كيف يرى الشرق الأوسط الكبير الأزمة الأوكرانية الروسية
بينما ينتظر الجميع ساعة الصفر وانطلاق الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، خرج بوتين في تصريح مهدئ نوعا ما، قائلا بأن روسيا لا تسعى للحرب وتريد المضي في مسار الحوار من أجل حل الأزمة، الأمر الذي جعل كل التكهنات وكل المعلومات الاستخباراتية عن قرب الهجوم تسقط في الماء.
لقد تلاعب بوتين بالبورصة وسوق النفط وجميع من كان يراهن على دخول روسيا في مغامرة تكلفتها غالية خاصة وأن لائحة العقوبات التي لمحت لها أوروبا وأميركا ستكون أشد وقعا من قنبلة نووية.
إن تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية وصل مداه إلى الشرق الأوسط حيث تأثرت مؤشرات البورصة الخليجية بفعل الأخبار المتداولة نظرا لأن العالم أصبح قرية صغيرة فما يحدث في أقصى البقاع بإمكانه أن يؤثر في أصغر بقعة من العالم، ولا ننسى أن أوكرانيا وروسيا تعتبران موردا رئيسيا للقمح والسلاح لعدة دول عربية أبرزها مصر والجزائر، ولا ننسى أيضا أن روسيا لها زبائن من الشرق الأوسط يقتنون السلاح بشراهة، ومنهم من يتقاسمون معها حصصا في الأوبك+ ومن مصلحتهم أن تدخل روسيا الحرب أملا في استمرار ارتفاع النسق التصاعدي لأسعار الطاقة الشيء الذي سيعود بالنفع على مداخيلهم.
تعتبر ايران روسيا حليفا استراتيجيا، وهي وجدت من أزمة اوكرانيا فرصة كبيرة لزيادة أفاق تعاون أكثر مع روسيا من أجل فك الخناق المفروض عليها من قبل أميركا وحلفائها: إن إيران لا تزال تحلم بعودة المعسكر السوفياتي ولهذا هللت وطبلت لمشروع بوتين في غزو أوكرانيا وقدمت فروض الطاعة والولاء مع بداية الأزمة من خلال زيارة رئيسي الى موسكو، والذي ربما أراد أن يوجه رسالة إلى روسيا مفادها أن إيران وفي حالة ما إذا دخلت روسيا في الحرب فإن إيران لن تتوانى عن الدعم الاقتصادي من خلال زيادة التبادل التجاري والتأثير في السوق العالمية وحركة السفن عبر بحر العرب كاستهداف ناقلات نفط أو ما شابه وهذا ما من شأنه أن يحدث فوضى في السوق الدولية.
وترى السعودية والإمارات من الأزمة الأوكرانية، فرصة مناسبة للتقرب من إدارة بايدن، حيث أنها ستشارك في حرب أسواق النفط بما يصب في مصلحتها ومصلحة الناتو وأميركا كان بإمكانها أن تدرس إمكانية تعويض حصص روسيا في النفط والغاز للتخفيف من شدة الصدمة التي قد يحدثها وقف الإمدادات الى أوروبا بفعل العقوبات وبفعل ردة فعل روسية محتملة ضد الأوروبيين فيما يخص الطاقة.
أما سوريا فهي تخشى أن يسقط الدب الروسي تحت طائلة العقوبات خوفا من توقف دعم موسكو لدمشق، ومن الممكن أن توضع سوريا على طاولة المفاوضات في حالة ما إذا أراد الغرب أن يقايض روسيا بالملف السوري: تدرك دمشق أن الروس لا يتحركون في سوريا إلا من أجل مصالحهم، وتعلم علم اليقين أن روسيا إذا سقطت ستسقط سوريا تباعا لها، لأن النظام السوري ما كان ليستمر من دون دعم الروس ولن يستمر إذا تضرر الروس اقتصاديا وسيصبح بذلك الملف السوري بالنسبة لبوتين ملفا ثانويا يحتمل المقايضة.
إن روسيا ليست كما يظن بشار الأسد بأنها حليف لا يغير مواقفه، بل هي مستعدة للتخلي عن سوريا كما فعلت مع صدام حسين، الزبون الوفي الذي قدم مليارات الدولارات لخزائن الاتحاد السوفياتي ولكن موسكو تركته في عز حرب الخليج الثانية.
في منطق الإنسانية لا أحد يريد الحرب، لأنها بوابة الدمار والخسائر المادية والبشرية، ولكن في عالم السياسة، تعتبر مصائب الآخرين فوائد، كما أن الجميع يتخندق حسب مصالحه وحسب ما تمليه المصلحة.
لايزال الترقب مستمرا بالرغم من تصريحات بوتين المبشرة بالخير، لأن الثعلب الماكر من الممكن أن يوحي لك بشيء ويفعل نقيضه، ومن الممكن أن يكون حديث بوتين عن استبعاد الخيار العسكري مجرد تكتيك يهدف إلى كشف أوراق الأوروبيين ومعرفة أقصى ما يمكن أن يقدموه في حالة عدوله عن الحرب.