المنجز العلمي في رحاب تقنيات روائية
الخيال العلمي: يعني أنه الخيال المقنن، وفي الرواية: يعني توظيف المنجز العلمي في رحاب تقنيات روائية، منذرة من مخاطر تهدد الإنسانية في مستقبلها القريب، ومن أشهر تلك المخاطر التهديد بفناء البشرية بواسطة رعونة مجانين العالم.
يقول د. حسام الزمبيلي في روايته المعنونة "أمريكا 2030 قصة انهيار العالم" والصادرة عام 2002 بسلسة "كتاب الوسطية" بإشراف د. عبدالحميد إبراهيم: "نحن في عصر انتشر فيه السلاح النووي والكيميائي والبيولوجي، وانتشرت كذلك سبل الوقاية من أسلحة حرب الكواكب الليزرية، مرورًا بالمخابئ النووية وإنتهاء بالقنابل المضادة".
ورواية "أمريكا 2030" تعد فعل مغامرة حول سلاح نووي جديد لم يجرِ ابتكار وسائل مناهضته بعد، مما أخل بتوازن الرعب العالمي، لذا تستشرف الرواية نشوب الحرب النووية المجنونة والتي تدمر ثلاثة أرباع الأرض، وتسحق 90% من أميركا، فالجميع يخسر حيث لا يوجد منتصر، ويفسر الكاتب عبر متنه الروائي السبب بوصول المجانين لسدة الحكم ببعض الدول العظمي.
وحيث يوجد في النقد الأدبي ما يسمي "الوثيقة" وهي تصريح الأديب عن مصادر عمله وتاريخ تدوينه، فالروائي أشار إلى أن روايته ُكتبت مكانيًا في أميركا، وزمنيًا في 4/7/2001 "يوم الاستقلال الأميركي" لتكون مفارقة أحداث الرواية للصواريخ الملونة التي تلون سماء أميركا في هذا التوقيت، والوثيقة مؤشر نقدي، وهنا نجدها استشراف لسلوك القوي الداهمة.
وتستشرف الرواية السفينة الفضائية "اليرموك" وكأنها سفينة نوح والتي تحمل بقايا البشرية للفرار من "الكوكب القاحل الميت" بتعبير الرواية للعيش الفضائي.
من يصدق أن هذه الطبيعة الخلابة تخفي وراءها أكثر أسلحة الكرة الأرضية دمارًا"، فالشيطان يصبح أنيقًا، أو كما جاء بالمستطرف "مسكن حسن وبداخله ساكن نذل"
والرواية لون أدبي نوعي بطبيعة التناول لكن من منظور تربوي "خيال علمي قيمي"، يتوخي "الواقع الثاني"، والذي يعني في حقيقته المستقبل التفاؤلي، ورغم أنه مستقبل لكنه واقعي لارتباطه بحس يقيني وقطعي الحدوث في وجدان الأديب يراه متحققًا لا ريب في ذلك.
و"الواقع الثاني" سمة لصيقة بالآداب القيمية، لزهو المبدأ ورؤيته من منظور روحي. وفي الرواية نجد فكرة الصلة الروحية بالخالق عزّ وجل، واللجوء إليه أوقات المحنة، وتجسيدها بفعل إيماني: "وهنا نظرت نظرة تلقائية إلى الأعلى والدموع تترقرق في عينيها"، كما نجد التناص مع مواقف صرحت بها نصوص شريفة، مثل موسي -عليه السلام- وفراره من فرعون اللئيم، حيث المحنة قبل الوصول لطوق النجاة: "من أين يأتي الأمل والأبواب موصدة ترفض أن ُتفتح وأرتال الجنود تلاحقهم ... والألغام النووية علي وشك الإنفجار ... وصوت الجنود من خلفهم يقترب ويقترب".
والفعل التربوي يتألق عبر منظومة القيم التي تسكن الرواية وتبشر بها، بمنهج "هوراس": "وظيفة الفن هي الإمتاع والإرشاد معًا"، ليستقر البندول النقدي في المنطقة الوسطي بين قول "الأدباء هم مهندسو النفوس البشرية"، وتوقير دور الفن في حياة الإنسانية المعذبة، والجناح الآخر بتقدير الإنفعال الجمالي.
ونجد التشغيل الروائي عبر منحي "الواقع الثاني" بفكرة صناعة "مجموعة الأمل"، وبتعبيرات الرواية "جيل الأحلام بالوحدة / الجيل المبارك: جرى الحلم منه مجرى الدم في العروق"، هذا الجيل يسعى لتأسيس كيانه الحضاري القيمي العادل، لذلك نجده جيلا غاضبا عندما يتحطم حلمه، فخالد البطل الروائي يتحدي المقاييس المادية وينهض مرة أخرى ليقاوم عدوه الأثيم. فهنا كانت الشخصية الروائية تحقق منظور "البطل الفائق" ومعادل الأمة "الغالبة" حين الانتصار، "الصامدة" في أوقات المحنة. فكان أساس أسس النجاح هو تربية مثل هذا الإنسان، فالرواية تحتفي بالقدرات والطاقات الخاصة، وتعمل على تبجيل العبقرية، وعنصر تقدير الإنسان الفائق يكمن في الثبات النفسي والثقة، نموذجًا: "حازم" وإدارته بغواصته معركته مع الغواصة المهاجمة، وتقدير الموقف والحل من خارج الصندوق، والاكتشاف الرباعي الشهير للفكر الاستراتيجي (فرص / إمكانيات / قصور / تحديات).
ورغم الإحتفاء بالبطل الفائق الذي يتحدي جميع المعوقات، جرى التأكيد أن الأمور لم تكن سهلة أبدًا بل تحتاج إلى العرق والدموع والدماء، فهناك الحروب المهلكة للبشرية تباد فيها الملايين بالمستقبل، وخسارة "روجرز" أحد أعضاء فريق الأمل، والمعاناة الهائلة والإصابات، وفقدان المعاون المخلص، بما يعني أن النجاح ليس هو لصيق الإنسان الفائق المجرد في حد ذاته، بل الإنسان النبيل المضحي لخير الإنسانية.

ورغم اليقين في الواقع الثاني، لكن النجاح ليس اعتباطيًا بل له الدعائم والوسائل اللازمة لتحقيقه، أولها الاستعانة بالمنجز العلمي والتفكير الإبداعي.
ضمت الرواية عدد 36 منجزًا علميًا بعضها: (الهاتف والفيديو والمسودة بتقنية الهولوجرافيا / السيارة ذات محركات الدفع السفلي والتي تتحول إلي طائرة حوامة / المروحيات الاحتياطية للحوامة التي يتم تشغيلها بمجرد إصابة المروحة الرئيسة للطائرة / الحوامة التي تثني المروحة الرئيسية لها وتتحول لكرة حديدية وتتدحرج أرضًا عند السقوط حتي تسكن وينجو ركابها / الكرة الخضراء الغامضة التي تطلق طاقة كهرومغناطيسية هائلة / المتفجرات النووية محدودة الإنتشار / القنابل المضادة للسلاح النووي / السفينة العملاقة للرحيل عن الأرض المدمرة / مصباح الكشف عن الألغام تقوم بإظهارها كأنها بقع مضيئة علي الأرض / جهاز خاص لثقب أرضية المحيط وعمل نفق "أخدود" صغير فيها / تركيب طوربيد صغير في مسدس رمحي تحت الماء / جهاز الأجهزة "ذاتية الإختراع"، وهو جهاز التصنيع الفوري للتصميمات الإلكترونية / غواصة نووية "الشبح" صغيرة لا يكشفها الرداد البحري / ... إلى آخره).
بالإضافة إلى المزج بين الأصالة والمعاصرة، بتحرير نطاق الإبداع، بمعني أنه أحيانًا تكون الأفكار البسيطة هي الحل، وشواهد الرواية: "إنهم يبعثون لنا رسالة بطريقة موريس الأثرية عبر أضواء تلتمع في أسفل الوادي بتسلسل معين"، "وقف الفريق علي حافة نهر الكلورادو أخرج خالد جهاز تحديد الموقع اليدوي وبدأ يقوم ببعض العمليات البدائية، قال روجرز: لماذا لا تستخدم جهاز تحديد المواقع بالأقمار الصناعية؟ ضحك خالد: وكأنك تريد أن تقول لهم نحن هنا ... علينا العودة إلى الحياة البدائية مؤقتًا واسترجاع مهارات أجدادنا في فن الكشافة".
بالإضافة للمزج في المنجز العلمي والتفكير الإبداعي كوسيلة لازمة لتحقيق النجاح، نجد تقدير الحدس أو خارج الحواس الخمس بالرواية، ولها شواهد كثر في الرواية: "وفجأة تكلم راجيف: أبطئ قليلًا يا فرانديز .. أشعر بشيء ما يتهددنا / حالة الإجهاد العقلي التي تصيب أصحاب موهبة تحريك الأشياء عن بعد بدون وساطة مادية / تسليط راجيف طاقته الدفينة على القناص الذي كان مختبئًا خلف أحد الصخور وإسقاطه في الوادي / السيطرة عن طريق التحكم العقلي / كهنة معبد جوبيتر يتراصون في نصف دائرة متشابكي الأيدي ويستعملون قوة العقل الخارقة للقبض علي فريق الأمل)، بل تم الإحتفاء بالعيان الباطني أو البصيرة الوجدانية بمنجز يجمع العلم والحدس معًا، بواسطة خوذة تحمي من استعمال الآخر قواه العقلية للتأثير".
أما الطريق الفكري للنجاح فتم تأسيسه عبر العقلية الإدارية المرتبة، والترتيب الداخلي للبيت بتوحيد المسئولية السياسية، ونفي الهوي، وتأصيل فكرة الفريق أو حلقة الجودة الشهيرة.
كما اعتني السرد بفكرة التنوع الثقافي، بتأسيس تحالف عالمي يضم أعراق وثقافات متباينة كضرورة لا بد منها من أجل البقاء، ففريق الأمل نفسه مشكل من جنسيات مختلفة، والتنوع الثقافي في حقيقته هو تعددية ثقافية منضبطة بنفي العنصرية وتقدير الآخر الثقافي، ونفي التهميش للفرع، والرواية دائرة عبر هذا التنوع بين الاتحادادت والأجناس والثقافات والأديان والأخلاق.
والرواية تعمل على تحريك الحدث وقلبها السرد المغامر، فهناك حركة سريعة مستمرة، ومعارك فرعية في البر والبحر والسماء، والرسائل المشفرة، والصعود والهبوط بين الكهوف والوديان في ظروف قاسية وتربص العدو المحدق بالخطر، وهذا بواسطة الراوي العليم الذي يقدم التعقيبات والشروح الوافية، كما أن هناك فكرة العود الأبدي أو نظرية "عود علي بدء"، فمقر القيادة في منتصف العالم داخل هضبة الأهرامات، واستنساخ الحدث الرئيس وتكريره، حيث فريق الأمل من الأخيار يواجه منشأة أخرى للسلاح السري المدمر، بما يمنح ديمومة الكفاح وسرمدية الصراع بين الباطل والحق، وأن المقاوم لا يكاد يستريح حتى يبدأ مرحلة جديدة من تصويب ذاته ومواجهة التحديات المستجدة دائمًا.
كما أن اللغة قدمت الطبيعة بصورة مجازية: "وفجأة اقتربت الشمس من السقوط في أحضان الأفق والإلتحاق بغطاء الزمان البرتقالي معطيًا انعكاسًا رائعًا في صدر الوادي العظيم"، "كان نهر كلورادو يهدر كأفعى عملاقة تطلق فحيحًا كهدير البركان".
بقي أن نذكر احتفاء السرد بفكرة تحرير المظهر والمخبر: "من يصدق أن هذه الطبيعة الخلابة تخفي وراءها أكثر أسلحة الكرة الأرضية دمارًا"، فالشيطان يصبح أنيقًا، أو كما جاء بالمستطرف "مسكن حسن وبداخله ساكن نذل"، فلا نغتر بدعاية الغرب في حقوق الإنسان والعدل وهم أمكر بالشعوب الضعيفة.