سوريا تواجه تحديات اقتصادية هائلة

لندن - من عبد الكريم حمودي
الاصلاح الاقتصادي يشكل اهم اولويات الحكومة السورية

تشير البيانات والتقارير الرسمية إلى أن الاقتصاد السوري، الذي يعتمد في جزء كبير منه على الزراعة والنفط، حقق خلال العالم الماضي 2001 نمواً أكبر من المتوقع بسبب جودة الموسم الزراعي وارتفاع عائدات النفط وزيادة الكميات المصدرة منه بالإضافة إلى زيادة التبادل التجاري، حيث بلغت نسبة النمو الحقيقي في الناتج الإجمالي نحو 2 في المائة قياساً بانكماش قدرة 0.6 في المائة عام 2000، لكن فرص زيادة نسبة النمو خلال العام الجاري أو حتى المحافظة على النسبة المتحققة خلال العام الماضي تبدو أكثر صعوبة في ظل المؤشرات الاقتصادية المتوفرة حتى الآن. نمو الناتج الإجمالي تتباين تقديرات النمو في الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير بين التقديرات الرسمية والمستقلة، ففي الوقت الذي أكد فيه وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور غسان الرفاعي أن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي وبالأسعار الثابتة ارتفع العام الماضي بنسبة 2.8 في المائة، وبزيادة تصل إلى 2.2 في المائة عن العام الذي سبقه، وبقيمة 14.9 مليار دولار عام 2001 بالمقارنة مع 14.49 مليار دولار عام 2000. فإن التقرير الذي أصدرته مؤخراً المؤسسة العربية لضمان الاستثمار خفضت نسبة النمو إلى نحو 2 في المائة فقط، فيما قالت مصادر رسمية إن إجمالي الناتج الداخلي في سوريا وبالأسعار الاسمية ارتفع 5.9 في المائة في العام 2001، وبلغت قيمته 950 مليار ليرة سورية (19 مليار دولار) مقابل 897 مليار ليرة سورية (17.94 مليار دولار) في عام 2000.
أما الكتاب الذي صدر عن مجموعة أكسفورد للأعمال بالتعاون مع مركز الأعمال السوري الأوربي عن الاقتصاد السوري عام 2002، فجاء فيه أن معدل نمو الاقتصادي السوري خلال عام 2001 لم يتجاوز 1.7 في المائة فقط، ويتوقع الكتاب أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي عام 2003 نحو 2.3 في المائة وصولاً إلى 2.5 في المائة عام 2005.
ويرجع الخبراء والمحللون الاقتصاديون أسباب هذه النجاح الذي سجله الاقتصاد السوري خلال العام الماضي إلى ارتفاع أسعار النفط وتحسن الموسم الزراعي بشكل رئيس، بالإضافة إلى تحسن المبادلات التجارة وتزايد قيمتها مع عدد من الدول العربية وفي مقدمتها العراق، فالاقتصاد السوري يعتمد بشكل رئيس على ثلاث مواد أولية هي النفط والقطن والحبوب، حيث تشكل السلع الثلاث نحو 90 في المائة من إجمالي الصادرات السورية.
لكن هؤلاء الخبراء يؤكدون أيضاً أن الاقتصاد السوري لن يستطيع زيادة معدل النمو خلال العام الجاري أو حتى المحافظة عليه، وأنه سيعود إلى دائرة الانكماش خلال العام الجاري وذلك للأسباب التالية: أولاً: تراجع مساهمة قطاع النفط يشكل النفط ومشتقاته نحو 68 في المائة من الصادرات ونحو 50-60 في المائة من واردات الميزانية العامة، وفيما بلغت عائدات النفط ومشتقاته بالإضافة إلى عائدات الفوسفات خلال العام الماضي نحو 2.4 مليار دولار، وبمتوسط 25 دولاراً للبرميل الواحد، فمن المتوقع أن تتراجع قيمة هذه العائدات خلال العام الجاري نتيجة التراجع المتوقع في الأسعار، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن قطاع النفط والغاز يعتبر من أهم قطاعات الصناعات الاستخراجية، وشكلت عائداته خلال العام الماضي 50.2 في المائة من أرقام الموازنة للعام الجاري والتي بلغت 7.1 مليار دولار، فإن وزير النفط السوري السيد إبراهيم حداد قال إن الصادرات السورية ارتفعت من 300 ألف برميل يومياً إلى متوسط 450 ألف برميل منذ أكثر من عام بسبب تغطية الاستهلاك الداخلي من النفط العراقي المستورد والمقدر بنحو 200 ألف برميل يومياً والذي تستفيد منه سورية محلياً لترفع صادراتها البالغة 350 ألف برميل من أصل إجمالي الإنتاج البالغ 600 ألف برميل في اليوم، لكن هذا الارتفاع في قيمة الصادرات سيبقى خاضعاً للظروف السياسية التي تشهدها المنطقة. ثانياً: تراجع الإنتاج الزراعي
تشير كافة التقارير إلى تراجع الإنتاج الزراعي هذا العام 2002 الذي يشكل نحو 30 في المائة من الدخل القومي، ويشغل نحو 25 في المائة من القوى العاملة، وقد سجل القطاع الزراعي خلال العام 2001 نمواً مقبولاً بعد ثلاث سنوات من التراجع تمثل في زيادة إنتاج القمح الذي بلغ نحو 4.7 طن وهو ما يزيد بكثير عن الاستهلاك المحلي الذي تقدره مصادر اقتصادية بنحو ثلاثة ملايين طن سنوياً، كما بلغ إنتاج الشعير العام الماضي نحو مليون طن.
وقال وزير الزراعة الدكتور نور الدين منى إن سوريا تحافظ منذ سنوات على الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح ولديها مخزون استراتيجي منه يكفي البلاد لسنتين كاملتين حتى لو لم يتم إنتاج أية كميات من هذه السلعة الاستراتيجية.
وقال الوزير إن خطة وزارته التي بدأ بتنفيذها تتركز على تطبيق تقنيات الري الحديث في الزراعة وهو ما سيوفر نحو 35 في المائة من المياه ويحسن الإنتاجية بما يتراوح بين 40 و45 في المائة.
لكن مصادر مطلعة أكدت أن إنتاج الحبوب وخاصة القمح والشعير سيتقلص خلال الموسم الحالي 2002 بسبب تقليص المساحات المخصصة لزراعة هاتين السلعتين الاستراتيجيتين، فبالنسبة للقمح سيتراجع إنتاجه هذا الموسم إلى نحو 4.5 مليون طن مقارنة مع 4.7 مليون طن خلال العام 2001. كما سيتراجع إنتاج الشعير إلى نحو 850 ألف طن خلال العام الجاري مقارنة مع مليون طن خلال العام الماضي.
ويأتي محصول القطن في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية الاقتصادية ويشغل عدداً واسعاً من اليد العاملة في مجال زراعته وتسويقه وتصنيعه، حيث تصل نسبة اليد العاملة فيه إلى 25 في المائة من مجموع اليد العاملة في البلاد.
وفيما وصل إنتاج القطن العام الماضي إلى نحو مليون طن، فإن إنتاج القطن سيتراجع خلال العام الجاري بسبب تخفيض المساحة المخصصة لزراعته، وذلك من 250 ألف هكتار إلى نحو 180 ألف هكتار لتخفيف استهلاك المياه، كما يتوقع أن يتراجع إنتاج الزيتون إلى 850 ألف طن مقابل 900 ألف طن العام الماضي.
ثالثاً: ضعف الاستثمار تورد البيانات الرسمية أن قطاع الاستثمار سجل تقدماً ملموساً خلال العام الماضي حيث ازداد حجم الاستثمارات الموظفة في القطاعين العام والخاص من 156 مليار ليرة سورية في العام 2000 إلى 163 مليار ليرة سورية في العام 2001 لتبلغ نسبة النمو في هذا القطاع 4.5 في المائة. وقد ساهم القطاع العام بـ 65 في المائة من مجمل الاستثمارات مقابل 35 في المائة للقطاع الخاص، لكن الدكتور عصام الزعيم وزير الصناعة السوري أكد أن الزيادة النسبية في الموازنة الاستثمارية للعام الحالي من شأنها تعويض ضعف الاستثمار الحالي وضعف استثمار القطاع الخاص.
وكشف الزعيم أنه تم تقديم تقرير ضمن الخطة الخمسية يتضمن اقتراحاً بأن يكون هناك نمو في حدود 2.7 في المائة خلال السنوات الثلاث الأولى من الخطة، فيما يسجل النمو السكاني في سوريا حالياً 2.4 في المائة، وهذا يعني ما يشبه المحافظة عند الحد الأدنى أو التحسين بشكل طفيف في دخل الفرد، لافتاً إلى ضرورة أن يصل معدل النمو إلى 3 في المائة في المرحلة الأولى ونسبة 4 في المائة في المرحلة الثانية.
ولفت الوزير إلى أن التمكن من زيادة الاستثمار هو السبيل الوحيد لردع الاتجاهات الانكماشية للاقتصاد الوطني. لذلك تعمل الحكومة السورية على إزالة جميع العقبات والعراقيل التي تقف دون تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، ونقل الاقتصاد السوري من الانغلاق إلى الانفتاح، وفي هذا السياق شهد عام 2001 صدور نحو 113 مرسوماً تشريعياً وقانوناً من أجل تحرير الاقتصاد تشجيع الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية.
كما تسعى الحكومة إلى استقطاب وإعادة الرساميل والاستثمارات السورية الموجودة في الخارج، والتي تقول إنها إذا نجحت في مسعاها فهي ليست بحاجة لاستثمارات أجنبية.
وتتراوح قيمة هذا الرساميل حسب وزير الاقتصاد السوري غسان الرفاعي بين 80 و120 مليار دولار. فيما أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية أن إجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية في سوريا منذ صدور قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وحتى عام 2001 لم تزيد عن ثمانية مليارات دولار فقط. رابعاً: تفاقم أزمة البطالة تعتبر البطالة من أخطر التحديات التي تواجهها سوريا لكبر حجمها حيث تتباين التقديرات حول المعدل الحقيقي لحجم الظاهرة، وفيما تقول التقديرات غير الرسمية إن معدلها يزيد عن 30 في المائة من مجموع القوى العاملة التي تبلغ نحو 4.7 مليون شخص فإن الرسمية تخفضها إلى نحو 20 في المائة من مجمل الأيدي العاملة.
وأوردت آخر التقارير الرسمية أن عدد العاطلين عن العمل وصل إلى نحو 450 ألف شخص، وأن سوق العمالة المحلية تستقبل سنوياً ما يتراوح بين 150 و200 ألف طالب عمل جديد.
وأكدت هيئة مكافحة البطالة في تقرير لها صدر مطلع شهر أيار/مايو الجاري أن سوق العمل المحلية بحاجة إلى توفير1.2 مليون وظيفة جديدة خلال السنوات الخمس القادمة، وقالت الهيئة إنه سيتم خلال العام الحالي 2002 توفير نحو 35 إلى 40 ألف فرصة عمل جديدة في إطار البرنامج الوطني الذي طرحته الحكومة السورية أوائل هذه السنة لمعالجة مشكلة البطالة المتفاقمة وذلك من أجل خفض عدد العاطلين عن العمل من جهة، ومن أجل سد الاحتياجات الوظيفية للوافدين الجدد إلى سوق العمالة من جهة أخرى.
وكانت الحكومة السورية أقرت في شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2000 خطة خمسية لمكافحة البطالة بقيمة مليار دولار لإحداث 440 ألف فرصة عمل، ولكن التقرير المذكور أكد أن ذلك سيكلف خزينة الدولة 24 مليار دولار وليس ملياراً واحداً. وتقول هيئة مكافحة البطالة إذا كانت كل فرصة عمل تحتاج إلى 20 ألف دولار فإن الحاجة تصل إلى 24 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة لحل هذه المشكلة.
وحسب رؤية هيئة التخطيط السورية فان اهم المشكلات التي يواجهها الاقتصاد السوري تتمثل في النقاط التالية:
- النمو غير المستدام والمعتمد اعتماداً كبيراً على أموال النفط والقروض الخارجية.
- وجود معدلات نمو سكاني عالية تدفع حوالي 150 ألف شخص إلى سوق العمل سنوياً خلال الفترة المقبلة.
- طاقة عالية وتناقص معدلات دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نسبياً.
- وجود قطاع عام قائم ضمن هرم اقتصادي يعاني من نقص الاستبدال والتجديد وعدم إدخال التقنيات والقيام بالتدريب والتأهيل والقدرة على اتخاذ القرار المستقل في الوقت المناسب.
- وجود قطاع خاص صغير مفتت كبر في إطار قانون الاستثمار رقم (10) وتعديلاته ويفتقد إلى الديناميكية.

بكلمة أخيرة إن التقدم الذي حققه الاقتصاد السوري خلال العام الماضي سيكون من الصعوبة المحافظة عليه في ظل المعطيات الاقتصادية السائدة. وفيما تشير التحليلات الأولية إلى أن الاقتصاد سيشهد بعض الانتعاش بدءاً من منتصف عام 2002 وسيتوقف هذا الانتعاش على سرعة إنجاز الخطوات الإصلاحية والتطويرية التي أعلنت عنها الحكومة ولكن هذا الانتعاش لن يكون كافياً لإيجاد الحلول الناجعة للعديد من المشكلات الاقتصادية القائمة، بدءاً من توسع دائرة الفقر إلى ضعف معدلات الاستثمار والنمو في الناتج المحلي الاجمالي، علاوة على حل مشكلة البطالة, وخفض المديونية الخارجية التي تشير التقديرات إلى أنها تزيد عن 20 مليار دولار. وكلها تحديات هائلة تتطلب جهودا طويلة وصعبة من المسئولين السوريين لمواجهتها.(ق.ب)