القضاء اللبناني يكابد في مقاومة تدخلات السياسية حدّ الترهيب
بيروت - يكابد القضاء في لبنان في مواجهة ضغوط وتدخلات سياسية وصلت حدّ الترهيب خاصة في ما يتعلق بقضية انفجار مرفأ بيروت، حيث بعث حزب الله منذ فترة برسالة تحذير للقاضي طارق البيطار ودعاه للتنحي، وفق ما كشفت مصادر إعلامية وسياسية.
ولجأ المطلوبون للتحقيق في انفجار المرفأ إلى الدعاوى القضائية ضد البيطار كنوع من الضغوط تحت غطاء قانوني، لكن القضاء اللبناني رد الخميس أربع دعاوى قدّمها مسؤولون ضد المحقق العدلي، وفق ما أفاد مصدر قضائي، ما يعني أنه بات بإمكانه استئناف التحقيق في انفجار المرفأ بعد توقف لثلاثة أسابيع.
وقال المصدر إن الهيئة العامة لمحكمة التمييز ردّت الدعويين المقدمتين من رئيس الحكومة السابق حسان دياب والنائب نهاد المشنوق، لمخاصمة الدولة عن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها بيطار بحقهم.
واعتبرت أن الأخير لم يرتكب أي خطأ يستوجب مداعاة الدولة، وألزمت كلا من دياب والمشنوق دفع مليون ليرة للدولة بدل عطل وضرر.
كما ردّت الهيئة دعوى مخاصمة الدولة التي قدمها النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، وألزمت كلا منهما دفع مليون ليرة بدل عطل وضرر للدولة.
من جهتها، ردّت محكمة التمييز الجزائية دعوى تقدم بها الوزير السابق يوسف فنيانوس، التي صدرت بحقه مذكرة توقيف، طلب فيها نقل ملف انفجار مرفأ بيروت من عهدة البيطار بسبب الارتياب المشروع.
القضاء اللبناني يرد أربع دعاوى بحق القاضي البيطار تمهيداً لاستئناف تحقيقاته في انفجار مرفأ بيروت ويغرم المدعين الأربعة على البيطار وبينهم حسان دياب مليون ليرة لكل منهم
والمسؤولون الخمسة من المدعى عليهم في انفجار مرفأ بيروت، الذي تسبب بمقتل أكثر من 215 شخصا وإصابة أكثر من 6500 بجروح، عدا عن دمار واسع في المرفأ وأحياء من العاصمة.
وبمجرّد تبلغه قرارات رد الدعاوى، يصبح بإمكان البيطار استئناف التحقيق المعلق منذ الرابع من الشهر الحالي.
وفي سياق متصل، حدّدت الهيئة العامة لمحكمة التمييز برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الغرفة الأولى لدى محكمة التمييز برئاسة القاضي ناجي عيد بمثابة المرجع الصالح للنظر بدعاوى الرد التي تقدم ضد البيطار، بمعزل عن المحاكم الأخرى.
وتأتي هذه الخطوة، وفق المصدر القضائي "للحد من محاولات عرقلة التحقيق المستمرة والحؤول دون إضاعة مزيد من الوقت".
قدمتّ ثلاث قاضيات استقالاتهنّ من مناصبهنّ احتجاجا على ازدياد وتيرة التدخلات السياسية التي باتت تعرقل مؤخرا عمل القضاء في لبنان وأبرزها التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وفق ما أفاد مصدر قضائي الخميس.
وتختزل تلك الاستقالات حجم الضغوط التي باتت مسلطة على أشد القطاعات حساسية في لبنان وآخر معقل للعدالة، بينما يشكو اللبنانيون ومن بينهم أهالي ضحايا انفجار المرفأ، من ضياع حقوقهم أو من دفع سياسي أضاع حقوقهم.
ويمارس الثنائي الشيعي: حزب الله وأمل ضغوطا شديدة على الحكومة لعزل القاضي المكلف بملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار وإحالة الملف لقاض غيره.
والمدعى عليهم في قضية المرفأ وزراء سابقون ونواب حاليون مقربون من حزب الله وبعضهم على قائمة العقوبات الأميركية بشبهة الفساد وتسهيل صفقات لحزب الله المشمول بدوره بعقوبات أميركية والمصنف على قائمة الولايات المتحدة كـ"تنظيم إرهابي".
التحقيق في انفجار مرفأ بيروت كشف مدى ضعف الجسم القضائي في لبنان وقدرة السياسة على التدخل في عمله، ما لم يخدم توجهاتها
وبات واضحا أن حزب الله وحلفاؤه يدفعون لنسف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت من خلال التدخل بشكل علني ومفضوح في مسار التحقيق وفي من يتولاه أو العمل على تحويل وجهته بعيدا عن الحزب الذي يمثل قوة سياسية وعسكرية ضخمة ويهيمن على قرارات الدولة.
وتقف حكومة نجيب ميقاتي التي تشكلت بعد أشهر طويلة من الجمود سياسي عاجزة عن كبح التدخلات في القضاء وهي التي اعتبرتها قوى سياسية ومحللون حكومة حزب الله لا لبنان.
ولم يبق القضاء في لبنان البلد القائم على المحاصصة السياسية والطائفية، بمنأى عن المحسوبيات، إذ تتدخل السياسة حتى في التعيينات خصوصا في مجلس القضاء الأعلى، السلطة القضائية الأعلى في البلاد.
وقال المصدر القضائي إن القاضيات الثلاث قدمنّ استقالتهنّ الأربعاء "احتجاجا على الوضع الصعب الذي بلغه القضاء والتدخلات السياسية في عمل السلطة القضائية والتشكيك في القرارات التي تصدر عن قضاة ومحاكم في معظم الملفات" لا سيما انفجار المرفأ.
وغرق التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في متاهات السياسة ثم في فوضى قضائية. ومنذ تسلمّه التحقيق قبل نحو عام، لاحقت 16 دعوى المحقق العدلي طارق بيطار، تمّ التقدّم بها أمام محاكم مختلفة، طالبت بكفّ يده ونقل القضية إلى قاض آخر، وأدت إلى تعليق التحقيق لعدة مرات. وتقدم بغالبية الدعاوى مسؤولون مُدعى عليهم في القضية.
وبعدما ردّت محاكم عددا من الدعاوى لأسباب مختلفة، وجد القضاة أنفسهم عرضة لدعاوى تقدم بها المسؤولون المدعى عليهم للتشكيك بصوابية قراراتهم.
وأوضح المصدر القضائي أن بين القاضيات الثلاث قاضية ردّت دعوى لتنحية بيطار وتم التشكيك بصوابية قرارها. وقال إن التشكيك المستمر في قرارات القضاء "بدأ يُفقد القضاء هيبته".
ورفض رئيس مجلس القضاء الأعلى، وفق المصدر ذاته، تسلم كتب الاستقالة أو تسجيلها، ووعد بمناقشة الموضوع في الاجتماع المقبل للمجلس.
وبيّن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت مدى ضعف الجسم القضائي في لبنان وقدرة السياسة على التدخل في عمله، ما لم يخدم توجهاتها.
ولا يتوقف الأمر عند ملف الانفجار، إذ جرى أيضا تعليق التحقيق في قضية اختلاس أموال عامة وتهرب ضريبي تطال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد دعوى تقدم بها وكيل أحد المصارف ضد المحامي العام التمييزي جان طنوس الذي ينظر في القضية.