لا تراجع روسيًا ولا استسلام أوكرانيًا
كييف - لم تثن العقوبات الغربية على روسيا والتهديدات بالمزيد منها، موسكو عن مواصلة العملية العسكرية التي بدأت خاطفة ثم تمددت من شرق أوكرانيا إلى قلب العاصمة كييف ولا يبدو أن الروس سيتراجعون إلا بإسقاط وفق المؤشرات الحالية والبيانات الرسمية، بينما يبدي الأوكرانيون مقاومة شديدة في محاولة لمنع زحف القوات الروسية إلى العاصمة.
وقد تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس بمواصلة غزوه لأوكرانيا حتى في الوقت الذي اجتمع فيه الطرفان المتحاربان لإجراء جولة ثانية من المحادثات لوقف إطلاق النار، فيما ناشدت كييف توصيل إمدادات إغاثة إلى المدن التي تشهد دمارا بسبب القصف.
وأعرب بوتين الخميس عن عزمه مواصلة هجومه "بدون هوادة ضد القوميين" في أوكرانيا، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفق الكرملين.
وخلال هذا الاتصال، عبر الرئيس الروسي أيضا عن "عدم موافقته" على خطاب بشأن أوكرانيا ألقاه ماكرون في اليوم السابق، وهدد بأنه قد يوسّع قائمة مطالبه الطويلة أصلا من كييف خلال المحادثات، وفقا للمصدر نفسه.
ومن الجانب الفرنسي، أفاد الإليزيه بأن ماكرون يعتقد أن "الأسوأ لم يأت بعد" في أوكرانيا بعد محادثاته الهاتفية مع نظيره الروسي وأن الهدف من غزو أوكرانيا هو "السيطرة" على كل البلاد بحسب الاليزيه.
والخميس، توجّه الوفد الأوكراني لإجراء الجولة الثانية من المحادثات مع روسيا على الحدود البولندية البيلاروسية، وفق ما أعلن أحد أعضائه على تويتر، مشيرا إلى أن المفاوضات ستشمل السعي لفتح ممرات إنسانية.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس إن روسيا ستدفع كلفة الأضرار التي لحقت بأوكرانيا جراء الغزو وتعهد بـ"إعادة بناء كل مبنى" دمره القصف الروسي.
وقال في مقطع فيديو "سنعيد بناء كل مبنى، كل شارع، كل مدينة ونقول لروسيا: تعلموا كلمة إصلاحات"، مضيفا "ستدفعون لنا مقابل كل ما فعلتموه ضد دولتنا وضد كل أوكراني".
واتهم رئيس بلدية مدينة ماريوبول الأوكرانية الإستراتيجية الخميس القوات الروسية والقوات الموالية لها بالسعي إلى محاصرة المدينة ومنع عمليات الإجلاء وإمداد المدينة الساحلية.
وكتب فاديم بويتشنكو على تلغرام "لقد دمّروا الجسور ودمّروا القطارات لمنعنا من إخراج النساء والأطفال والمسنين. إنهم يمنعوننا من الحصول على الإمدادات. إنهم يسعون إلى فرض حصار، كما كانت الحال في لينينغراد" في إشارة إلى المدينة السوفييتية التي أصبحت تعرف اليوم بسانت بطرسبرغ والتي حاصرها النازيون.
وتابع "منذ سبعة أيام يدمرون عمدا البنى التحتية الحيوية للمدينة. ليس لدينا كهرباء ولا ماء ولا تدفئة. الجحافل العسكرية لفلاديمير بوتين تقصف المدينة ولا تسمح بإجلاء الجرحى ولا النساء ولا الأطفال".
وفي هذا الإطار، دعا منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث الخميس متوجّها إلى المتحاربين الأوكرانيين والروس إلى إتاحة الفرصة للمنظمة الدولية للقيام بعملها في أوكرانيا وحماية المدنيين.
وقال غريفيث "الآن بعدما توافرت لدينا الموارد للقيام بهذه المهمة، نحتاج إلى أن يسمح لنا أطراف النزاع بالقيام بذلك والوفاء بمسؤولياتهم بموجب القانون الإنساني الدولي"، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة جمعت حتى الآن خلال يومين وبفضل سخاء المانحين 1.5 مليار دولار من أصل 1.7 مليار طلبت كمساعدات طارئة، معربا عن "قلقه" فيما العنف "أصبح أكثر حدة" والقتال يتركز في المراكز الحضرية.
وقال "هناك انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي لأن هناك هجمات على البنية التحتية المدنية وهو أمر يحظره القانون، كما أن العاملين في المجال الإنساني يواجهون مشكلات لوجستية تحول دون تقديمهم المساعدة".
وقالت سيدة تقيم في ماريوبول الميناء الأوكراني الرئيسي على بحر أزوف إن الوضع "يتدهور من ساعة إلى أخرى". وأوضحت مارينا (28 عاما) أن وسط المدينة تعرض للقصف.
وإذا سيطر الجيش الروسي على ماريوبول، سيؤمن اتصالا ميدانيا بين قواته القادمة من شبه جزيرة القرم وتلك القادمة من المناطق الانفصالية في الشمال الشرقي.
وفي شمال البلاد، تعرضت خاركيف، ثاني مدينة في البلاد والقريبة من الحدود الروسية وسبق أن طالتها النيران الثلاثاء والأربعاء، لقصف طوال الليل بحسب السلطات المحلية.
وأعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مساء الأربعاء مقتل عضو أوكراني من بعثتها المحلية خلال "قصف" خاركيف في اليوم السابق.
وأوقع قصف روسي على إزيوم على بعد 120 كلم جنوب شرق خاركيف، ثمانية قتلى بينهم طفلان بحسب السلطات المحلية.
وكانت القوات الروسية موجودة أيضا في مدينتي تشيرنيهيف ونيزهن على بعد حوالي 150 كلم شمال شرق وشرق كييف وكذلك سومي واوختيركا على بعد 350 كلم شرق العاصمة بحسب الأوكرانيين مضيفة أنها تحاول "تجنب المعارك مع القوات المسلحة الأوكرانية".
وسقط تسعة قتلى في ضربة روسية على مدرستين ومساكن في تشيرنيهيف كما أعلن حاكم المنطقة. وفي كييف، سُمع دوي بضعة انفجارات ليل الأربعاء الخميس كما أفادت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وتوجه آلاف الأشخاص إلى مترو الأنفاق الذي تحول إلى ملجأ.
والخميس، اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة قرارا يدعو روسيا إلى "الوقف الفوري لتحركاتها ضد المواقع النووية الأوكرانية" المهدَّدة بالحرب المستعرة.
ويستنكر القرار الغزو الروسي معتبرا أنه "يشكل تهديدا خطيرا ومباشرا لأمن" هذه الأماكن وموظفيها مع "خطر وقوع حادث أو حادث نووي من شأنه أن يعرض للخطر سكان أوكرانيا والدول المجاورة والمجتمع الدولي".
وتملك أوكرانيا 15 مفاعلا نوويا في أربع محطات للطاقة والكثير من المواقع الأخرى. وسقط موقع تشيرنوبيل الذي حصلت فيه أسوأ كارثة نووية في التاريخ عام 1986، بين أيدي القوات الروسية الأسبوع الماضي.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذرت الاثنين من أن القوات الروسية تقترب أيضا من ستة مفاعلات في زابورييا (شرق) أكبر محطة كهرباء في أوكرانيا.
وأثار القصف الجوي الروسي لمدن أوكرانية والذي أوقع قتلى، استياء كبيرا في العالم. ونظمت تظاهرات ضد الحرب وللتضامن مع أوكرانيا، بسبب القصف ونزوح أوكرانيين خارج البلاد وخصوصا إلى بولندا والمجر ورومانيا ومولدافيا وعددهم أكثر من مليون شخص بحسب آخر أرقام مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين.
وبدت عزلة روسيا في هذا النزاع واضحة الأربعاء مع اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا "يطالب روسيا بالكف فورا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا". ومن أصل 193 دولة عضوا في المنظمة الدولية، عارضت خمس فقط النص وامتنعت 35 أخرى بينها الصين، عن التصويت.
وتتابع المحكمة الجنائية الدولية الأعمال التي تقوم بها روسيا على الأراضي الأوكرانية بدقة. وقد أعلن مدعي عام المحكمة البريطاني كريم خان مساء الأربعاء "فتح تحقيق فورا" في جرائم حرب.
وتزداد العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب على موسكو شدة. وأكد الاتحاد الأوروبي أن سبعة مصارف روسية ستكون اعتبارا من 12 مارس/اذار مستبعدة عن نظام سويفت المالي الدولي فيما قطع البنك الدولي كل برامج المساعدة لروسيا وبيلاروس.
وخفضت وكالتا التصنيف الائتماني فيتش وموديز تصنيف روسيا التي أصبحت في فئة البلدان المعرضة لخطر عدم القدرة على سداد ديونها، في سياق غزو أوكرانيا.
وبعدما خسر أكثر من ثلث قيمته بالعملات الأجنبية، تدهور الروبل مجددا بأكثر من 11 بالمئة صباح الخميس. وبات البنك المركزي الروسي يفرض الآن 30 بالمئة عمولة على كل مشتريات العملات الصعبة.