حملة تطهير داخل الحرس الثوري بعد إقالة طائب
لندن - لم تكن التغييرات في الحرس الثوري الإيراني والتي شملت إعفاء مدير المخابرات حسين طائب من منصبه بعد أن قضى فيه 12 عاما، محاولة لضخ دماء جديدة في الجهاز الذي يعتبر اليد الطولى للنظام الديني وحامي "الثورة الإسلامية"، بقدر ما كان تدشينا لحملة تطهير لسبب يبدو قويا وخطيرا.
وذهبت معظم التقديرات إلى ربط إقالة طائي الذي لعب دورا محوريا في تهدئة التوتر داخل البيت الشيعي العراقي والذي زار دمشق مرارا في سياق ترتيبات سياسية وأمنية، بوجود اختراق في الحرس الثوري وهو أمر قد يكون وراء نجاح عمليات اغتيال عدد من الضباط بينهم العقيد خدائي الذي قتل بالرصاص في سيارته وآخرون لم يكشف عنهم أو جرى اعتبار الوفاة نتيجة لحادث على غرار رواية رسمية عن سبب وفاة ضابط برتبة عقيد قيل إنه سقط من شرفة منزله.
وثمة تقديرات أخرى تشير إلى وجود علاقة بين إقالة طائب واعتقال تركيا لشبكة عملاء بينهم 8 إيرانيين كانوا يخططون لتنفيذ عمليات ضد رعايا إسرائيليين في مدن تركية أبرزها اسطنبول.
وفي الحالتين تبدو تلك التقديرات منطقية وتشير في الوقت ذاته إلى أن هناك حالة ارتباك داخل الحرس الثوري الإيراني وأن الإخفاق في حماية ضباطه هزّ صورته كأقوى جهاز أمني وعسكري يكاد يكون دولة داخل الدولة.
ويشير تحقيق نشرته صحيفة 'التلغراف' البريطانية إلى أن السلطات الإيرانية دشنت في الفترة الأخيرة حملة تطهير داخل الحرس الثوري وسط مخاوف من اختراقات إسرائيلية.
وقد ذكر التحقيق نقلا عن مصادر قال إنها موثوقة، أن جنرالا في الحرس الثوري اعتقل مؤخرا وذلك بعد إقالة رئيس جهاز الاستخبارات حسين طائب.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى سلسلة أحداث يبدو أنها هزّت الحرس الثوري من الداخل ومنها نجاح الاغتيالات التي طالت ضباطا وعالمين نوويين إيرانيين في السنوات الأخيرة نسبتها طهران لإسرائيل إضافة إلى نجاح الأجهزة الإسرائيلية في قرصنة ونشر وثائق إيرانية مهمة تتعلق ببرنامج إيران النووي.
ولأول مرة تفشل المخابرات التابعة للحرس الثوري في تنفيذ مهام خارجية ومنها تلك التي كشفت أنقرة عن جزء يسير منها بإعلانها اعتقال شبكة عملاء إيرانيين بعد تحذيرات إسرائيلية من مخطط لخطف أو اغتيال رعايا إسرائيليين.
وثمة ملف آخر لم يطرح في سياق التخمينات حول إقالة طائب وحملة التطهير التي أعقبت إعفاءه من منصبه، فالرجل كان ممسكا بملف الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق والتي يقال إن بعضها خرج من "بيت الطاعة" وصار يتصرف دون الرجوع لطهران وذلك منذ اغتيال واشنطن في مطلع يناير/كانون الثاني 2020 قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني وأبومهدي المهندس رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي الذي يضم الميليشيات العراقية الموالية لإيران.
ولم تشر الصحيفة البريطانية إلى هذا الملف كونه ليس سببا رئيسا في إعفاء طائب أو حملة التطهير التي بدأت بعد قرار الإقالة، لكنها نقلت عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إن المعلومات التي نشرتها إسرائيل أحدثت صدمة للإيرانيين وكانت "بمثابة صفعة على الوجه للحرس الثوري".
وذكرت كذلك نقلا عن مسؤولين إسرائيليين أن سلسلة الأحداث ومنها إحباط مخطط خطف أو اغتيال رعايا إسرائيليين في تركيا، هي جزء من "تكتيك جديد أطلق عليه عقيدة الأخطبوط" ويهدف أساسا لتقويض المخابرات الإيرانية.
وبحسب المصادر ذاتها فإن العقيدة الإسرائيلية الجديدة تعتبر القيادة الإيرانية "رأس الأخطبوط" وتعتبر وكلاءها في المنطقة التي تنتشر في لبنان وسوريا على وجه الخصوص، أذرعها.
ورأت صحيفة 'التلغراف' أن إسرائيل انتقلت على ما يظهر من ضرب الأذرع إلى استهداف "الرأس" مباشرة، معتبرة أيضا أن استبدال طائب برئيس وحدة الحماية السابق في الحرس الثوري محمد كاظمي إشارة إلى مخاوف طهران من تهديد يهز استخبارات الحرس الثوري.
ونقلت 'التلغراف' عن مور جيلبرت المختصة في الشؤون الإيرانية قوله إن إقالة حسين طائب بعد 12 عاما من توليه إدارة مخابرات الحرس الثوري، ترجع إلى عجز أو عدم قدرته على منع إسرائيل من العمل داخل الحدود الإيرانية.
وحرص قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي في إعلان إقالة طائب على منحه منصبا فخريا حين عيّنه مستشاره الخاص وهي محاولة للفت الانتباه عن سبب الإقالة التي أوردها على أنها استبدال لحسين طائب بمحمد كاظمي.
ويسعى الحرس الثوري على إبقاء صورته على الأقل في أذهان الإيرانيين على أنه السدّ المنيع وصمام الأمان بالنسبة لإيران خاصة بعد أن كسر الإيرانيون حاجز الخوف من آلة القمع السلطوي وتجاوزهم ما كان في وقت ما خطا أحمر حين هتفوا في أكثر من احتجاج بالموت لخامنئي مرشد الثورة فسقطت هالة القداسة التي كان يحيط بها نفسه واتهمه المحتجون بالفساد.
ويدير خامنئي والحرس الثوري إمبراطورية اقتصادية ضخمة كونها خلال فترة العقوبات التي فرضتها دول غربية والأمم المتحدة على إيران قبل الاتفاق النووي للعام 2015، بينما يئن الإيرانيون تحت وطأة الفقر وغلاء المعيشة.