تشكيل الحكومة التونسية يتعثر على وقع معضلات اقتصادية متراكمة

تونس تقبل على مشاكل اقتصادية متناثرة بارتفاع معدل التضخم وتزايد نسب البطالة وتفاقم الدين الخارجي في ظل أزمة سياسية وانقسامات داخل البرلمان حول تشكيل الحكومة.
أزمة تونس السياسية تتعمق في ظل صراع الاحزاب على الحقائب الوزارية
اقتصاد تونس في "حالة نزيف" أمام تدهور أغلب القطاعات

تونس - تعيش تونس مؤخرا أزمة سياسية في ظل تعثر مسار تشكيل الحكومة وبرلمان منقسم وتزايد الضغوط الاقتصادية مع اقتراب تسديد ديون خارجية للبلاد.

ومنذ تكليف الحبيب الجملي في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ مشاورات سياسية بحثا عن توافقات لحكومته المرتقبة مع غالبية الأحزاب الممثلة في البرلمان والمنظمات الوطنية والشخصيات النقابية والكفاءات.

غير أن المهلة الدستورية الأوليّة التي يمنحها الدستور لم تسعفه في إتمام مهمته التي تم تمديدها شهرا إضافيا ما ينذر بمهمة صعبة وسط دعوات بالتسريع لأنه إذا فشل في مهامه فسيكلف الرئيس شخصية أخرى مستقلة بالمهمة.

فقد أعلن 'التيار الديمقراطي' (22 نائبا) وحركة 'الشعب' (15 نائبا)، ثاني أكبر الكتل في البرلمان انسحابهما من المشاورات معلّلين ذلك بعدم الحصول على حقائب وزارية أو 'غياب الجدية'. وهذا من شأنه أن يضعف حظوظ الحكومة القادمة من نيل ثقة البرلمان حيث يجب أن تحصل على 109 أصوات (من مجموع 217).

بموازاة ذلك انطلق البرلمان في جلسات عمله الأولى التي تخللتها مشادات وتجاذبات، بلغت حد تعطيل العمل بسبب تبادل الشتائم بين نواب بخلفيات سياسية متضادة.

فقد أفرزت الانتخابات النيابية منتصف أكتوبر/تشرين الأول الفائت تركيبة برلمانية مشتتة بين الأحزاب، تتقدمها 'النهضة' الإسلامية (52 نائبا) يليها حزب 'قلب تونس' الليبيرالي (38 نائبا).

تتمحور الخلافات في البرلمان بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وفي مقدمتها حركة 'النهضة' التي كثيرا ما تواجه انتقادات لنتائج فترة حكمها منذ 2011، وفي المقابل تهاجم أحزاب أخرى الإسلاميين وتتهمهم بالمسؤولية عن تردي الوضع في البلاد.

ووصل الأمر إلى اعتصامات من قبل نواب داخل البرلمان مع انطلاق مناقشة قانون الموازنة 2020 الأسبوع الماضي.

إلى ذلك يزداد الاحتقان الاجتماعي في البلاد خصوصا مع ارتفاع سقف المطالب الاجتماعية بسبب تضخم الأسعار رغم استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية دون خروجها من منطقة الخطر.

فلا تزال نسبة البطالة في مستوى 15.1 في المئة والتضخم 6.3 في المئة ونسبة النمو بحدود 1.4 في المئة، بينما يبلغ العجز في الموازنة 3.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

غالبا ما ارتبط يناير/كانون الثاني بتزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية مع اقتراب ذكرى انطلاق الثورة التونسية.

ومطلع كانون الأول/ديسمبر الحالي اندلعت احتجاجات في مدينة جلمة (وسط)، انتهت إلى مواجهات بين سكان المنطقة وقوات الأمن بعد أن انتحر الشاب عبدالوهاب الحبلاني (25 عاما) حرقا احتجاجا على وضعه الاجتماعي في هذه المدينة المهمشة.

ويقول المحلل المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان "إذا تأخرنا بهذا الشكل في تشكيل الحكومة في حين يشهد مجلس النواب أجواء مشحونة مع غياب التوافق، فإن هذا سيترك تأثيره حتما لأنه لن يترك المجال أمام البلاد للدخول في إصلاحات الإنقاذ".

كما يصف الوضع الاقتصادي بأنه "في حالة نزيف"، لأن "كل المؤشرات دون استثناء تتدهور".

إذا تأخرنا بهذا الشكل في تشكيل الحكومة في حين يشهد مجلس النواب أجواء مشحونة مع غياب التوافق، فإن هذا سيترك تأثيره حتما لأنه لن يترك المجال أمام البلاد للدخول في إصلاحات الإنقاذ

لم تستطع البلاد منذ ثورة 2011 تجاوز الضغوط الاقتصادية وركزت الطبقة السياسية اهتماماتها أكثر على تأمين الانتقال الديمقراطي السياسي، بينما تأجلت الإصلاحات الاجتماعية مع تفاقم المطالب المعيشية، إضافة إلى توجيه القروض الخارجية إلى الاستهلاك وسداد رواتب القطاع الحكومي بدلا من تخصيصها للاستثمار.

في هذا السياق يرى سعيدان أن الحكومة مطالبة بالشروع مباشرة في إصلاحات و"يجب أن تكون هناك حكومة قوية ومدعومة من البرلمان للقيام بإصلاحات هيكلية موجعة لوقف النزيف وهذا ضروري ومطلوب في أقرب وقت ممكن"، خصوصا في ما يتعلق بالتحكم في نفقات الدولة والتقليص من الاستيراد.

ويشكل الدين الخارجي أهم الملفات التي شغلت الحكومات السابقة، وبينها حكومة يوسف الشاهد التي استمرت أطول فترة مقارنة بسابقاتها ولم تستطع تحقيق الانتقال الاقتصادي الضروري في البلاد.

وتستقر نسبة الديون عند مستوى 74 بالمئة وبلغت 7 بالمئة في العام 2018 من حجم الناتج الإجمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي الذي منح العام 2016 قرضا لتونس صرف منها 1.6 مليار دولار على أربع سنوات، مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية واسعة على أن يتم سداده اعتبارا من 2020.

وتتوجه تونس مجددا إلى السوق الخارجية العام القادم للحصول على قروض جديدة بحسب مشروع الموازنة، لكن المهمة لن تكون سهلة في نظر سعيدان الذي يتساءل "كيف ستتمكن من الحصول على هذه القروض؟"، عازيا السبب إلى "المناخ السياسي الذي لا يخدم صورة البلاد في الخارج".

وتواجه سياسية الدولة من حيث الاستدانة من الخارج انتقادا ورفضا شديدين من منظمات وخصوصا النقابة العمالية المركزية التي تدعو الحكومة إلى عدم الانسياق لإملاءات صندوق النقد الدولي.

وخلص سعيدان إلى التنبيه من الوصول إلى مرحلة عجز الدولة عن سداد مستحقاتها "لأنه إذا لم نستطع تسديد ديوننا فسندخل في دوّامة جدولة الديون وعندها سيكون الوضع أخطر بكثير".