
مصر تتحفظ على مقترحات أثيوبية لملء خزان سد النهضة
القاهرة- دخلت مفاوضات سد النهضة الجمعة مسارا جديدا من التعقيد بعد أن قدمت اثيوبيا ورقة طرحت فيها رؤيتها لملء خزان السد تحفظت عليها مصر.
وملء خزان السد نقطة خلافية في مسار طويل من مفاوضات راوحت مكانها بين التقدم أحيانا والتعثر أحيانا أخرى رغم وساطة أميركية حاولت كسر جمود المحادثات بين الدول الثلاث: اثيوبيا ومصر والسودان.
وقال بيان نشره المتحدّث باسم وزارة الري المصرية خلال اليوم الثالث من التفاوض بين وزراء الري المصري والسوداني والاثيوبي حول السدّ الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق "أعربت مصر، وكذلك السودان، عن تحفّظها على الورقة الأثيوبيّة، لكونها تمثّل تراجعاً كاملاً عن المبادئ والقواعد التي سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث في المفاوضات التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، بل وإهداراً لكافة التفاهمات الفنية التي تم التوصل إليها في جولات المفاوضات السابقة".
وينص المقترح الإثيوبي على بدأ ملء حزان السد بالتزامن مع بداية فيضان النيل الأزرق، على أن يستمر حتى نهاية فصل الشتاء، بإجمالي 4.9 مليار متر مكعب، ليبدأ التشغيل التجريبي لإنتاج الكهرباء من السد، في مارس/آذار 2021، فيما تخشى القاهرة من احتمال المساس بحصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
ومنذ عام 2011 تبني أثيوبيا سد النهضة بكلفة 6 مليارات دولار على النيل الأزرق، الفرع الرئيسي لنهر النيل. ويثير السد مخاوف السودان ومصر لجهة التأثير على امدادهما بمياه النيل.
وتبذل الإدارة الأميركية جهود وساطة كبيرة لإنقاذ مسودة اتفاق سد النهضة التي أعدتها بالمشاركة مع البنك الدولي، بعد أن أصبح المشهد غامضا عقب غياب إثيوبيا عن الجولة التفاوضية الأخيرة في واشنطن، وهو ما وضع مسألة التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي في خانة معقدة. وبات الرهان الأخير مرتبطا باحتمال ممارسة ضغوط كبيرة على أديس أبابا وإجبارها على تأخير عملية ملء بحيرة سد النهضة.
وتريد مصر من إثيوبيا أن تصادق على مسودة اتفاق انبثقت من المحادثات في وقت سابق من هذا العام بوساطة من وزارة الخزانة الأميركية التي تدخلت بطلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. لكن إثيوبيا تخطت الجولة الأخيرة من تلك المحادثات ونفت التوصل لأي اتفاق.

وبمبادرة من السودان، كان وزراء الري في الدول الثلاث قد استأنفوا الثلاثاء مفاوضاتهم حول السد بعد أن توقفت لمدة ثلاثة أشهر، واتفقوا على مواصلة اجتماعاتهم ما عدا يومي الجمعة والاحد للتوصل إلى توافق.
وشددت مصر على ضرورة أن "تمتنع أثيوبيا عن اتّخاذ أية إجراءات أحادية لما يمثله هذا النهج الأثيوبي من تعقيد للموقف قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المنطقة برمتها".
وفي 12 أيار/ مايو، رفض السودان ومصر مقترحا اثيوبيا بتوقيع اتفاق جزئي للبدء بملء بحيرة السد.
ويخشى كل من السودان ومصر من أن يحتجز الخزان، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 74 مليار متر مكعب، إمدادات المياه الأساسية السنوية للنهر.
ووقعت مصر في فبراير/شباط الماضي على اتفاق لملء وتشغيل السد رعته كل من الولايات المتحدة والبنك الدولي، معتبرة الاتفاق "عادلًا"، بينما رفضته إثيوبيا وتحفظ عليه السودان.
وأعلنت أديس أبابا اعتراضها على مسودة هذا الاتفاق، متهمة واشنطن بأنها تجاوزت دور الرعاية، فيما قالت الخرطوم إنها قدمت ملاحظات للفريق الأميركي حول تلك المسودة.
وتضمن مشروع الاتفاق النقاط المتفق عليها مسبقا، من آلية ملء بحيرة السد وطرق التشغيل ومنظومة التعامل مع فترات الجفاف نسبة لنظام هطول الأمطار الهيدرولوجي.
وقدم الاتفاق منظورا أميركيا يحمل جملة من الحلول الوسط لنقاط الخلاف حول كميات المياه المتدفقة إلى مصر والسودان، وآلية فض المنازعات، وآلية السدود العادلة.
وتوصلت المسودة إلى ضرورة تشكيل لجنة فنية دولية لمراقبة سد النهضة تكون مرجعية قانونية لفض أي نزاع مستقبلي، ولم تتطرق لنظام واضح يربط بين سدود نهر النيل.
ويواجه الاتفاق الأميركي صعوبات مع غياب الحلول المرضية لكل طرف، لأن أديس أبابا لازالت ترفض تحديد كميات مياه تضعف مهمتها في إنتاج الكهرباء، وتخشى أن تكون لجنة فض المنازعات ذريعة لعرقلة عمل السد.
و تصر القاهرة على مبدأ الاستخدام العادل لسدود عن طريق الربط بين منسوب المياه في بحيرتي سد النهضة والسد العالي لضمان عدم الإخلال ببنود الحماية من مخاطر الجفاف.
وفي ظل تقلبات المنطقة، وأزمتها من الصعب التكهن بالمنتصر في جولة ملء سد النهضة، وفي ظل غياب توافق، تبدو سيناريوهات الموقف المصري أقرب إلى “قلب الطاولة” في ممرات المواجهات الدولية.