة الثقافية التي يولد فيها المرء كما يقول بيتر  يرغر.
ويلاحظ  نزال أن هناك أبحاثا في علم الزراعة ترى بوجود علاقة ما بين الإنسان والمنتوجات الزراعية التي تنمو في بيئته الطبيعية. أى بمعنى أن الفواكه مثلا المنتجة في البيئة التي يولد فيها الإنسان أكثر صحية من المستوردة من أماكن بعيدة لأنها (تشبهه).
في مجموعة "الربيع في القلب" يجد القارىء حضورا لفصول السنة من الخريف إلى الشتاء إلى الربيع إلى الصيف. لكن نزال يقول إنه يرى الفصول ليس بعين مراكز الأرصاد الجوية التي تنبيء بحالة الطقس، بقدر ما يرى الامر ضمن إطار التأمل العميق لهذه العلاقة  وتفاعلاتها مع النفس البشرية.
يبدأ كتاب "الربيع في القلب" بقصيدة تحمل هذا الاسم. تبدأ القصيدة برسم صورة لحلول الخريف من خلال اختفاء النمل والفراشات من الغابة. وهذه صورة تعبر عن واقع فيزيائى لكن حقيقة القلب غير ذلك. مشاعر الحب تتعالى على  الخريف وتنتج لذاتها ربيعا أي أن الربيع والخريف هما حالة نفسية. بهذا المعنى يكون للإنسان كلمة في صناعة قدره من خلال الحب. فالحياة تمضي مثل دوائر في بركة ولا قدرة للإنسان على إيقاف عجلة الزمن لأن الرحلة قد انطلقت ولا سبيل لإيقافها. 
وحده الحب قادر أن يمنح الحياة ربيعا يتخطى الفصول التقليدية.
الطريق فارغ من الفراشات
ومن النمل في الغابة
لم تعد السماء تشبه عينيك الزرقاوين
الطيور على وشك السفر
إنه الخريف يا عزيزتي
لكن الربيع في القلب
الورود في روحي
الورود في قلبي
وأحلام ملونة
منتشرة عبر المسافات
لتصل إليك
الحياة حجر في بركة
تنمو الدوائر وتنمو
يقول نزال اذا كان الشعر لا يساهم في عالم أكثر بهاء وأقل الما، فلا قيمة لكل ما يكتب. إنه يريد من شعره أن يساهم في الحرب ضد كل من يتسبب في الآلام البشرية. من وجهة نظرة نحن في رحلة قصيرة في هذا الكون وينبغى أن نتكاتف لان  تكون رحلة جميلة. وان نتحد ضد من يريدها رحلة آلام وشقاء.
في قصيدة "العالم يقتل العصافير لأجل المتعه!" يبدأ القصيدة بنظرة تشاؤمية حيث   يتمنى لو أنه لم يولد ليكون شاهدا على آلام البشر. فهو يرى الحروب وازدهار صناعة الأسلحة وازدياد الفقر والمآسى الإنسانية التي تنقل كل يوم على شاشات التلفزة.  
والقصيدة عبارة عن صرخة تحذير لأنه يرى العالم يغرق شيئا فشئا. ولذا فهو يريد أن تكون أشعاره أجراسا تقرع تحذر من المصير المتجه إليه البشر. مثلما  يريد من شعره ليكون البوصلة وقارب نجاة! 
إذا استشرت قبل ولادتي، لما أتيت
لعالم يقتل العصافير لأجل المتعه 
قتل الأطفال من أجل الربح
الأمهات تنعى أبناءهن في حروب لا معنى لها
إذا سألت، أود أن أقول، أنا لن آتي
لن أكون شاهدا زائفا على الألم البشري
أريد أن أعيش فى عالم هادىء   
بلا حروب
ولا  ألم
أريد قصائدي
لأن تصرخ  بصوت عال
  لتكون البوصلة
وقارب النجاة
قبل الغرق 
يمضى نزال الكثير من أوقاته في الحديقة التي يسميها عرزاله. وهو يعتبر أن التأمل هو طريق للوصول إلى الحقيقة. إذ لا بد للمرء أن يبنى صداقة مع ذاته وإلا صارت رفقة الذات مملة.
يقول نزال إن شونبهاور كان محقا عنما قال إن الفلسفة تعزية لانكسارات القلب لأنه  وصل لقناعة بضرورة قضاء الحياة في التأمل. وهو يعتقد أن الشعر له دور مشابه للفلسفة. التأمل يمنح الانسان سعادة عميقة. لكن الوصول اليها لا يتم إلا في أقصى لحظات الانسجام مع النفس.
 يقول في قصيدة "كم تبدو الحياة غريبة أحيانا":
الحياة غريبة في بعض الأحيان
الوردة المقدمة  للطفل المولود
  أو في الحب الأول
هي نفسها التي توضع  للموتى؟
والقمر، الذي يشاهد
أحلام الحبيب
يشهد على آلام البشر
يا له من مشهد سريالي!
يا عزيزتي في الأرض البعيدة
تولد الأحلام في الروح
طائر يطير في سماء زرقاء
أو النمل يجمع الطعام الشتوي
أو وردة مقاومة للبرد
أو حلم رجل مظلوم
دعينى  يا صديقتي
نقرض الليل بعض أحلامنا 
القمر سيكون شاهدا