طالبان تواجه بالرصاص الحي مدنا انتفضت ضدّها

طريقة تعامل مقاتلي طالبان مع الاحتجاجات تعرّي وجهها الحقيقي الذي لا يخفى على الأفغان والعالم وهو أنها غير مستعدة لقبول الآخر ولا ما يخالف شرعها وشريعتها السياسية والفكرية.
قتلى في احتجاجات ضد طالبان
طالبان بوجهين.. تهادن في العلن وتقمع معارضيها في السر
الرعب لا يفارق الأفغان لكن بعض المدن كسرت حاجز الخوف
طالبان تهادن لاستمالة الداخل الأفغاني وتفادي الضغوط الدولية
بايدن: على طالبان أن تقرر إن كانت تريد أن يعترف المجتمع الدولي بها  

كابول - تلوح في الأفق بوادر انتفاضة في عدد من المدن الأفغانية رفضا لحكم حركة طالبان مع خروج مظاهرات في شوارع عدة مدن أفغانية ترفع العلم الوطني وتهتف ضد الحركة التي ردّ مقاتلوها باستهداف الحشد الذي ضم نساء ورجالا بالرصاص الحي ما خلف عددا من القتلى والجرحى، في الوقت الذي تحاول فيه (الحركة) إيهام الرأي العام العالمي والمحلي بأنها تغيّرت في عملية استمالة إعلامية واسعة.

وعرّت طريقة تعامل مقاتلي طالبان مع الاحتجاجات وجهها الحقيقي الذي لا يخفى على الأفغان والعالم وهو أنها غير مستعدة لقبول الآخر ولا ما يخالف شرعها وشريعتها السياسية والفكرية.  

وأظهر مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي حشدا يضم رجالا ونساء يهتفون "علمنا هويتنا" وهم يلوحون بالعلم الوطني في يوم عيد الاستقلال الذي تحيي فيه أفغانستان كل عام في 19 أغسطس/آب ذكرى استقلالها عن بريطانيا في 1919.

ويبدو أن حالة الصدمة في أفغانستان انتهت وبدأ الخوف يتفكك نسبيا من حركة طالبان المدججة بالسلاح والقادمة من الجبال والتي أشاعت الرعب في كل مكان بدخولها السريع إلى كابول إضافة إلى تبخر قوات الجيش والشرطة الأفغانية وانسحاب القوات الأجنبية وهو أمر أعطى انطباعا لدى الأفغانيين بأنهم تركوا لقمة سائغة للحركة المتشددة التي اختبروا في السابق أسلوبها في إدارة الدولة بقبضة من حديد.

وقدمت طالبان وجها معتدلا إلى العالم منذ دخولها كابول يوم الأحد. وقالت إنها تريد السلم ولن تنتقم من أعدائها القدامى وستحترم حقوق المرأة في إطار الشريعة.

لكن طريقة تعاملها مع الاحتجاجات التي شهدت تمزيق محتجين لراياتها البيضاء وفقا لما ذكرته وسائل إعلام، قد تحدد مدى ثقة الناس في تطميناتها بأنها تغيرت عما كانت عليه خلال فترة حكمها السابقة للبلاد بين 1996 و2001 والتي شهدت فرض قيود صارمة على النساء وتنظيم إعدامات علنية وتفجير تماثيل بوذية أثرية.

وفي مدينة أسد أباد عاصمة إقليم كونار في شرق البلاد، قال شاهد يدعى محمد سالم إن عدة أشخاص قتلوا خلال مسيرة، لكن لم يتضح إن كان ذلك جراء إطلاق طالبان النار عليهم أم بسبب التدافع الذي أعقب ذلك.

وقال سالم "خرج المئات إلى الشارع. كنت خائفا في البداية ولم أرغب في الخروج، لكن عندما شاهدت أحد جيراني ينضم إلى المسيرة خرجت ومعي العلم الذي كان بالمنزل"، مضيفا "قُتل وأصيب عدة أشخاص في التدافع وإطلاق النار من جانب طالبان". كما خرج محتجون إلى الشوارع في مدينة جلال أباد وأحد أحياء إقليم باكتيا في شرق البلاد.

وذكر شهود ووسائل إعلام أمس الأربعاء أن مقاتلي طالبان أطلقوا النار على محتجين يلوحون بالأعلام في جلال أباد مما أسفر عن مقتل ثلاثة. وقالت وسائل إعلام إنه كانت هناك مشاهد مماثلة في أسد أباد وخوست الواقعة في شرق البلاد أيضا أمس الأربعاء.

محتجون يرفعون العلم الأفغاني في مسيرة مناهضة لطالبان
محتجون يرفعون العلم الأفغاني في مسيرة مناهضة لطالبان

وعبر أمرالله صالح النائب الأول للرئيس الأفغاني الذي يحاول حشد معارضة ضد طالبان، عن دعمه للاحتجاجات. وكتب على تويتر "تحياتي إلى من يرفعون العلم وبهذا يدافعون عن كرامة الأمة".

وصرح يوم الثلاثاء بأنه موجود في أفغانستان وأنه "الرئيس الشرعي القائم بالأعمال" بعد مغادرة الرئيس أشرف غني البلاد في أعقاب استيلاء طالبان على العاصمة كابول.

ويجري زعماء أفغان سابقون منهم الرئيس السابق حامد كرزاي، محادثات مع طالبان بشأن تشكيل حكومة جديدة.

طالبان تقود حملة لتلميع صورتها

ويبتسم قادة في طالبان للصحافيين، يلتقطون صور سيلفي معهم حتى أنهم يجلسون لإجراء مقابلة متلفزة مع صحافية، في ما يبدو انخراطا للحركة الإسلامية المتطرفة في عملية استمالة إعلامية واسعة، لإقناع الأفغان والعالم بأنها تغيّرت.

إلا أن هذه المحاولات لا تقنع الجميع إذ يحتفظ الأفغان ولاسيما النساء والأقليات الدينية بذكرى نظام متطرف فرضته الحركة لدى توليها السلطة في البلاد بين العامين 1996 و2001 وعشرات آلاف الضحايا جراء تمردهم الدامي في العقدين التاليين.

وقال الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد الثلاثاء في أول مؤتمر صحافي له في كابول "على صعيد العقيدة والمعتقدات لا اختلاف بتاتا، لكن على صعيد الخبرة والنضوج والحكمة ثمة فروقات كثيرة بالتأكيد".

وعدد بعد ذلك قائمة طويلة بوعود جذابة منها عفو عام عن الجميع وحقوق المرأة ومنها متابعة الدراسة والعمل ووسائل إعلام مستقلة وحرة وتشكيل حكومة جامعة. وأقرن مسؤول في الحركة القول بالفعل بجلوسه مع صحافية في مقابلة وجاهية.

وقالت حركة طالبان أيضا إنها تريد أن تكون جزءا من الأسرة الدولية وتعهدت بمنع استخدام أفغانستان لشن اعتداءات في الخارج. وكانت الولايات المتحدة على رأس ائتلاف دولي، طردت الحركة من السلطة العام 2001 بسبب رفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

وأوفدت الحركة ممثلين لها إلى مراسم لإحياء ذكرى عاشوراء التي تعارضها الجماعات السنية المتطرفة أشد معارضة. وتقدم طالبان هذه الضمانات منذ أشهر، لكن وراء هذه التصريحات العامة، يلزم مسؤولوها الصمت عند التطرق إلى التفاصيل.

وترفق هذه التعهدات بتحذير مفاده بأن كل شيء ينبغي أن يحصل مع احترام تفسيرها الخاص للشريعة.

ولا تزال ذكرى الفظائع التي ارتكبتها الحركة استنادا إلى تفسيرها الصارم جدا للشريعة الإسلامية شاخصة في الأذهان، فقد منعت كل وسائل الترفيه من موسيقى وتلفزيون وعمدت إلى قطع يد السارق وإعدام القتلة في الساحات العامة ومنعت النساء من العمل والفتيات من متابعة الدراسة فيما كانت اللواتي يتهمن بالزنا يتعرضن للجلد والرجم حتى الموت.

ونددت الأسرة الدولية برمتها بإقدام مقاتلي الحركة على قتل مدنيين لا سيما من الشيعة الذين بقوا هدفا رئيسيا لاعتداءات الحركة حتى بعد العام 2001.

وعلى غرار ما فعلت هذا الأسبوع، كانت حركة طالبان قد وعدت بعفو عام لدى دخولها كابول في العام 1996. وقال يومها مؤسس الحركة الملا عمر لسكان العاصمة "نحن لا نؤمن بأي شكل من أشكال الانتقام"، لكن بعد يومين على ذلك أعدمت الحركة الرئيس السابق نجيب الله وعلقت جثته على عمود إنارة.

وفيما يحاول مسؤولو طالبان الذين يطلون على الإعلام إظهار وجه معتدل، يتهم مقاتلوهم في بعض مناطق البلاد بمواصلة تعقب الصحافيين ومنع النساء من دخول الجامعات.

وفي كابول خربت ملصقات تظهر نساء على واجهات متاجر. وفي المناطق الريفية والمدن الأصغر يعامل المقاتلون السكان بوحشية.

وتقول باشتانا دزوراني التي تدير منظمة غير حكومية تعنى بتعليم النساء في قندهار (جنوب) في مقابلة مع محطة "تشانيل 4" البريطانية "باتوا أفضل في العلاقات العامة الآن  فهم يتكلمون الانكليزية ويتوجهون إلى وسائل الإعلام الدولية"، مضيفة "ما يقولونه في المؤتمرات الصحافية وما يقومون به على الأرض أمران مختلفان".

طالبان تعودت على لغة الرصاص أكثر من اختبارها للغة الحوار
طالبان تعودت على لغة الرصاص أكثر من اختبارها للغة الحوار

ورغم حملة مستمرة منذ أشهر لاستمالة الأسرة الدولية وطمأنة الأفغان، لم تنجح الحركة حتى الآن في مسعاها.

وحاول عشرات آلاف الأفغان المذعورين الفرار من البلاد منذ الأحد وتهافتوا على مطار كابول في مشاهد من اليأس المطلق.

وتتجنب النساء الخروج إلى الشوارع فيما يخشى الصحافيون والأشخاص الذين عملوا لمنظمات دولية وتعذر عليهم المغادرة، احتمال أن يقعوا ضحية عمليات انتقامية.

وبدرت عن الصين وروسيا وتركيا وإيران مؤشرات انفتاح على حركة طالبان لكن أحدا لم يعترف بها حتى الآن.

وحذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأربعاء من أن العالم سيحكم على حركة طالبان "من خلال الأفعال وليس الأقوال" وهو موقف يتشاركه مع ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في مقابلة مع شبكة 'إيه.بي.سي' بثت اليوم الخميس إن على حركة طالبان أن تقرر إن كانت تريد أن يعترف المجتمع الدولي بها، مضيفا أنه لا يعتقد أن الحركة غيرت معتقداتها الأساسية.

وعندما سئل إن كان يعتقد أن طالبان تغيرت، قال بايدن للشبكة "لا"، مضيفا "أعتقد أنهم يمرون بنوع من الأزمة الوجودية بشأن هل يريدون أن يعترف بهم المجتمع الدولي على أنهم حكومة شرعية؟ لست متأكدا من أنهم يريدون ذلك"، معتبرا أن الحركة تبدو أكثر التزاما بمعتقداتها.

لكنه أضاف أن طالبان عليها كذلك أن تبذل جهدا لمعرفة إن كان بوسعها توفير الدعم للأفغان. وقال "يهتمون أيضا بما إذا كان لديهم طعام يأكلونه وما إذا كان لديهم دخل... يمكنه إدارة الاقتصاد وهم يهتمون بما إذا كان بإمكانهم الحفاظ على تماسك المجتمع الذي يقولون إنهم يهتمون به كثيرا... لا أعول على أي من ذلك".

وتابع أن ضمان حقوق المرأة سيتطلب ضغوطا اقتصادية ودبلوماسية وليس القوة العسكرية.

وتأتي هذه التطورات بينما تتواصل عمليات إجلاء دبلوماسيين وأجانب وأفغان في ظل ظروف صعبة في كابول التي سيطرت عليها حركة طالبان.

طالبان اشاعت الرعب للتحكم في رقاب الأفغان
طالبان اشاعت الرعب للتحكم في رقاب الأفغان

وأقيم جسر جوي هائل منذ الأحد تشارك فيه طائرات من جميع أنحاء العالم في مطار أحكمت طالبان سيطرتها على محيطه.

وأخرجت ألمانيا حتى الآن 500 شخص من بينهم 202 أفغاني. كذلك وافقت على إرسال 600 جندي إلى كابول لدعم إجلاء "أكبر عدد ممكن من الأشخاص" حتى 30 سبتمبر/ايلول على أبعد حد.

ويستمر الجسر الجوي الفرنسي عبر الإمارات حيث من المقرر أن تصل الخميس رحلة جديدة تنقل 120 راكبا، معظمهم من الأفغان. ووصل أوائل الأفغان الذين نقلتهم فرنسا إلى باريس مساء الأربعاء.

وقال سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون الخميس "نقوم بتحديد حجم الاحتياجات الملحة جدا"، موضحا أن الأمر "يتعلق على الأرجح ببضعة آلاف" سيتم ترحيلهم، معظمهم من الأفغان.

وقال إن فرنسا ستستجيب لطلبات "اللجوء" للأفغان المهددين، مشيرا إلى "إمكانية" عقد قمة أوروبية استثنائية.

ونقلت الولايات المتحدة التي تخطط لإجلاء أكثر من ثلاثين ألف أميركي ومدني أفغاني عبر قواعدها في الكويت وقطر، أكثر من 3200 شخص حتى الآن بينهم خصوصا موظفون أميركيون، وحوالي ألفي لاجئ أفغاني.

لكن وزارة الخارجية الأميركية تؤكد أن طالبان لم تف بوعودها "وتمنع الأفغان الذين يرغبون في مغادرة البلاد من الوصول إلى المطار".

أما بريطانيا فقد أجلت 306 من رعاياها و2052 أفغانيا وتواصل عمليات الترحيل في طائرات تحط في دبي في طريقها إلى المملكة المتحدة.

وقد أقلعت طائرة من مطار آل مكتوم جنوب دبي بينما يتوقع أن تصل طائرة أخرى من كابول في وقت قصير.

وبدأت إسبانيا سلسلة أولى من عمليات الإجلاء بثلاث طائرات عسكرية عبر دبي. ووصلت أول طائرة تقل خمسين أفغانيا وبعض الإسبان صباح الخميس.

ونظمت تركيا التي أعادت 324 من رعاياها الاثنين، عودة "أكثر من مئتين" آخرين الأربعاء من كابول.

وجرت عمليات إجلاء في الواقع لأجانب أو أفغان منذ نهاية الأسبوع الماضي، لا سيما إلى هولندا وبولندا (وصلت طائرة ثانية الخميس) والدنمارك والنرويج وجمهورية تشيكيا والمجر وبلغاريا. وأخفق 15 رومانيا في الوصول إلى مطار كابول وأقلعت الطائرة التي أرسلت لترحيلهم بمواطن واحد فقط.