ماكرون يمتص غضب الشارع بمفاقمة الأعباء على الموازنة

خبراء الاقتصاد يقدرون كلفة الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي لاحتواء احتجاجات حراك السترات الصفراء الشعب بنحو 11 مليار يورو وهو رقم كبير بالنسبة لفرنسا التي تجد صعوبة كبيرة في الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي في ما يخص الموازنة.

فرنسا ملزمة بالحفاظ على عجز الموازنة تحت نسبة 3 بالمئة
زيادة الأعباء على الموازنة الفرنسية يسيء لصورة ماكرون
من المرجح أن يزيد عجز الموازنة الفرنسية إلى ما بين 3 و3.5 بالمئة
نسبة إجمالي الديون الفرنسية يمكن أن تزيد إلى أكثر من 100 بالمئة

باريس - يقول محللون إن الإجراءات التي وعد بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمساعدة العائلات ذات الدخل المتدني وإنهاء احتجاجات السترات الصفراء، ستزيد من أعباء الموازنة وربما تسيء إلى صورته.

وتولى ماكرون (40 عاما) الرئاسة في مايو/أيار 2017 على وعد بخلق بيئة مناسبة للأعمال وميزان مدفوعات جيّد، لينهي العجز المزمن في الموازنة والمستمر منذ السبعينات.

غير أن خبراء الاقتصاد يقدرون أن كلفة الإجراءات التي أعلن عنها في كلمة إلى الشعب الاثنين يمكن أن تصل إلى 11 مليار يورو (12.5 مليار دولار) وهو رقم كبير بالنسبة للبلد الذي يجد صعوبة كبيرة في الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي في ما يخص الموازنة.

وسيتم رفع الحد الأدنى للأجور العام المقبل، كما سيتم إلغاء الضرائب على العمل لوقت إضافي، كما سيتم إلغاء زيادة الضريبة التي فرضت على المتقاعدين هذا العام.

وقالت صحيفة "ليه ايكو" الثلاثاء، إن "الصورة الايجابية لايمانويل ماكرون في بروكسل بأنه شخص يحافظ على الموازنة ستتضرر بشدة".

وتبلغ التكاليف الإجمالية للإجراءات التي تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي لمساعدة محتجي السترات الصفراء وهم فقراء من البلدات الصغيرة أو المناطق الريفية بشكل خاص، 15 مليار يورو على الأقل.

وبموجب قواعد الاتحاد الأوروبي التي تحكم العملة الأوروبية الموحدة، فإن فرنسا ملزمة بالحفاظ على عجز الموازنة تحت نسبة 3 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي وهو ما فشلت فيه فرنسا مرارا حتى 2017.

وكان العام الماضي أول عام منذ أكثر من عقد ينخفض عجز الموازنة حيث لم يتجاوز 2.6 بالمئة بفضل إجراءات خفض التكاليف ونمو اقتصادي أكبر من المتوقع.

وخفّضت الحكومة التوقعات للعام المقبل إلى 2.8 بالمئة، حتى قبل بداية الاحتجاجات التي من المتوقع أن تلحق أضرارا بالاقتصاد الذي يشهد تباطؤا في النمو.

وقال وزير البيئة فرانسوا دي روجي لإذاعة كلاسيك الثلاثاء "في المرحلة الأولى ستحدث زيادة في عجز الموازنة. يجب أن نكون واضحين. إنه أمر واضح ومسألة أولوية".

وأضاف "نحن لا نقول إن الديون طويلة الأجل لا تمثل مشكلة، لكن الأولوية الأبرز هي عدم مناقشة ذلك مع بروكسل ولكن مع الشعب الفرنسي".

وذكر خبراء اقتصاديون الاثنين أن الإجراءات التي أعلنها ماكرون من المرجح أن تزيد عجز الموازنة إلى نسبة تتراوح بين 3 و3.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

احتجاجات السترات الصفراء تهزّ سلطة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون
احتجاجات السترات الصفراء تهزّ سلطة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون

ويمكن أن تزيد نسبة إجمالي الديون إلى أكثر من 100 بالمئة قياسا مع إجمالي الناتج المحلي للمرة الأولى، أي أكثر بكثير من السقف الذي حدده الاتحاد الأوروبي بنسبة 60 بالمئة.

وقال ماكرون سابقا إنه يرغب في إصلاح وتعزيز منطقة اليورو، داعيا الدول الأعضاء فيها إلى الالتزام بالقوانين.

ووجدت إيطاليا نفسها في مأزق بعد أن واجهت حكومة الائتلاف الشعبوي من حزب الرابطة اليميني المتطرف وحركة الخمس نجوم، صعوبة في الحصول على موافقة بروكسل على موازنتها التي تتضمن إنفاقا كبيرا.

ورفضت المفوضية الأوروبية في بروكسل، المسؤولة عن مراقبة موازنات دول الاتحاد الأوروبي، خطط الإنفاق لأنها ستزيد من الديون الايطالية الهائلة ولن تحقق النمو المنشود.

ويمكن أن يؤدي انتهاك فرنسا للقوانين إلى فتح جبهة جديدة في الخلاف حيث تقول ايطاليا إنها ليست الوحيدة التي انتهكت القواعد في محاولتها لدفع الاقتصاد للنمو مجددا.

كما سيؤثر قرار ماكرون بزيادة الإنفاق العام على نظرة زعماء دول الاتحاد الأوروبي الآخرين إليه خصوصا في ألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية التي سعت لفترة طويلة إلى دفع فرنسا لكبح إنفاقها العام.

وطالما اعتبر ماكرون أن الإدارة المالية القوية مهمة جدا لكسب المصداقية في أوروبا خصوصا مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل.

وقال كالوم بكرنغ الاقتصادي في بنك بيرنبرغ الخاص "لقد تحول من ملاك إلى ضحية بشكل سريع جدا"، مشيرا إلى تغير صورة ماكرون منذ انتخابه في مايو/ايار 2017.

إلا أن بكرنغ دعم الوسطية وقال إن المعونات التي وعد بها ماكرون لا تعني أن الرئيس يتراجع عن أجندته الأكبر التي تهدف إلى جعل فرنسا مكانا أفضل للشركات والأعمال.

ووعد ماكرون كذلك بعدم إعادة فرض ضريبة على ذوي الدخل المرتفع كان ألغاها في 2017 لاستقطاب المستثمرين وسيواصل خفض ضرائب الشركات والاستثمار في التعليم في أماكن العمل.

وقال بكرنغ "طالما واصل إصلاحاته الداعمة للنمو فإن الاقتصاد الفرنسي سيكون قويا مع مرور الوقت رغم التباطؤ الدوري الآن".

وأضاف "بالطبع علينا الآن أن نراقب كم سيخسر من قدرته على فرض إصلاحات إضافية لدعم النمو إلى جانب الإصلاحات التي قدمها".