تيار المستقبل بين رهاني الفشل والنجاح
حين أعلن سعد الحريري عن انسحابه المؤقت من عالم السياسة رحب الكثيرون، لبنانيين وغير لبنانيين بتلك الخطوة معتبرين أن الرجل الذي ارتكب أخطاء كثيرة كان على صواب هذه المرة.
لم يكن الحريري مسؤولا عن فشل تيار المستقبل الذي يتزعمه ولا عن تعثر تحالف 14 آذار حسب، بل هو مسؤول أيضا عن جزء من الفشل الذي انتهت إليه الدولة اللبنانية إن كان رئيسا للحكومة أو كان عضوا قياديا في الطبقة السياسية الحاكمة.
لا يمكن القاء اللوم عليه بسبب أنه كان بطيئا فسبقته الأحداث ولا لكونه لا يملك برنامج عمل سياسي ولا لأن شعبيته في تراجع مستمر، بل لأنه أعتقد أن إرث ابيه اللامع سيكفي لمنحه مكانة سياسية ثابتة لا يمكن أن تتأثر بمتغيرات الوضع السياسي.
كانت لديه كل أسباب الزعامة غير أنه شخصيا لا يملك أن يكون زعيما. غير أن فشله لم يرتد عليه شخصيا، بل أصاب تياره السياسي بالشلل في الوقت الذي كان فيه الآخرون وكلهم معارضون يسعون إلى أن لا يخسروا أصواتهم التي سعت إلى قول الحقيقة والتحذير من قرب انهيار لبنان. ولقد انهار لبنان وبقي الحريري مصرا على عدم النظر إلى الواقع بعيني المعارض الصلب. كان منصب رئاسة الحكومة رهانه على تغيير وهمي فات أوانه ولم يعد وقوعه ليحدث أي تحول في مسار لبنان الذاهب إلى هاويته.
ليس صحيحا القول أن أي زعيم سني آخر يمكن أن ينتهي بالحكومة إلى الموقع الذي انتهى بها إليه سعد الحريري. غير أن هالة رفيق الحريري كانت قد أعمت الجميع فبدا التسليم بوجود الحريري الإبن في السلطة كما لو أنه نوع من رد الجميل والاجلال للحريري الأب.
اما حين تأسس تحالف 14 آذار عام 2005 فإن شعبية الحريري كانت في ذروتها وكان في إمكانه أن يتحول إلى رمز للمقاومة غير أنه أهدر بسبب كسله كل الفرص، بل أنه جر معه الآخرين إلى طريق مسدودة. ذلك ما دفع اللبنانيون ثمنه حين اجتاح حزب الله الحياة السياسية ليملأ الفراغ الذي سببه جمود تيار المستقبل وحيرة تحالف 14 آذار.
ألا يعني ذلك أن الحريري كان قد قدم من غير أن يدري خدمات جليلة إلى حزب الله من خلال تعطيل جزء من الحياة السياسية في لبنان؟ ما من أثر لتيار المستقبل في كل ما شهده لبنان من حراك سياسي في السنوات الأخيرة. كان ذلك الغياب الحزبي انعكاسا لغياب شخصية الزعيم الذي فضل أخيرا أن ينسحب من الحياة السياسية.
ولكن ما معنى أن يتمسك تيار المستقبل بزعيم مهزوم؟
أعتقد أن قيادات تيار المستقبل التي ترفض استبدال سعد بأخيه بهاء وهو رجل أعمال ناجح انما يعود إلى المصالح التي مثل سعد الحريري غطاء لها. كانت تلك هي المرحلة التي حكم فيها سعد الحريري. ليس المطلوب هنا أن نروج لما يُقال عن الفساد الذي استفاد من صفقاته المحيطون بالحريري أثناء سلطته التي لم تضع حدا لتمدد حزب الله داخل الدولة.
وكما يبدو فإن تيار المستقبل يفضل الإبقاء على حالة العجز التي يعيشها معارضو سلاح حزب الله. لذلك فإنهم يبالغون في ما يسمونه باندفاع بهاء الحريري ليكون ذلك سببا في رفضه بديلا لأخيه الذي وهب حزب الله ما لم يمكن أن يحصل عليه في الظروف العادية.
كان سعد الحريري وارثا سيئا. ورث تيار المستقبل الذي لم يكن طائفيا فهو لم يمثل السنة، بل كل القوى المعارضة للاحتلال السوري ومن ثم الإيراني وكان من الممكن أن يتسع ذلك التيار ليشمل كل التيارات السياسية المدنية لو أن رفيق الحريري لم يتم اغتياله.
لم يكن سعد الحريري بحجم ذلك الإرث.
ما انتهى إليه لبنان يكشف أنه كان دولة مفتوحة لغزوة حزب الله. لم يقف في وجهه أحد. لم يعرضه أحد للمساءلة. أين كان تيار المستقبل يوم قرر حزب الله احتلال بيروت؟ كان نائما بسبب نوم زعيمه. تلك ظاهرة يمكن أن تنتهي بتغيير الزعيم وهي مهنة تستند في لبنان إلى الوراثة. لذلك تتجه الأنظار إلى بهاء الحريري الذي تواجه زعامته رفضا من داخل تيار المستقبل.
إذا كان تيار المستقبل ضروريا من أجل استمرار النظام الطائفي في لبنان فإن زعامة سعد الحريري لم تعد ضرورية. فالرجل أعلن عن فشله. ماذا نحتاج أكثر؟