ألمانيا تحذّر من صدمات في إمدادات الطاقة وانهيار اقتصادي

تشخيص وزير الاقتصاد الألماني لتبعات حظر محتمل على النفط الروسي على الاقتصاد الأوروبي تبدو أكثر واقعية في خضم حماسة مفرطة يبديها الرئيس الفرنسي وقادة آخرون للعقوبات على روسيا، فالأوروبيون هم الأكثر تضررا لارتباطهم المفرط على إمدادات الطاقة من روسيا.
شِل تعلن نيّتها الانسحاب من مشاريع النفط والغاز الروسيين بسبب الحرب في أوكرانيا
ارتفاع أسعار الخام وسط مخاوف من فرض عقوبات على النفط الروسي
روسيا تحذّر من بلوغ أسعار النفط 300 دولار إذا فرضت واشنطن حظرا على نفطها

برلين/لندن - حذر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك اليوم الثلاثاء من انهيار اقتصادي حاد في حال فرض حظر على واردات النفط والغاز من روسيا وهو الإجراء الذي تناقشه الولايات المتحدة مع شركائها الأوروبيين، مضيفا في تصريحات لمحطة "آر تي إل" التليفزيونية الألمانية "سنتحدث بعد ذلك (عقب تطبيق مثل هذا الحظر) عن أزمة اقتصادية خطيرة في ألمانيا وبالتالي في أوروبا".

وذكر الوزير الألماني أن كل من يطالب بالاستغناء عن النفط والغاز الروسي يجب أن يكون واضحا لهم الآتي "لن نتحدث حينها عن قفزات في الأسعار، لكن عن ارتفاع دائم لأسعار الوقود الأحفوري"، مضيفا أنه ينبغي أن نكون واضحين بشأن الثمن الذي سندفعه جراء اتخاذ مثل هذه الخطوة.

وأوضح أن الأمر حينها لن يتعلق بإطفاء الأنوار في وقت مبكر من الليل، الأمر حينها سيدور حول انهيارات في الشركات وبطالة"، مضيفا أن هناك من يمكنه القول إن السلام يستحق كل هذا العناء.

وتصريحات الوزير الألماني هي الأكثر واقعية في خضم حماسة مفرطة من الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون وعدد من قادة أوروبا، حيث أن أكثر المتضررين من حظر محتمل على النفط الروسي هم الأوروبيون بدرجة أولى لارتباطهم المفرط على امدادات الطاقة من روسيا.

والمؤشرات كلها تجمع على أن ارتدادات قرار الحظر المحتمل سيصيب الاقتصاد الأوروبي بالركود وسيدفع التضخم إلى معدل قياسي لن تقوى معه كل الجهود المبذولة على وقف زحف أسوأ أزمة على الاطلاق.

وفي المقابل يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر ثباتا في قراراته ومدرك تماما أن العقوبات التي ستفرض على بلاده سيدفع الطرف الآخر أي الأوروبيون تحديدا فاتورة باهظة ربما تكون أشدّ وطأة من تلك التي ستدفعها موسكو.  

وتابع "لكن بعد ذلك عليك المثابرة. نحن لا نتحدث عن ثلاثة أيام ولا نتحدث عن ثلاثة أسابيع، لكن سأقول ذلك الآن عن ثلاث سنوات".

وذكر هابيك أن إعلان الولايات المتحدة عن وقف محتمل لواردات النفط الروسي وحده أدى إلى ارتفاع سعر النفط بنسبة 50 بالمئة أمس الاثنين.

وفي الواقع ارتفع سعر برميل برنت بحر الشمال (159 لترا) بنسبة 18 بالمئة في التعاملات المبكرة إلى أكثر من 139 دولار، ليقترب بذلك من المستوى القياسي الذي يقل قليلا عن 150 دولار والذي تم تسجيله في صيف العام 2008.

واستبعد هابيك فرض حظر في أوروبا وألمانيا لواردارت النفط من روسيا على غرار ما نوقش في الولايات المتحدة، موضحا أن هذا أيضا لم يكن متوقعا أو مطلوبا من واشنطن "لأنه بذلك يرتفع خطر ترنح الاقتصاد الأوروبي ومعاناته من ركود حاد وبذلك لن نتمكن بعد الآن من مواصلة العقوبات الأخرى".

وأشار إلى أن الولايات المتحدة دولة مصدرة للنفط وتشكل حصة وارداتها من النفط الروسي 5.7 بالمئة فقط، بينما تبلغ حصة واردات ألمانيا لوحدها 35 بالمئة وقال "هذا يعني أن الوضع غير قابل للمقارنة. الأميركان يعرفون ذلك أيضا".

وارتفعت أسعار النفط اليوم الثلاثاء مع صعود خام برنت متجاوزا 127 دولارا للبرميل إذ أثار احتمال فرض عقوبات أميركية رسمية على صادرات النفط الروسية مخاوف بشأن المعروض.

وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم مايو/أيار 3.56 دولار أو 2.9 بالمئة إلى 126.77 دولار للبرميل بحلول الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش.

كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسليم أبريل/نيسان 3.12 دولار أو 2.6 بالمئة إلى 122.52 دولار للبرميل.

وزادت الأسعار بعد أن قالت مصادر إن الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، ربما تحظر واردات النفط الروسية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير/شباط. وقالت المصادر إن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة دون مشاركة الحلفاء الأوروبيين.

أعلنت شركة 'شل' البريطانية العملاقة للنفط الثلاثاء نيّتها الانسحاب من مشاريع النفط والغاز الروسيين "تدريجيا، تماشيا مع التوجيهات الجديدة للحكومة البريطانية" في ردها على الغزو الروسي لأوكرانيا.

وهذه الخطوة هي الأحدث بالنسبة لشركة نفط عملاقة تعلن انسحابها أو عزمها الانسحاب وتعليق ارتباطاتها في مشاريع النفط والغاز الروسيين على ما تنطوي عليه من مخاطر وتداعيات على الاقتصاد العالمي.

كما تأتي هذه الخطوة بينما تتصاعد المخاوف في الأسواق العالمية من هزة عنيفة في أسعار الطاقة وإمدادات الغذاء، حيث تسجل الأسعار عموما قفزات جنونية وسط ارتباك في سلاسل الإمدادات وضبابية تتعلق بالبدائل في حال القطع مع النفط والغذاء الروسيين.   

وقالت الشركة العملاقة ومقرها هيوستن في الولايات المتحدة وهي تابعة لشركة النفط رويال داتش شل متعدد الجنسيات ذات الأصول البريطانية الهولندية ومن بين أكبر شركات النفط في العالم، في بيان "كخطوة أولى فورية، ستوقف المجموعة كل عمليات الشراء في سوق النفط الخام الروسي وستغلق محطاتها ونشاطاتها المرتبطة بوقود الطيران وزيوت التشحيم في روسيا".

وقال الرئيس التنفيذي للشركة بن فان بيردن "استندت إجراءاتنا حتى الآن إلى المناقشات الجارية مع الحكومات حول الحاجة إلى فصل الشركة عن تدفق الطاقة الروسية وفي الوقت نفسه الحفاظ على إمدادات الطاقة".

وأشار إلى أن شركة النفط والغاز العملاقة "تغير سلسلة إمدادها بالنفط الخام للاستغناء عن الكميات التي تحصل عليها الشركة من روسيا"، لكنه حذّر من أنه نظرا إلى "الموقع المادي وتوافر بدائل" فإن هذا الجهد "قد يستغرق أسابيع"، مؤكدا أنه "تحد معقد" سيتطلب "إجراءات منسقة بين الحكومات وموردي الطاقة والمستهلكين".

وتابع "هذه التغييرات تبرز معضلة الضغط على الحكومة الروسية بسبب الفظائع التي ترتكبها في أوكرانيا وضمان إمداد مستقر وآمن للطاقة في كل أنحاء أوروبا. في نهاية المطاف، الأمر متروك للحكومات لاتخاذ قرار بشأن هذه التسوية الصعبة جدا".

وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أمس الاثنين إن أسعار النفط ربما تتجاوز 300 دولار للبرميل إذا حظرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استيراد النفط من روسيا.

كما أدت المخاوف من احتمال رد روسي على العقوبات المفروضة بالفعل بوقف صادرات الطاقة إلى ارتفاع الأسعار.

ورفع بنك غولدمان ساكس توقعاته لسعر خام برنت لعام 2022 إلى 135 دولارا للبرميل من 98 دولارا، وتوقعاته لعام 2023 إلى 115 دولارا للبرميل من 105 دولارات، نظرا لأن الاقتصاد العالمي ربما يواجه "أكبر صدمات في إمدادات الطاقة على الإطلاق"، بالنظر إلى الدور الرئيسي لروسيا.

كما كان من أسباب ارتفاع الأسعار التباطؤ الواضح في المحادثات مع إيران حول برنامجها النووي والتي ستنهي العقوبات المفروضة على مبيعاتها النفطية. وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي في المحادثات إن الأمر متروك لإيران والولايات المتحدة لاتخاذ قرارات سياسية للتوصل إلى اتفاق. وعلاوة على ذلك، ربما يستغرق تدفق النفط الإيراني شهورا بعد الاتفاق النووي.

وقال بنك يو.بي.إس السويسري اليوم الثلاثاء إنه حتى إذا خففت إيران من شح المعروض الحالي من النفط باستخدام المخزون العائم، فإن "الانخفاض في الطاقة الاحتياطية المجانية واحتياطيات النفط الإستراتيجية من المرجح أن يُبقي مستثمري الطاقة في حالة من عدم الارتياح والأسعار عند مستويات مرتفعة".