النهضة تبحث عن مخرج من مأزقها السياسي بمبادرة أخرى

تشكيل الحركة الإسلامية لجنة لإدارة الأزمة يأتي في ظل مواجهتها مستقبلا محفوفا بالمخاطر بينما تصارع من أجل البقاء بالمشهد السايسي الجديد على وقع انقسامات داخلية وتلاش لشعبيتها في تونس.
النهضة مشتتة بين إنقاذ شعبيتها المتآكلة ورأب انقساماتها الداخلية

تونس - تبحث حركة النهضة في تونس من خلال تشكيلها لجنة مؤقتة لإدارة الأزمة، عن مخرج لمأزقها السياسي الذي عمقته قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي، فيما يعاني الحزب الإسلامي تآكلا في شعبيته وانقسامات داخلية قاسية، بينما يحمل كثير من التونسيون مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد إلى الطبقة الحاكمة منذ سنوات وعلى رأسها النهضة.

وفي إطار تحركاتها الدبلوماسية الحثيثة لإنقاذ مكانة الحزب، أعلنت حركة النهضة الخميس، تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة الأزمة السياسية في البلاد.

وقالت النهضة في بيان، إنها شكلت لجنة لإدارة الأزمة السياسية في البلاد برئاسة عضو المكتب التنفيذي للحركة محمد القوماني، مضيفة أن "اللجنة مؤقتة وذات تفويض حصري في الملف، وهي الجهة الرسمية الوحيدة التي تلزم الحركة، ولا تلزمها أية مواقف أو مبادرات أو تصريحات أخرى ذات صلة مهما كانت".

وأوضحت أن "اللجنة تبحث عن حلول وتفاهمات تجنب تونس الأسوأ وتعيدها إلى الوضع المؤسساتي الطبيعي"، على حد قولها، مؤكدة أن "الأزمة المركّبة والمتراكمة التي عاشتها تونس، بلغت درجة من التأزيم والتعطيل في الفترة الأخيرة، بما جعلها في حلقة مغلقة سياسيا ودستوريا".

ويأتي هذا بينما يحمل كثير من التونسيين الحركة التي قادت تقريبا كل الحكومات التي تعاقبت على تونس طيلة الفترات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي عام 2011، مسؤولية الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد.

ويرى محللون أن الحكومات المتتالية التي قادتها حركة النهضة لم تفلح سوى في إشعال الحرائق السياسية وافتعال الأزمات والفتن من أجل صرف أنظار الشعب التونسي عن الفشل الحكومي المتواصل في إدارة شؤون البلاد، لكن الشارع التونسي قال كلمته وسعيّد استجاب بقرارات تستدعيها متطلبات المرحلة السيئة التي آلت إليه تونس.

وفاقم قرار تجميد البرلمان الذي تملك النهضة داخله النصيب الأكبر من الأعضاء المجمدين حاليا، الانقسامات داخل النهضة وكشف الخلافات العميقة بين قياداته، حيث حمل عدد من القيادات ما آل إليه الحزب من تراجع وأزمات إلى زعيم الحركة راشد الغنوشي.

وأمس الاربعاء أعلن القيادي بالنهضة رضوان المصمودي استقالته من المكتب السياسي للحزب في أحدث حلقة من مسلسل استقالة قياديين بالحركة بعد استقالة خليل البرهومي من المكتب التنفيذي ومن مسؤولية الإشراف على الإعلام بالحزب.

وشددت الحركة عبر مبادرتها الجديدة على "ضرورة بذل جهود مشتركة للخروج النهائي من الأزمة، حتى تواجه تونس مشاكلها العاجلة والآجلة في إطار الوحدة الوطنية والدستور".

وتابعت أنّ " قرارات 25 يوليو/تموز الماضي الرئاسية جاءت لتكسر هذه الحلقة المغلقة بحثا عن حلول، لكن بعض تلك القرارات ذهبت بعيدا في الخرق الجسيم للدستو"، على حد قولها.

واتهمت النهضة، سعيّد بتنفيذ "انقلاب". لكن بعد عشر سنوات من مشاركتها في الحكم، تواجه الحركة عداء متزايدا من قبل التونسيين. وعلى حركة النهضة يصب كثير من التونسيين غضبهم لمجرد ذكر أسمها في كل مكان.

والحركة اليوم مربكة بين ترميم شعبيتها المتهالكة والتموقع بالمشهد السياسي الجديد، بينما تواجه ملفات فساد معروضة أمام القضاء، فقد فتحت النيابة العمومية تحقيقا في مصادر تمويلها إلى جانب حزبي قلب تونس وعيش تونسي.

ودعا الغنوشي في البداية الناس إلى الخروج ضد سعيد وحشد مناصريه لذلك وقاد اعتصاما أمام مقر البرلمان، قبل أن يتراجع ويحث على الهدوء والحوار.

ومع ذلك عارضت القرار شخصيات أخرى داخل الحزب ترى أن التراجع سيسمح لسعيّد بقمع الحركة بسهولة. وقال أحد المسؤولين إن تجنب المواجهة سيكون له ثمن "باهظ".

وأدى تململ حركة النهضة في أخذ قرار ينقذ الحزب من ورطته، إلى المزيد من الانقسام، وطالب مؤخرا بيان يحمل توقيع أكثر من 130 من شباب الحزب وبعض النواب المنتمين للنهضة حمل عنوان "تصحيح المسار"، القيادات بحل المكتب التنفيذي للحزب لفشله في إدارة البلاد وتلبية متطلبات التونسيين، داعين الغنوشي إلى تغليب مصلحة البلاد لتجاوز الأزمة والاستقالة من منصبه.

وخسر حزب النهضة أنصاره بشكل مطرد على مدى العقد الماضي حيث كان يروج لموقف أيدلوجي معتدل ويدعم حكومات متعاقبة فرضت خفضا في الإنفاق أضر بشدة بالمناطق الفقيرة حيث كان الحزب يحظى بأقوى تأييد ويتحمل على الأقل مسؤولية قانونية وأخلاقية في الفساد الحاصل بالبلاد.

وتراجع نصيب الحزب من التصويت في الانتخابات المتتالية حتى عام 2019 عندما حصل على ربع المقاعد فقط في البرلمان رغم أن أداءه كان أفضل من منافسيه.