كرّ وفرّ وغازات مسيلة للدموع أمام القصر الرئاسي بالخرطوم

متظاهرون نجحوا في تسلق سور القصر الجمهوري بالعاصمة بينما كانت الحشود تردد "الشعب يريد إسقاط البرهان" قبل أن تفرقهم قوات من الجيش وقوات مكافحة الشغب بالقوة وسط اطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع.
الجيش يغلق مداخل الجسور والمدن في مواجهة حشود من المتظاهرين
انتشار عسكري كثيف في الخرطوم وعند مداخل مدن رئيسية
القوى المدنية تحشد لمظاهرات على غرار تلك التي أسقطت البشير

الخرطوم -  شهدت العاصمة السودانية الخرطوم اليوم الأحد واحدة من أكبر المظاهرات في محيط القصر الرئاسي، للمطالبة بحكم مدني ديمقراطي وسط حالة من الكرّ والفرّ بين المحتجين وقوات مكافحة الشغب التي استخدمت الغازات المسيلة للدموع بكثافة لتفريق المحتجين الذين نزلوا بدورهم بكثافة للشوارع بعد ثلاث سنوات على "الثورة" التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة ثلاثة عقود.

وتجمعت حشود كبيرة من المتظاهرين في محيط القصر الجمهوري عصرا اليوم الأحد وحاولت قوات الأمن تفريقها بإطلاق كثيف لقنابل الغاز إلا أنها لم تتمكن. واستمر الوضع بين كر وفر في محيط القصر بين المحتجين وقوات الأمن.

وقال شهود إن مئات الآلاف من الناس توجهوا في مسيرة إلى القصر الرئاسي في العاصمة السودانية الخرطوم احتجاجا على الانقلاب العسكري الذي نُفذ يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، مما دفع قوات الأمن إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت.

وتمكن بعض المحتجين من الوصول إلى بوابات القصر، بينما دعا منظمو الاحتجاج المزيد من الناس للانضمام إلى اعتصام مقرر، فيما أظهرت لقطات مصورة على الهواء تعرض من بقي هناك لإطلاق الغاز بكثافة.

ويأتي هذا الاحتجاج وهو تاسع مظاهرة كبيرة يجري تنظيمها منذ الانقلاب، تزامنا مع إحياء ذكري إحراق مبنى الحزب الحاكم في عام 2018، وهي الواقعة التي أشعلت انتفاضة شعبية أدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير.

وسار المتظاهرون على امتداد طريق رئيسي يؤدي إلى القصر الرئاسي مرددين هتافا يقول "الشعب أقوى والتراجع مستحيل" ثم ركض بعضهم إلى شوارع جانبية لحماية أنفسهم من الغاز المسيل للدموع.

وفي وقت سابق بعد الظهر الأحد، استخدمت قوات الأمن كذلك القنابل المسيلة للدموع في محاولة لإبعاد متظاهرين عن القصر الجمهوري الذي تمكن بعض الشباب من تسلق أسواره.

وكان المحتجون يهتفون ضد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مرددين "الشعب يريد إسقاط البرهان".

وتمكن آلاف المتظاهرين في منطقة أم درمان (غرب العاصمة) من عبور أحد الجسور بعد أن فشلت قوات الأمن المتمركزة هناك في السيطرة عليهم، بحسب شهود ووسائل إعلام.

واثر انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الذي قاده البرهان وما تبعه من قمع للاحتجاجات أوقع 45 قتيلا ومئات الجرحى، تريد المنظمات التي أشعلت الانتفاضة ضد البشير أن تعيد تعبئة 45 مليون سوداني يعيشون في ظل تضخم بلغ 300 بالمئة، لكن هذه المرة ضد العسكريين.

وعشية هذه التظاهرات حذر رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي عزله البرهان وأقال حكومته قبل أن يعيده إلى منصبه الشهر الماضي ولكن من دون حكومته، من "انزلاق البلاد نحو الهاوية".

ولكن المتظاهرين لا يوافقون رئيس الوزراء الرأي. وقال متظاهر في بداية العشرينات كان يغطي كتفه بعلم السودان "خرجت لرفضي الاتفاق السياسي كله.. نريد حكومة مدنية وليس سبطة عسكرية". وقال شاب آخر "ثورتنا قامت من أجل سلطة مدنية كاملة وهذه هي مطالبنا".

ومنذ ساعات الصباح الأولى، أغلقت قوات الجيش والشرطة الجسور الرئيسية التي تربط وسط الخرطوم بمنطقتي أم درمان (غرب العاصمة) وبحري (شمال) لمنع المتظاهرين من الوصول إلى مقر القيادة العامة للجيش.

وشوهدت قوات من الجيش تضع كتلا اسمنتية على عدد من الجسور التي تربط وسط الخرطوم بأم درمان وبحري. كما تمركزت بجانب الجسور سيارات نصبت على بعضها مدافع رشاشة، وبجانبها جنود مسلحون.

وأغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط المدينة بسيارات مسلحة وأسلاك شائكة وحواجز أسمنتية. وأغلق شارع المطار، أهم شوارع المدينة، بسيارات عسكرية مسلحة.

وخلت شوارع وسط الخرطوم من المارة والسيارات باستثناء حركة محدودة وأقفلت المحلات التجارية أبوابها وانتشر جنود من شرطة مكافحة الشغب عند التقاطعات الرئيسية وهم يحملون قاذفات القنابل المسيلة للدموع.

وفي جنوب الخرطوم رفع المتظاهرون لافتات تدعو إلى "حصار قصر" البرهان وهتفوا "الشعب أقوى أقوى والردة مستحيلة".

ودعت لجان المقاومة بالأحياء السكنية وتجمع المهنيين السودانيين ( تحالف نقابي ) وتحالف الحرية والتغيير، الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، إلى تظاهرة في وسط الخرطوم تتجه نحو القصر الرئاسي للمطالبة بتنحي الجيش عن السلطة وتسليمها إلى المدنيين بمناسبة الذكرى الثالثة لـ"الثورة" على البشير.

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 وبعد أن ضاعف البشير المعزول دوليا سعر الخبز ثلاث مرات، خرج السودانيون إلى الشوارع يطالبون بإسقاط النظام ما اضطر الجيش إلى عزله بعدها بأربعة أشهر.

واختار السودانيون ذلك اليوم لأنه في التاريخ نفسه من العام 1955 حصل السودان على استقلاله بعد أن كان يخضع لحكم ثنائي بريطاني مصري.

وقال أشرف عبدالعزيز رئيس تحرير صحيفة "الجريدة" المستقلة إن "الانقلاب وضع عراقيل أمام التحول الديمقراطي وجعل العسكريين يسيطرون بصورة كاملة على السياسة والاقتصاد".

ولا أحد يعرف حصة الجيش في الاقتصاد السوداني ولكنه يسيطر على شركات عديدة تعمل في مجالات متنوعة من تربية الدواجن إلى الإنشاءات.

وأعاد الجيش رئيس الوزراء المدني عبدالله حمدوك ولكن من دون أعضاء حكومته. كما تعهد بإجراء انتخابات حرة في يوليو/تموز 2023، إلا أنه لم يتم بعد تشكيل حكومة جديدة بدلا من تلك التي حلها البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول.

وفي المقابل يجد أنصار الحكم المدني الديمقراطي الذين يتهمون حمدوك بـ"الخيانة" صعوبة في فرض أنفسهم على أرض الواقع، فقد كانوا منقسمين قبل الانقلاب ولا يزالون غير قادرين على الاتفاق.

ومع ذلك، يعتقد خالد عمر وزير رئاسة مجلس الوزراء السابق والقيادي في تحالف الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير أن "الانقلاب نكسة" في طريق التحول الديمقراطي، لكنه "فرصة لتصحيح النواقص التي شابت الصيغة السابقة" للحكم الانتقالي.

وفشلت الشراكة بين المدنيين والعسكريين، إذ كان يفترض أن يتولى المدنيون رئاسة مجلس السيادة لكن العسكريين استطاعوا أن يمددوا بالقوة وجود البرهان على رأس هذا المجلس عامين إضافيين.

وفي الوقت نفسه، لم يقدم أنصار الحكم المدني حتى الآن أي خطة عمل، وفق الدبلوماسيين الذين يلتقونهم بانتظام.

وأقر خالد عمر بذلك وقال "إذا لم يرتفع الفاعلون السياسيون الرئيسيون بمستوى أدائهم ولم تقم المؤسسة العسكرية بالنأي بنفسها عن السياسة، فإن كل السيناريوهات واردة".

ويحذر مراقبون من أن السيناريو الأسوأ قد يحدث في السودان حيث أوقعت النزاعات الداخلية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة مئات آلاف القتلى، خصوصا مع وجود خمسة ملايين قطعة سلاح في أيدي المدنيين، وفق الأرقام الرسمية.

وبالفعل قتل خلال الشهرين الأخيرين نحو 250 مدنيا في دارفور في صدامات بين رعاة مواش ومزارعين وهي نزاعات تتجدد كل عام في التوقيت نفسه وكان يفترض أن تتم تسويتها عبر اتفاق السلام الذي أبرمته الخرطوم مع حركات التمرد في الإقليم.

وأخفقت السلطات الانتقالية إذ كان يفترض أن تنتشر قوات محلية لمنع هذه الصدامات، إلا أنه لم يتم تشكيل هذه القوات أصلا "والأخطر الآن أن القبائل أصبحت تستعين بأفرادها في الحركات المسلحة والدعم السريع للقتال معها"، بحسب أشرف عبدالعزيز الذي قال إن النتيجة "انتشار السلاح بين أيدي المواطنين".