أفاع وسلالم


السياسيون ورجال الدين يعبرون عن مزاعمهم من أجل الإصلاح! في خدعة كلامية تحمل من السخرية والتهكم شأنا مملا في بلداننا المخطوفة.
ذوو الأصول الوضيعة يتصدرون المجلس
الواقع العربي يفضي الى الخيبة والكآبة

هناك لعبة قديمة، لم تعد شائعة منذ سنوات لكنها ما زالت تمتلك قدرا من الحكمة كي يعاد تطبيقها على واقعنا القائم في شتى شؤون الحياة.

عصر الوسائط المتعددة وضع لعبة “أفاع وسلالم” في متحف الدمى والألعاب، لكن ينبغي لنا سحبها من الدرج القديم كلما صعد أحدهم متسلقا سلم الغرور السياسي أو الفوز غير المستحق، كما ينبغي استعادتها ثانيا للتذكير بالتهام الأفاعي عند سقوط أحدهم، لمجرد التذكير، أن الفشل يمتلك حكمة لا يمكن الاستهانة بها.

السياسيون ورجال الدين الذين يعبرون عن مزاعمهم من أجل الإصلاح! في خدعة كلامية تحمل من السخرية والتهكم شأنا مملا في بلداننا المخطوفة، يلعبون اللعبة العريقة بنكهة الأموال.

لذلك دعونا نطبق هذه اللعبة البسيطة على واقع عربي ضاج بكل شيء، إلا الاعتداد بالنفس! يعتقد أحدهم عندما يمتلك مئات الآلاف من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يعلن عن فكرة جديدة واحدة في كل ما يدونه، أنه ارتقى السلم الأطول في مدرجات اللعبة، لكنه لا يشعر بأن الهراء والعبث اللذين يمارسهما على حسابه لا يقودان إلا إلى أن يسقط في يوم ما في فم الأفعى!

بإمكانكم جميعا إدراج قائمة طويلة من رجال السياسة والدين في وطننا العربي، كلهم يعتقدون أن المجد يكمن في ارتقاء سلالم اللعبة العريضة في الزمن العربي الرث، لكننا نعرف أن بعضهم سقط في فم الأفعى والآخر ما زال يحاول التماسك، بينما وصل بعضهم إلى ذيل الأفعى في طريق السقوط. ويدفع الصلف والعنجهية حشدا آخر من هؤلاء إلى التنافس غير الشريف في ارتقاء سلالم لعبة الأفاعي والسلالم.

ومن سوء حظ الشعوب العربية، هناك قائمة طويلة تظهر في بؤرة المشهد وتعتقد أنها ارتقت كل السلالم وهي مستقرة في القمة، هذا يشمل سياسيين ورجال دين وممثلين ومغنين وكتابا وصحافيين ومعلقين تلفزيونيين… لكنهم ربما لا يدركون أن اللعبة سرعان ما تفاجئ من يتبوأ موقعا ألمعيا في القمة بالسقوط في أحشاء الأفعى الكبيرة! بينما تلتهم الأفاعي الصغيرة الموزعة على الرقعة بقية الهامشيين بعد شعورهم بنشوة المجد الزائف.

كل عربي اليوم قادر على وضع رقعة الأفاعي والسلالم أمامه ومن دون أن يرمي زهر النرد يمكن أن يضع نخبه ممن يملأون المشهد في أعلى الرقعة، وسيبدو متفائلا إنْ لم يسقط أحدهم بيده في فم الأفعى، لأن مصيره السقوط الحتمي، لسبب بسيط مرتبط بصعوده الانتهازي.

بدت لي هذه الرقعة لعبة جديرة بواقعنا العربي المفضي إلى الخيبة والكآبة، فصعود السلالم مثل الانحدار في أحشاء الأفاعي، فلا الارتقاء يعني المجد، ولا الانحدار يعني النهاية، بعدما تسيد اللصوص المشهد السياسي، وتصدر ذوو الأصول الوضيعة مجلس القوم، بينما يطحن المواطن العربي في دوامة الكرامات المهدورة.