حماس تكابد في مواجهة اقتصاد متعثر وبطء في إعادة إعمار غزة
غزة (الأراضي الفلسطينية) - تكابد حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ العام 2007 لإنعاش اقتصاد القطاع المتعثر وإعادة اعماره بعد نحو عام من التصعيد الأخير بينها وبين إسرائيل، فيما تخيم يزداد الخناق ضيقا على أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين إسرائيليا داخل القطاع ويواجهون في الوقت ذاته حكما متشددا في أغلبه من الحركة الإسلامية.
وإعادة إعمار ما دُمّر خلال 11 يوما من التصعيد العسكري مع إسرائيل ليس بالأمر الهيّن بينما تجد حماس نفسها أمام خيارين إما التهدئة أو المواجهة.
في تمام السادسة من مساء العاشر من مايو/ايار 2021، أطلقت حركتا حماس والجهاد الإسلامي مئات الصواريخ في اتجاه إسرائيل وذلك في أعقاب تهديد أطلقه الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، طلب فيه "سحب" عناصر الشرطة الإسرائيلية من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح بالقدس.
وسبق ذلك خوض الفلسطينيين عدة أسابيع من الصدامات مع الشرطة الإسرائيلية في القدس الشرقية بسبب تهديد إسرائيلي بطرد عدة عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح في المدينة، ثم انتقل التوتر إلى باحات المسجد الأقصى وخلف عدة مئات من الإصابات في صفوف الفلسطينيين.
وطوال 11 يوما من المواجهة العسكرية التي تعتبر الأعنف منذ سنوات، قتل 260 فلسطينيا، بينهم 66 طفلا ومقاتلون، وفي الجانب الإسرائيلي قتل 14 شخصا بينهم طفل وفتاة وجندي.
وقال الجيش الإسرائيلي إن منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ اعترضت نحو 90 بالمئة من صواريخ حماس والجهاد التي أطلقت في اتجاه تل أبيب.
وامتدت المواجهة إلى داخل إسرائيل حيث اندلعت أعمال شغب في المدن المختلطة التي يقطنها يهود وعرب، بالإضافة إلى مواجهات في الضفة الغربية المحتلة.
وخلال الحرب دمرت إسرائيل 1600 منزل فلسطيني في قطاع غزة بشكل كلي، فيما تضرر بشكل كبير أو جزئي أكثر من ستين ألف منزل آخر في القطاع الذي تفرض عليه إسرائيل حصارا مشددا منذ أكثر من خمسة عشر عاما.
وبعد دخول اتفاق التهدئة الذي توصلت إليه إسرائيل وحماس بوساطة مصر وآخرين حيز التنفيذ، تعهد الرئيس المصري بدفع 500 مليون دولار ومثلهما قطر بهدف إعادة إعمار قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 360 كيلومترا.
لكن عملية إعادة البناء لا تزال تسير بشكل بطيء، بحسب ناجي سرحان وكيل وزارة الإسكان والأشغال العامة في قطاع غزة الذي تديره حماس، عازيا ذلك إلى "أسباب سياسية ومالية" بدون تقديم المزيد من التفاصيل، لكنه قال إن المنحة المصرية "تسير بشكل جيد".
واشار إلى أن "الأولوية لدينا في توزيع شقق المنحة المصرية ستكون لمن هدمت منازلهم خلال الحرب الأخيرة وذوي الدخل المحدود وعائلات فقيرة".
وتبني مصر حاليا في شمال ووسط القطاع ثلاث مدن سكنية تضم نحو ألفي وحدة سكنية. ويتوقع وكيل الوزارة "الانتهاء من إعادة إعمار 500 منزل منتصف هذا العام، وهو ثلث العدد الإجمالي للمنازل المهدمة".
ويعيش في القطاع 2.3 مليون فلسطيني نحو ثلثيهم من اللاجئين الفقراء. وتتولى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) الإشراف على إعادة ترميم وبناء منازل اللاجئين المتضررين في القطاع.
ووفقا للناطق باسم الوكالة في غزة عدنان أبوحسنة فإنها انتهت من ملف الأضرار الجزئية تماما ويضم هذا الملف 7000 منزل تعرضت لاضرار إما بسيطة أو متوسطة أو جسيمة".
وتعمل إسرائيل على تخفيف التوتر على حدودها مع قطاع غزة عبر جملة من التسهيلات الاقتصادية وزيادة عدد العمال الغزيين العاملين فيها وخصوصا أن نسبة البطالة في القطاع تتجاوز 50 بالمئة.
وفي الشهر الماضي زادت إسرائيل عدد تصاريح العمل التي تعطيها لعمال من القطاع إلى 12 ألفا وخصصت معظمها للعاملين في قطاعي الزراعة والبناء داخل الأراضي التي تحتلها منذ 1948.
وسبق أن أعلنت مصادر في حماس أنها أبلغت عن طريق وسطاء مصريين وقطريين عزم إسرائيل على رفع حصة عمال قطاع غزة من التصاريح إلى 20 ألفا بواقع 8 آلاف تصريح جديد وذلك بفعل "الاستقرار الأمني" الذي يسود المنطقة.
وبالنسبة لخبير شؤون الشرق الأوسط في معهد هربرت سي كيلمان عوفر زالزبيرغ فإن "قادة حماس خارج غزة مثل صالح العاروري (نائب رئيس الحركة)، يفكرون بطريقة أيديولوجية ويعتقدون أن الإستراتيجية يجب ألا تركز على غزة".
أما أستاذ العلوم السياسية في غزة جمال الفاضي فيرى أن أمام حماس "تحديات كبيرة تتمثل في التهدئة والمقاومة"، مضيفا أن من بين التحديات أيضا "اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والتوتر في الضفة الغربية والقدس وفي الوقت نفسه هل ستختار حماس الهدوء مقابل تحسين الاقتصاد الذي يواجه صعوبات جمة" في القطاع.
واقتصاديا، يؤكد الخبير الاقتصادي الفلسطيني عمر شعبان أن "الاحتلال سيراقب منع انفجار الأوضاع في غزة من خلال بعض التسهيلات الاقتصادية وزيادة عدد العمال"، مرجحا أن تبقى عملية الإعمار في غزة "بطيئة ما لم يتم التوصل إلى مسار سياسي واستقرار أمني". وهذا "يقتضي مصالحة فلسطينية فلسطينية لأن العالم ملّ من إعادة إعمار ما يتم تدميره في كل مرة قبل أن تندلع مواجهة جديدة".