تأثير الكمالية على الطلاب الموهوبين الذين يسعون للكمال

الباحثة والأديبة منى لملوم تبحث مشاكل الطلاب الموهوبين في رسالتها للماجستير.
الكمالية العصابية تمثل بناءً إدراكياٌ وسلوكياٌ له دوافع وحاجات وصور ذهنية خاصة.
الكمالية العصابية تميل بالفرد نحو الشك في قدراته على الأداء الجيد

القاهرة ـ كثيرون من الأفراد يسعون إلى الكمال في أعمالهم، ولا يرضون عن النتائج التي يحققونها لأنها ليست على الشكل الأكمل، ويسعون دائما لتحقيق المستحيل، رغم أنها هذا لا يمكن تحقيقه، فالكمال لله وحده.
هذا السلوك يطلق عليه "الكمالية العصابية" وهو الذي تناولته الكاتبة والباحثة منى لملوم في رسالتها للماجستير في الصحة النفسية والتي حصلت عليها بتقدير ممتاز في 3 فبراير/شباط الجاري، من معهد البحوث والدراسات العربية" التابع لجامعة الدول العربية في رسالة بعنوان "فعالية الإرشاد بالمعنى في خفض حدة الكمالية العصابية لدى الموهوبين من طلاب الجامعة".
تناولت الرسالة تأثير برنامج قائم على الإرشاد بالمعنى مع فئة الموهوبين من طلاب كلية التربية جامعة الإسكندرية من الذين يعانون من الكمالية العصابية، والتي تؤثر على سلوكيات الأفراد وكذلك علاقاتهم بالآخرين، فيلجأ الشخص المصاب بالكمالية العصابية إلى التسويف وتأخير واجباته، ونقد الذات، ونقد الآخرين.
واختارت لملوم عينتها بالرسالة من طلاب جامعة الإسكندرية الموهوبين لتطبيق البرنامج عليهم، حيث أثر تطبيق البرنامج بالفعل في تقليل الكمالية العصابية لديهم.
أشرف على الرسالة الأستاذ الدكتور سعيد عبدالغني سرور أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية بجامعة دمنهور، وناقشها الأستاذ الدكتور سليمان الخضري الشيخ أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة عين شمس، والأستاذ الدكتور أحلام حسن محمود أستاذ ورئيس قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة الإسكندرية.
ومنى لملوم صدر لها كتاب "حيرة فرح" للأطفال عام 2016 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكتاب "حذاء عطية" للأطفال عام 2018 عن مؤسسة دار المعارف، وهي ناشط ثقافي تدير العديد من اللقاءات الثقافية بالإسكندرية والقاهرة.

الترتيب الولادي له دور رئيسي في ظهور الكمالية العصابية، وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن المواليد الأوائل ينشؤون مع كبار السن بوصفهم نماذج أولية يقتدون بهم ويؤمنون إيماناٌ راسخاُ بمفهوم السلطة

تعريف الكمالية العصابية:
تعرف شادية عبدالخالق الكمالية العصابية بأنها تمثل بناء إدراكياٌ وسلوكياٌ له دوافع وحاجات وصور ذهنية خاصة، تميل بالفرد نحو الشك في قدراته على الأداء الجيد، وانخفاض تقديره لذاته، وعدم الرضا عن أدائه بالرغم من جودته والأفراط في نقد الذات والحساسية الشديدة نحو نقد الآخرين له، ووضع مستويات إنجاز عالية غير واقعية  يحاول تحقيقها. 
ويعرف سيف النصر عبدالحي الكمالية العصابية بأنها التطلع لإحراز المستويات العالية في الأداء، والاهتمام الزائد بالأخطاء، والمغالاة في شدة تقييم الذات بشكل ناقد، بمعنى أن ينظر الفرد إلى أدائه بأنه غير مميز بالقدر الكافي على الرغم من جودته ويضع لنفسه مستويات صعبة لا يستطيع الوصول إليها ولا تتلاءم مع الواقع، ويكابر من أجل تحقيق أهدافه التي سبق وضعها.
وتعرف الباحثة الكمالية العصابية بأنها بناء معرفي سلوكي يتشكل لدى الفرد من خلال بعض الأفكار اللاعقلانية التي يتبناها، تسعى بشكل مفرط نحو مستويات أداء عالية، ويحدث كثيراٌ أن هذه المستويات لا تتناسب مع  قدرات الشخص الفعلية، مما يقوده إلى الشعور المستمر بالفشل والعجز، ويجعله في حالة عدم الرضا عن أدائه بالرغم من جودته في معظم الأحيان. 
أبعاد الكمالية العصابية:
من خلال استقراء الباحثة للأطر النظرية وجدت أن المهتمين به وضعوا أبعاداٌ مختلفة مبنية على خلفياتهم العلمية ونظرتهم للموضوع، حيث وضع فورست ستة أبعاد للكمالية وهي:
1.    الاهتمام المبالغ بالأخطاء الصادرة إن كانت عفوية أو بسيطة ومحاسبة النفس عليها.
2.    وضع الفرد لنفسه معايير شخصية عالية من الأداء والدقة في إنجاز الأعمال والمهام.
3.    إدراكه للتوقعات السلبية من والديه أو أحداهما أو من يحل محلهما. 
4.    إدراكه للنقد الوالدي أو أحداهما أو من يحل محلهما.
5.    شكه في إمكانية قيامه بالأداء والمهام الموكلة إليه بالدرجة المطلوبة.
6.    فقدان الثقة في مهاراته وكفاءته على التعامل بإيجابية في حل المشكلات.
ووضع (Hewitt & Flett) ثلاثة أبعاد للكمالية هي:
1.    ما يتعلق بالفرد نفسه وذاته وهو ما يخص الشخص نفسه بوضع معايير مرتفعة وليست واقعية لتقييم ذاته ومعظم الدراسات التي أطلعت عليها الباحثة درست هذا البعد.
2.    موجه إلى الخارج تجاه الأفراد حيث يضع الفرد في هذه الحالة مقاييس التقييم والأداء المرتفع على الآخرين.
3.    موجه للمجتمع ويشير إلى شعور الفرد بأن الأشخاص المسؤولين والمهمين في حياته يتبنون معايير عالية لتقييم أدائه أي من الخارج إلى الداخل.
بينما يرى عبدالمطلب القريطى، وسميرة محمد شند، وداليا يسرى الصاوي خمسة أبعاد للكمالية وهي:
1.    الحاجة إلى الاستحسان؛ وهو سعى الفرد للحصول على إعجاب الآخرين، وحرصه على الحصول على الدعم الإيجابي منهم.
2.    التركيز على الأخطاء أي اهتمام الفرد بأخطائه وخوفه وقلقه من الوقوع في الفشل، ومحاسبة الذات بشدة.
3.    التقدير المتدني للذات؛ حيث يقدر الفرد ويقيم ذاته سلبياٌ.
4.    عدم الرضا عن الأداء؛ وهو عدم قناعة الفرد عن إنجازه وعدم الثقة فيما يقوم به من إنجاز، والشعور السريع بالفشل.
5.    الأفكار غير العقلانية: وهي مجموعة الأفكار غير المنطقية والتي يتبناها الفرد ويؤمن بها، والتي تؤثر على سلوكه.

أبحاث
الباحثة منى لملوم

خصائص ذوي الكمالية العصابية:
يشير الباحثون في مجال الكمالية أن الذي يميز بين الكمالية العصابية والسوية هو درجة الإحساس بالموقف المناط به أو الذى سيقوم به (الكمالية العصابية التي تظهر لدى العصابي على شكل الإتقان الكامل والاهتمام بأدق التفاصيل ونقد ولوم الذات والآخرين على أعمالهم بحجة عدم الإتقان وظهور علامات القلق وعدم الارتياح والخوف من الفشل) مجموعة من الخصائص والسمات التي تتصف بها الشخصية الكمالية العصابية فهي مرتبطة بـ:
1.    محاولة الإتقان المبالغ فيه والشعور بالتقصير وعدم الرضا عن نتائج الأعمال. ومحاسبة الذات وتصيد أخطائها وكأنها خصم منافس، والقلق من الوقوع في الأخطاء، والشك حول نوعية عمل الفرد نفسه، والقلق المفرط مع توقعات أولياء الأمور، والتقييمات السلبية الدائمة للأعمال ومعايير عالية من الأداء يرافقها ميول لتقييم سلوك الفرد أكثر من اللازم. 
2.    انخفاض تقدير الذات حيث لا تقدر بالشكل الحقيقي بسبب الاعتقاد بعدم القدرة على تحقيق الأهداف بالشكل المطلوب، وبالتالي ينعكس ذللك الشعور على تقدير الذات سلباٌ، وارتفاع درجة الشك، والاضطهاد، والاستياء، واهتمام عال بالآخرين وذلك بهدف السيطرة عليهم وممارسة التسلط. 
3.    السلوك العنيف تجاه الآخرين وممارسة العدوان عليهم بدنياً، أو لفظياً، أو انفعالياً وهذا ما أكده مصطفى رمضان مظلوم، أن من الخصائص التي يتصف به بعض الكماليين العصابيين هو السلوك العدواني سواء كان داخلياٌ أو خارجياٌ.
4.    ارتفاع الاكتئاب وقلة الرضا عن الحياة، والشعور بالدونية وعدم القيمة، وأقل استبصار للذات، واحتقارها. 
5.    المشاعر السلبية كالشعور بالذنب، والتشاؤم، والخجل. 
6.    المبالغة في التوقعات، والقسوة في محاسبة الذات، ونقدها بشدة، حيث هناك طاقة كامنة تدفع بقوة للإنجاز المرتفع، والمعاناة والحساسية تجاه المواقف والبكاء لمجرد الشعور بالفشل، وعدم تقبل الخطأ وأن كان ضئيلاٌ، لذلك هناك محاولات لمرات عديدة، والاهتمام الكبير بآراء الآخرين إلا أن هذا الأمر قد يكون مستحيلاٌ وإن كان هناك قدرات مرتفعة من الموهبة والإبداع.
 أسباب الكمالية العصابية:
شكل الجسم العام وبنيته غير المرضى من الشخص نفسه يجعله يبحث عن تعويض هذا النقص من خلال الكمالية العصابية في تحقيق المهام الموكلة إليه، كما أن انخفاض الثقة بالذات يجعله يكرر محاولاته مرات عديدة لكى يصل إلى الإتقان.  
أن حدوث الكمالية العصابية قد يعود إلى الأسباب الآتية:
-    الخوف من الفشل والرهبة من الموقف والاعتقاد المسبق بعدم القدرة على تحقيق درجة الإتقان المطلوبة حيث يقدم الفرد احتمالية الإخفاق على النجاح بسبب فقدان الثقة بالنفس.
-    النقد الوالدي: الخوف من لوم الوالدين عند القيام بالمهام.
-    تأثير ترتيب الولادة: أشارت بعض الدراسات إلى أن الترتيب الولادي له دور رئيسي في ظهور الكمالية العصابية، وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن المواليد الأوائل ينشؤون مع كبار السن بوصفهم نماذج أولية يقتدون بهم ويؤمنون إيماناٌ راسخاُ بمفهوم السلطة، وأن من يتولون السلطة دائماٌ على صواب ويجب طاعتهم وبالتالي مجاراتهم في سلوكهم الكمالي العصابي.
-    شخصية الوالدين، فإذا كان شخصية الوالد أو أحدهما تتسم بالكمالية العصابية سينشأ الطفل على تلك السمة.
-    كذلك تأثير الأقران فحين يكون لدى الطفل أصحاب ذوى سلوك كمالي أو متشدد، فمن المحتمل تأثره بمن يحيط به من زملاء.