
تحولات داخل المجتمعات العربية تكشف هشاشة الفكر السلفي
القاهرة - كشفت التحولات السياسية والاجتماعية الاخيرة في مصر وعدد من الدول العربية هشاشة بنية الفكر السلفي الذي فقد بريقه المعهود بعد ان تمكن لعقود من استقطاب الملايين من الشباب بسبب قوة الإعلام ونتيجة فرض بعض الأنظمة حصارا على التيارات المدنية والتقدمية
ومثلت الاحتفالات بأعياد الميلاد وما رافقها من أصوات خافتة لتيارات سلفية ظلت تحرم الاحتفال بهذه المناسبة لسنوات ابرز مثال على تراجع خطاب هذا التيار وتجاهل المجتمعات العربية له بعد ان كان مؤثرا بشكل كبير خاصة في الفترة التي تلت الثورات سنة 2011.
وفي مصر تمثل أعياد الميلاد فرصة من قبل مشاهير ودعاة التيار السلفي لتحريم الاحتفال بها ما تسبب في كثير من الأحيان في نشر الكراهية بين المسلمين والأقباط في أحلك الظروف التي مرت بها مصر خاصة بعد 2011 حيث أوشكت البلاد على السقوط في فتنة طائفية بسبب الفتاوي المتشددة.
لكن هذا الخفوت لم يمنع حضور بعض الأصوات المتطرفة التي لم تفوت الفرصة على غرار عبدالله رشدي وهو ازهري وخطيب مسجد متشدد جرى عزله عن الخطابة ويتفاعل معه جمهوره عبر قناته على يوتيوب.
وأفتى هذا الداعية بتحريم الاحتفال والتهنئة بأعياد الميلاد، ما دفع الإعلامي حمدي رزق، للقول إن المصريين ارتاحوا من فتاوى ياسر برهامي، أحد قيادات السلفية بالإسكندرية، فأتى رشدي لينغص عليهم هذه المواسم.
وظلت النخبة المصرية والتيارات المدنية تعتقد لسنوات ان التيار السلفي تمكن من التغلغل في المجتمع وخاصة في الاوساط الشعبية خاصة بعد انتشار أصوات التحريض على العنف والصدام عند سماع خبر ترميم كنيسة أو بناء أخرى جديدة.
لكن مع التحولات السياسية والفكرية التي شهدتها مصر والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول في السنوات الأخيرة كشفت ضعف هذا الفكر وانفصامه وعدم قدرته على التأثير في الجماهير.
ويعيش التيار السلفي فتورا في المجتمع المصري بعد عقدين ذهبيين تمكن خلالهما التيار من تحقيق مكاسب بفعل العديد من الظروف الداخلية والخارجية وخاصة استغلاله لقوة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة.
وفشل التيار السلفي بعد 2011 من تحقيق وعوده التي قطعها على الشباب المنتمي اليه بتأسيس دولة إسلامية تطبق فيها الشريعة حيث تحول الى جماعات بعضها استخدم من قبل الاخوان في مواجهة التيارات المدنية والبعض الآخر استخدمته الدولة لمواجهة الجماعة.

وتعرض التيار السلفي المتشدد لأكبر ضربة له بعد الإصلاحات التي قامت بها المملكة العربية السعودية في مواجهة الأفكار المتطرفة ومنح الكثير من الحريات لأطياف في المجتمع على غرار المرأة وهو امر يعد من المحرمات لدى هذا التيار.
واثر تراجع المد السلفي في السعودية على ما تبقى من التيارات السلفية في مصر التي تراجعت بدورها ما يشير في النهاية الى هشاشة تكوين هذا التيار وعدم تجذره في البيئة المحلية بالنظر لطبيعة التدين البسيط القريب للتصوف والكاره للتشدد والتطرف.
وظل التيار السلفي في مصر تيارا يركز بالأساس على مظاهر التدين الشكلي حيث تناول مواضيع مثل اللحية والنقاب وتعدد الزوجات وحرمة الاختلاط دون ان يطرح بدائل لملفات حساسة مثل الفقر وغياب العدالة الاجتماعية وتفاقم الجهل.
كما تناول دعاة السلفية بعض الملفات الرافضة ل روح التسامح والفكر الوطني والتعايش المشترك واحيوا عوضا عنها مواضيع بعيدة عن اهتمامات الشعوب ومشاغلهم ومفاهيم تعود للقرون الوسطى على غرار مفاهيم الكفر بالطاغوت والحاكمية العقائدية والولاء والبراء والمفاصلة العقدية والاجتماعية مع المسيحيين والمختلفين عقائديا والتنابذ والصراع مع القوى السياسية والاجتماعية والفكرية الناشطة.
ويتضح من خلال التحولات السياسية في مصر ان الدولة لم تعد تعطي اهتماما لهذا التيار لمواجهة بقية تيارات الإسلام السياسي على غرار الإخوان الذين قاربوا على التلاشي بسبب الضربات التي تلقوها منذ سنوات.
ومع انهيار الاخوان والتيارات الحليفة معهم وجه السلفيون حرابهم للتيارات المدنية والتقدمية ولبقية أطياف المجتمع وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل مصر.
لكن مع كل ذلك أصبح التيار السلفي معزولا شعبيا ورسميا ولم يعد دعاته على غرار محمد حسان وأبوإسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب قادرين على استقطاب الشباب والتأثير فيهم.
ولم تعد الشعارت المطروحة من قبل هؤلاء الدعاة لدغدغة مشاعر الشباب على غرار انتشار الظلم والطغيان والفساد الأخلاقي ومخالفة تعاليم الشريعة والزهد في الدنيا الزائلة وانتظار النعيم الأخروي قادرة على الإقناع خاصة وان الناشئة والطبقات الفقيرة يعيشون الخصاصة بينما يعيش هؤلاء الدعاة في راحة ورفاهية ملحوظة.