انتفاضة شعبية تدفع بالحكومة اللبنانية إلى حافة الهاوية

الحكومة في لبنان تواجه المجهول في ظل استمرار احتجاجات تنادي برحيلها عن السلطة لاتهامها بالفساد وسوء إدارة البلاد.
لبنانيون ناقمون يرفعون صوتهم ضد فساد السلطة وسوء إدارتها
الشارع اللبناني يصر على رحيل الحكومة بعد فقدان الثقة في مكوناتها
تأجج الاحتجاجات في لبنان ينذر بأزمة سياسية متوقعة

بيروت - يشهد لبنان لليوم الرابع تواليا انتفاضة اجتماعيّة شعبيّة غير مسبوقة، في ظلّ فقدان المواطن اللبناني ثقته بالحكومة وقدرتها على إنقاذ الواقع المأساوي في البلاد.

ويتوافد الآلاف من المواطنين من كافّة الأراضي اللبنانيّة، منذ صباح اليوم الأحد إلى ساحة رياض الصلح، وهي الساحة الرئيسيّة للاعتصامات التي يشهدها لبنان منذ الخميس المنصرم.

وتأجّجت الأزمة في لبنان الخميس بعدما أعلنت الحكومة اللبنانيّة نيتها فرض رسوم على المكالمات التي تتمّ عبر التطبيقات الالكترونيّة المجانيّة 'واتساب'.

وبعد تفاقم الأوضاع أمهل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الشركاء السياسيّين في لبنان مدّة 72 ساعة لتقديم حلول للإصلاح الاقتصادي والاستجابة للمطالب الشعبيّة.

واكتفى مستشار رئيس الحكومة النائب السابق عمار حوري في تصريحٍ له "ننتظر انتهاء المهلة التي أعطاها الرئيس الحريري".

من جهته، نفى أمين سرّ 'الحزب التقدّمي الإشتراكي' ظافر ناصر، في تصريح له نيّة الاشتراكي الاستقالة من الحكومة قائلًا؛ "لن نستقيل ونحن نُناقش الورقة الاقتصاديّة التي تقدّم بها الحريري".

وأكّد ناصر"نحن نقدّم فرصة لإنقاذ البلاد وسوف ننتظر كيف ستّتجه الأمور".

وتابع "سنقدّم اقتراحاتنا بالإجراءات الإصلاحية بعد ظهر اليوم لرئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه برّي".

وأمس السبت قدم وزراء حزب القوات اللبنانيّة استقالتهم من الحكومة الحاليّة.

وصرّح رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع خلال مؤتمر صحفي عقده في معراب، "توصلنا إلى قناعة أن هذه الحكومة عاجزة عن اتخاذ الخطوات المطلوبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي المتفاقم"، لافتًا إلى أنّ حزبه "قرر الطلب من وزرائه التقدم باستقالتهم من الحكومة".

في ذات السياق أكّد وزير العمل كميل أبو سليمان على أنّ "لا تراجع عن الاستقالة وسوف نقدّم الاستقالة خطيًّا بين اليوم ونهار غد"، لافتًا إلى أنّ القوات ليس لها ثقة في الحكومة الحاليّة.

وفور إعلان الاستقالة احتفل المتظاهرون في وسط بيروت، مطالبين باستقالة باقي الوزراء.

في المقابل، أكدت مصادر تابعة للتيّار الوطني الحرّ (حزب رئيس الجمهورية)، على أن انتظار انتهاء المهلة التي أعطاها الحريري والتي على أساسها تتجه الأمور.

ورد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أمس السبت في كلمة ألقاها، بالقول إنه يتفهم مطالب المتظاهرين لافتًا إلى أنّ "الرسالة وصلت قوية إلى المسؤولين".

ويرجح أن ينفجر غضب اللبنانيون أكثر مع تواصل الاحتجاجات جراء الوضع الاقتصادي والاجتماعي المترديان، في ظل الاتجاه إلى المزيد من الضرائب التي يدرسها الوزراء لفرضها في موازنة 2020.

وخرج اللبنانيون ناقمون على هذه الأوضاع مناهضين للفساد المستشري في مفاصل الدول بسبب سوء إدارة السلطة لدواليب الحكم.

وفي وسط بيروت تشكو ندى سعد من سوء إدارة الطبقة السياسية لشؤون البلاد وفسادها وعجزها عن إيجاد حلول لمشاكل متفاقمة منذ عقود، بينما يهتف متظاهرون بحماسة حولها مرددين كلمة "ثورة".

وندى واحدة من عشرات آلاف اللبنانيين الذين تدفقوا أمس السبت إلى وسط بيروت احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية والوضع الاقتصادي المتردي في بلد يقوم على المحاصصة الطائفية والسياسية.

وتقول السيدة (51 عاماً) وهي أم لابنين بحرقة، بعد ساعات من تعهد المسؤولين بالعمل على إيجاد مخرج للأزمة المعيشية؛ "يكذبون علينا.. يتخرّج أبناؤنا ولا يجدون وظيفة جيدة".

وتضيف "أينما عملنا لا يتم تسجيلنا في مؤسسة الضمان الاجتماعي" التي تخوّل المنتسب إليها الحصول على خدمات طبية وراتب تقاعدي مقابل تسديد رب العمل والموظف اشتراكاً مالياً شهرياً للمؤسسة العامة، متابعة "نموت على أبواب المستشفيات".

وتردد ندى "نريد مترو وحافلات وقطارا في بلد لا تتوفّر فيه وسائل النقل العام وتفتقر شبكة الطرق فيه لخدمات الصيانة والتأهيل".

وفي بلد تتقاسم فيه الطوائف المناصب وتعدّ الوراثة السياسية أمراً شائعاً داخل العائلات والأحزاب وتعد المحسوبيات معياراً للتوظيف، يبدو الحراك جامعا بشكل نادر، إذ إنه لا يستثني منطقة أو حزباً أو طائفة.

وإن كانت مطالب المتظاهرين متنوعة فشعارهم واحد “كلن_يعني_كلن”، محملين مسؤولية الوضع لجميع الحكام والنواب من دون استثناء.

ولم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة، ويرفضون توجه الحكومة لإقرار ضرائب جديدة في إطار مساعيها لتخفيف نسبة العجز وتوفير إيرادات لخزينة الدولة.

وتقول ندى بتصميم "لا شيء لدينا إلا الديون، نريد أن نحاسبهم" في إشارة إلى المسؤولين.

وتأججت النقمة الشعبية ضد السلطات مؤخراً بعد ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء مقابل الدولار للمرة الأولى منذ 22 عاماً، من دون أن تقدم السلطات تفسيراً واضحا لذلك.

ويقول ماهر (33 عاماً) "نحن لا نشبه أي بلد آخر، نحن أناس جائعون، من يعمل ومن لا يعمل جائع"، منتقداً كثرة الفواتير التي على اللبناني دفعها مثل فاتورة كهرباء مزدوجة، الأولى تُسدّد لشركة الكهرباء الوطنية والثانية لصالح أصحاب المولدات الخاصة.

ويعد قطاع الكهرباء الأسوأ في لبنان مع عدم توفر الخدمة بشكل دائم، وفشل الحكومات المتعاقبة منذ مطلع التسعينات في تطبيق إصلاحات للنهوض به. ويقدر خبراء كلفة العجز السنوي في قطاع الكهرباء بنحو ملياري دولار سنوياً.

ولا تتوفّر المياه بشكل دائم إلى المنازل خصوصاً خلال الصيف، ما يدفع اللبنانيين إلى شراء المياه للاستحمام والغسيل. كما تعد كلفة الاتصالات الخلوية في لبنان من الأكثر ارتفاعاً في المنطقة.

الشعب اللبناني يشكو من سوء إدارة الطبقة السياسية لشؤون البلاد وفسادها، فضلا عن عجزها لمجابهة مشاكل متراكمة منذ عقود

وتعد جودة التعليم في القطاع الخاص أفضل بكثير من القطاع العام، إلا أن أقساطها مرتفعة وتئن عائلات كثيرة من عبء تعليم أولادها.

وتقول أمل مقداد التي يتلقى طفلاها التعليم في مدرسة خاصة "ما لم أضعهما في هذه المدرسة لن يجدوا وظيفة جيدة وفي حال وجدوا لن يتخطى راتبهم 600 دولار" في بلد يعادل فيه الحدّ الأدنى للأجور 450 دولارا تقريباً.

وعلى مسافة قريبة منها تشارك لميا برو (38 عاماً) للمرة الأولى في تظاهرة مع بناتها الثلاث. وتقول "إنها لا تأبه بتصريحات المسؤولين الذين انصرفوا إلى تبادل الاتهامات خلال اليومين الأخيرين".

وتتابع "لا يهمنا ردّ فعل السياسيين، لقد اختبرناهم كثيراً في السابق واليوم قررنا أننا لن نكمل في هذه الطريق"، مضيفة "اليوم الشعب هو الذي سيتصرف وهو الذي سيقرر مستقبله".

وحمل المتظاهرون الأعلام اللبنانية ولوحوا خلال الليل بهواتفهم الخلوية المضاءة، مرددين بصوت واحد "ثورة ثورة".

وحمل أحدهم لافتة كتب عليها عبارة "إرحلوا" إلى جانب صور كل من الرئيس ميشال عون والحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وأخرى حملت لافتة صغيرة كتب عليها باللغة الإنكليزية "القوة للشعب".

ورأى فادي كرم (40 عاماً) أن المسؤولين جميعاً يتحملون المسؤولية ذاتها و الشعب ضجر منهم.

وقال "كل الأحزاب اللبنانية متوحدة ضد الشعب، يزيدون الضرائب ليغطوا عجزهم المالي"، مضيفاً "كل الزعماء وكل الفاسدين في الدولة مسؤولون".

وقال كرم منذر (23 عاماً) المتخرج حديثاً ولا يزال يسدد تكاليف جامعته، "نصرخ منذ ثلاثة أيام"، مضيفاً "بيروت تكسرت وانتشرت فيها النفايات، لكننا سننظفها برموش عيوننا".

وأضاف معلقاً على أحداث الشغب من تكسير ومواجهات مع الأمن التي شهدها العاصمة ليل الجمعة "لا يمكن لوم الشعب الجائع والمسكين". وتابع "الشعب حين يجوع يأكل حكامه".