ملامح من "التضامن الأعمى" في إضراب القضاة التونسيين

ظاهرة تنخر المرفق القضائي مثلما تفشت في قطاعات تونسية أخرى خلال العشرية الأخيرة.
تونس

ينحى العديد من المتابعين باللائمة على القضاة المنخرطين في الإضراب المقرر تنفيذه بدءا من الإثنين، معتبرين أنه يدخل في باب التضامن المهني "الاعمى" لا غير ولا يمكن أن يرتقي بالمرفق القضائي الذي يعاني من اختراقات كثيرة بات يعلمها الكثير من التونسيين.
وصوّت السبت، أغلب الحاضرين في المجلس الوطني الطارئ لجمعية القضاة التونسيين بالموافقة على مبدأ الدخول في إضراب بداية من الاثنين في كافة المرافق القضائية طيلة أسبوع قابل للتجديد.
كما قرر المجتمعون الدخول في اعتصامات مفتوحة في كل مقرات الهياكل النقابية القضائية وعدم الترشح للمناصب القضائية لتعويض المعزولين بالإضافة إلى عدم الترشح للمناصب في الهيئات الفرعية التابعة لهيئة الانتخابات.
وذكر بيان الإضراب الذي شارك في اتخاذ قراره كل الهياكل النقابية القضائية من نقابة وجمعية وقضاة شبان وقضاة إداريين، ان الإضراب يستثني الأذون بالدفن وقضايا الإرهاب شديدة التأكد.

وثار جدل واسع في تونس إثر قرار الرئيس قيس سيعّد عزل 57 قاضيا اتهمهم بـ"الفساد والتواطؤ والتستر على متهمين في قضايا إرهاب وتعطيل العدالة".
وقالت وزارة العدل في تقرير ان 13 قاضيا من بين الـ57 الذين تم عزلهم "ثبت تورطهم في تفخيخ مفاصل القضاء ووقع توظيفهم في السنوات الأخيرة سياسيا للاستيلاء على محاضر أبحاث خطيرة متصلة بقضايا الاغتيالات والإرهاب وحتى الإجرام الاجتماعي وتدليسها وإخفائها وعدم إضافتها لملفات القضايا الخاصة بها والتفريط في محجوز وآلات جريمة والتخابر مع إرهابيين والتسبب في قتل أعوان حرس اخترقوا الجماعات الإرهابية، أي تورطوا في جرائم كبرى ترتقي إلى جنايات موجبة للإيقاف منذ مدة".
ويقول المحامي صلاح الدين الحجري إنه "تمت إحالة التقرير المذكور على النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتونس منذ مدة ويتم التستر عليه لمساعدة القضاة المذكورين على الإفلات من العقاب والمحاسبة".
ويتساءل محللون عن المغزى من تنظيم الإضراب في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها تونس تزامنا مع انطلاق أولى جلسات الحوار الوطني. واستدرك بعضهم أن إضراب القضاة لا يمكن أن يشوش على الحوار الوطني ولن يربك المتحاورين لأن البلاد عرفت أزمات مماثلة عندما نظم القضاة إضرابات عامة في مناسبات عديدة، أبرزها إضراب تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 والذي استمر أكثر من شهر واثار استياء التونسيين.

الإضراب سيعطل مصالح المتقاضين خاصة مع اقتراب الموعد السنوي للعطلة القضائية 

ويقول المحلل السياسي ماهر الصغير لميدل إيست أونلاين "إن أقصى ما يمكن أن ينجر عن الإضراب هو تعطيل مصالح المواطنين وملفات المتقاضين خاصة وأننا نقترب من موعد العطلة القضائية" التي تنطلق سنويا يوم 16 يوليو/تموز لتتواصل إلى 15 أيلول/سبتمبر.
كما أشار إلى أن تونس باتت تعاني اليوم من ظاهرة "التضامن المهني الأعمى والمطلق" بكل ما تنطوي عليه من سلبيات، أي تطبيق قاعدة "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". وهذا في اعتقاده أمر خطير "خاصة إذا تعلق الأمر بالقضاة المفترض فيهم التحلي بالنزاهة والموضوعية والتجرد من العواطف".
ونشرت بسمة الخلفاوي أرملة القيادي اليساري شكري بلعيد الذي اغتيل بالرصاص في فبراير 2013، تدوينة على موقع فيسبوك قائلة "ظهرت مظاهر الفساد والإفساد في جميع المجالات وأهمها هيمنة النهضة على القضاء والتغطية على كل جرائمها الأمنية والاقتصادية".
وتساءلت الخلفاوي بتهكم "محاسبة القضاة تهدد الديمقراطية في تونس في حين أن عبثهم بالإجراءات وخرق القوانين والتجاهر بذلك على المنابر الإعلامية واستعمال الحيل والخزعبلات لإخفاء حقائق قانونية وتبديل بعضها وتلفيق التهم ومشاركة بعض القضاة في تشويه والمس من أعراض الناس لا يمس الديمقراطية في شيء"؟

وخلال اجتماع السبت، قال رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي إن "الجمعية تمد يدها لكل القضاة باستثناء أولئك الخونة الذين غدروا بزملائهم".
وأعلن يوسف بوزاخر، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء التونسي المنحل أنه "ستتم مقاضاة قرارات الرئيس قيس سعيد".
وكان الرئيس التونسي قرر في 6 شباط/ فبراير الماضي، حل المجلس الأعلى للقضاء، معتبرا أن "المجلس أصبح من الماضي"، متهما إياه بالفساد وداعيا إلى ضرورة إصلاح المنظومة القضائية.
ويُعتبر بوزاخر أحد أبرز القضاة المعفيين مع تناقل روايات تتحدث عن تواطئه مع بعض الأحزاب خاصة حركة النهضة الإسلامية. كما يُتهم إلى جانب آخرين بإخفاء أدلة تدين إرهابيين ومحاولة اخفاء ملف الجهاز السري التابع لحركة النهضة والمتورط في الإرهاب والاغتيالات حسب اتهامات لجنة الدفاع عن بلعيد والبراهمي.
 

89 بالمئة من التونسيين لا يثقون في قضاء بلادهم

ويعتقد متابعون لتطورات المشهد التونسي أن معركة سعيّد ضد القضاء ستكون الأشرس والأشد تعقيدا نظرا لتشعب الفساد داخل الجهاز القضائي منذ أن وضع القيادي النهضوي نور الدين البحيري يده على القضاء عندما تولى منصب وزير العدل بعد انتخابات 2011.
وفي أواخر يونيو/ حزيران 2021 أعلنت عضو لجنة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، ايمان قزارة أن تقرير لوزارة العدل جرت محاولات لإخفائه، كشف عن وجود 6268 محضرا جزائيا في قضايا إرهابية لدى النائب العام السابق، القاضي البشير العكرمي (المشمول بقرار الإعفاء الأخير) غير منجزة و1361 محضرا تم التخلي عنه للقطب القضائي لمكافحة الإرهاب لم يتم تسجيله رسميا وبعض القضايا تعود إلى سنة 2016.
وكشفت نتائج الاستشارة الوطنية التي نظمتها رئاسة الجمهورية في كانون الثاني/يناير الماضي أن 89 بالمئة من التونسيين ليست لديهم ثقة في القضاء، الأمر الذي اعتبره الكثير مؤشرا خطيرا يستهدف قيم المجتمع ومدى إيمانه بالعدالة.