قرارات الغنوشي تعمّق حالة التفسخ داخل النهضة وتوسع خلافاتها

شهدت الأزمة داخل حركة النهضة تشهد تصعيدا جديدا عقب تجميد رئيس الحركة راشد الغنوشي لعضوية القيادي عماد الحمامي.
تجميد عضوية القيادي عماد الحمامي تفتح بابا جديدا للانقسام
الأزمة المتفاقمة قد تؤدي إلى تفسخ النهضة وولادة أحزاب جديدة من رحمها
سمير ديلو: إقصاء عماد الحمامي هدفه إسكات الأصوات المعارضة للغنوشي

تونس - أثارت قرار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تجميد عضوية القيادي عماد الحمامي جدلا جديدا حول مصير الحركة بعد خروج أزمتها الداخلية للعلن وتجاوز قيادييها "الخطوط الحمر" بانتقاد مباشر وصريح لرئيس الحركة بالتفرد بالحكم والقرارات.

وكان الحمامي قال في تصريحات لإذاعة موزاييك اف ام الخاصة أنه علم بالقرار من وسائل الإعلام شأنه شأن بقية التونسيين. قال  "انتقدت حركة النهضة ورئيسها... راشد الغنوشي هو المسؤول رقم واحد عن تدهور الأوضاع".

وقال بيان صدر  الأربعاء عن الحركة "قرّر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تجميد عضوية عماد الحمامي في الحزب وإحالته على لجنة النظام بسبب تكرر تجاوزاته لسياسات الحركة".

ووصف الحمامي هذا القرار بـ"التعسفي وفق أحكام اللائحة الداخلية للحزب"، مضيفا أن "هذه العقوبة كان يجب أن توجه ضد الأشخاص الذين ساهموا في الأزمة السياسية في البلاد وهددوا المصلحة العليا للحزب والوطن". وقال إن "هذا قرار خاطئ و غير قانوني".

وكان الحمامي أدلى بعدة تصريحات منتقدة لسياسات حركة النهضة خاصة فيما تحالفها مع قلب تونس وائتلاف الكرامة، كما كان الحمامي واضحا في مساندته للقرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد ووصفه أن تفعيل قيس سعيد للفصل 80 بـ "القرار الشجاع".

وقال حينها إن "الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد تمثل زلزالا وصدمة إيجابية"، مضيفا أن "رئيس الدولة تحمّل مسؤوليته التاريخية في إخراج تونس أقوى وإدخالها في سياق الحل".

كما انتقد الحمامي في تلك الفترة التخبط الذي شهدته حركة النهضة وقال تعليقا على إعفاء أعضاء المكتب التنفيذي للحركة إنها "مواصلة لسياسات الغنوشي الخاطئة" لافتا أن "الغنوشي لم يستوعب رسالة 25 يوليو ولا يزال يستفرد بتسيير الحركة، ويريد تشكيل مكتب تنفيذي جديد بهدف الاستمرار في تحكمه".

وشغل الحمامي شغل منصب وزير الصحة والتشغيل ووزير الصناعة والنقل. وداخل الحركة شغل مناصب متقدمة على مستوى المكتب التنفيذي ومجلس الشورى، ومثل الحركة في سنة 2013 في الحوار السياسي. وكان من المقربين إلى الغنوشي قبل أن يتحول إلى التيار الإصلاحي المطالب بتغييرات داخل الحركة لضمان استمرارها منذ مطلع سنة 2021.

والحمامي من بين الموقعين على "رسالة المئة"، وهي رسالة وجهها حوالي 100 عضو من النهضة، من بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي الوطني ومجلس الشورى والكتلة البرلمانية، فضلا عن بعض القيادات بالجهات والمحليات إلى رئيس الحركة راشد الغنوشي طالبوه فيها  بإصلاح وترتيب الوضع الداخلي للحركة.

وزادت الدعوة إلى الإصلاح إلحاحا بعد 25 يوليو، حيث اعتبر قياديون في النهضة أن الحركة هي المستهدف الرئيسي من غضب الشارع، وإذا لم تتم المراجعة وتصحيح المسار فإن نهايتها محتومة. وقد ترجم بعض القياديين غضبهم ورفضهم لعدم الإصغاء لدعوات الإصلاح بالانسحاب من الحركة.

الحمامي
عماد الحمامي: سياسات الغنوشي خاطئة

ويتوقع متابعون أن يحمل قرار تجميد عضوية الحمامي تبعات جديدة لن تصب في صالح الحركة، التي يتوقع أن يستهدف رئيسها قياديين آخرين معارضين فيما قد يستقيل آخرون رفضا لسياسات الغنوشي وتعنته.

وانتقد القيادي في حركة النهضة سمير ديلو قرار تجميد عضوية عماد الحمامي وقال إنه "خطأ على عدة مستويات". واعتبره قرارا "تعسفيا"، وهو "عقوبة كان يجب أن توجه ضد الأشخاص الذين ساهموا في الأزمة السياسية في البلاد وهددوا المصلحة العليا للحزب والوطن".

وأضاف ديلو في تصريحات لإذاعة شمس الخاصة ""أعتقد أن علاقات راشد الغنوشي مع بع الأطراف شجعته على اتخاذ هذا القرار الذي، لا يستهدف الحمامي فقط بل جميع الأصوات التي تعارض راشد الغنوشي داخل النهضة".

يلفت مراقبون إلى أن ووحدة الصف الظاهرة كانت نقطة قوة حركة النهضة في السنوات الماضية مقارنة ببقية الأحزاب التي تصعد وتنزل وفق قربها من النهضة وتحالفها معها. لكن، اليوم النهضة تتفسخ من الداخل، وهنا يكمن الخطر الأكبر.

كانت النهضة قادرة على مجابهة غضب الشارع والتعامل معه بشتى الطرق، لكن اليوم الوهن داخلي والاضطراب يأتي من القواعد التي لم تعد متينة كما لم يعد بالإمكان الضغط عليها خاصة بعد أن فقد راشد الغنوشي الدعم الخارجي المطلق.

واليوم يتحدث البعض عن "نهضات" جديدة يمكن أن تظهر من رحم أزمة النهضة الراهنة، في إشارة إلى أحزاب يمكن أن يؤسسها أو يشارك فيها قياديون سابقون في حركة النهضة تحمل نفس الأيديولوجيا والتوجه وهي من نفس المنشأ لكن بعيدا عن "ديكاتورية" الرئيس الذي يحكم الحركة منذ أكثر من عقود.

وكان الحمامي نفسه قال في تصريحات سابقة "نفكر بجدية في تأسيس حزب جديد يحمل القيم الأساسية لحركة النهضة"، كما لمح المستشار المستقيل  لرئيس الحركة لطفي زيتون إلى "إمكانية تأسيس حزب جديد يتخلى عن توظيف المقدس لينكب على مشاكل البلاد المعقدة".

ويتفق محللون على أن النهضة استنزفت قوتها في العشر السنوات الماضية وفقدت التأييد الشعبي ومركزها في الحكم وهي اليوم تعيش مخاضا مصيريا وهو أمر طبيعي بعد أن خرجت إلى دائرة الضوء ولم تعد تعيش على خطابات المظلومية والمعارضة المقموعة والمهجّرة، وصارت فاعلا في منظومة الحكم تقيم سياساته وفق ما قدمه للتونسيين وللبلاد.