إبراهيم بريمو يقبض على القلق وينخرط في المسافات
بعد إنقطاع طويل دام عقدين من الزمن تقريباً عاد التشكيلي إبراهيم بريمو إلى الساحة الفنية، ولكن هذه المرة بلغة مغايرة تماماً.
ولعل سبب غيابه يعود إلى أمرين كما يقول في أحد أحاديثه، الأول كونه إتجه إلى التصميم الإعلاني وغرق فيه، والثاني كون الساحة التشكيلية السورية كانت ممتلئة بالكثير من اللغط الفني.
وبعد صيام دام طويلاً يفطر بريمو بوجبة دسمة من الأعمال التي تذهل البصر والبصيرة معاً، ويظهر من هذه الوجبة بعد هذا الإنقطاع بأن إبراهيم بريمو أمام مرحلة مفصلية من تاريخه التشكيلي، بل هو في منعطف كل احداثياته ستكون نقاطاً مهمة في رسم تجربته، وفي الوقت ذاته ستكون ضمن أولويات هذه الإنعطافة الإرتكان إلى التجريد كعكازة يستند عليها في إبراز مصائر منظوماته الجمالية.
ويتناول التشكيلي إبراهيم بريمو وببذل جهدا ثمينا مفاهيما قيمية ستشكل هي تلك التحولات العميقة في تجربته وبالتالي هذا يستدعي منه إحضار مقولات ذات نفع معرفي بعيداً عن شوائب إيديولوجية، فيتوفر لديه كل ما يخدم تحديد مقاييس محافله، ولعل من أهم ما يكشف لنا سطوحه هو إدراكنا لماهيات أعماله ونحن نغرق فيها تأملاً، فنعيشها بإرتقاء بعد تاريخي لها، فزمن سيمفونياته تتقاطع مع زمن تلك الأبعاد بما يثقل جانبها الجمالي، وهذا ما يدفعنا إلى القول أيضاً بأن تجربته تتقاطع كثيراً مع تجربة سيروان باران بتقنياته القابلة للإنفعال وبإنتقاله في سياق عمليات الخلق، وكذلك بتتبع بنية تسمح له بترك الكثير من الفسحات الفراغية هامشاً ممتداً في بعض جوانبها كأغصان وأفرع قد تكون أشرطة قاتمة تحرك الساكن حيناً والمشوه حيناً آخر.
وهذا التقاطع بين بريمو وباران قد يعود إلى أنهما ينهلان من نبع واحد مع إحتفاظ كل منهما بشيء من خصوصيته، ولا أحسب أن بريمو سيكون أمام إعادة نظر في محركاته السابقة بقدر ما هو أمام فك وتركيب تلك الصياغات بلغته المغايرة، الجديدة نسبياً، وهذا ما سيمنحه ميزة التأصيل عبر وفرة معرفية عالية توازي معاييره الغارقة في محاكمات تجريبية بحيث يبرز لديه تلك المخاطر العالقة بالحافة الحرجة بوصفها عملية إنخراطية في المسافات التي يخلقها العمل المنتج من خلال متابعة التفاصيل الدقيقة التي ستثري تجربة بريمو إثراءاً مدهشاً حتى في مقارباته للمبادئ التعبيرية فيتشكل توازناً مهذباً بين عملية الخلق لديه وبين بناء الأنساق الناظمة لها، وذلك عبر تسليط بقع ضوئية على سلالم هي معايير التحول والمرونة في فتح نوافذ وفقاً لمفاهيم جمالية والتي ستُترك لإحتمالات مطروحة كثيرة، منها سعيها إلى التمايز وإن بقلق مبطن مع بناء عالم متخيل ينسج مكوناته من العلاقة بين الفنان وفضاءاته المتنوعة عبر الإستغراق بالتوجه إلى خلق حوارات بين مفرداتها جميعاً مما قد يدفعه إلى التأسيس لوعي معرفي عميق لتلك التجربة وهذا ما سيؤول عليه بريمو في الإنتقال إلى نضج التجربة وإستقلاليتها، حيث صياغة مجردات وتعبيرات عن قضايا شائكة ضمن مسار يجنح إلى أشكال ذات طابع فلسفي يقترب من نماذج مبعثرة في عهد قديم.
ويشير هذا إلى قدرته الفائقة في القبض على القلق المطروح بكثافة في أعماله وقد يكون هذا أحد أهم نقاط تمايزه، وربما هذا يدفعنا إلى أن نخول ونذهب بإتجاه جوهر بحثه مع الوقوف عند طروحاته التي تحول إلى ما يسمى دلالات التمثيل بصياغته مفاهيم تعبيرية تدفعه إلى تحقيق حضور إبداعي لا يقاس بمقياس خارجي بل بمقياس داخلي يرتبط بعلاقة مفرداته مع بعضها بعضاً دون أن تنفي علاقتها مع المتلقي مع إحتفاظه بغرابة محاكاته كنتيجة لتجربته الجريئة فهو يخالف السائد والمألوف مع تمسكه بقوام إحترام الإختلاف، ويساعده في ذلك تلك الذروة المنخرطة في إستعاراته وهذا ما يجعله يجرب أكثر من تقنية كإستخدامه زوايا لونية من باب التعويض القيمي لا من باب التلاعب بزمن الصياغة ولا من باب الترابط مع أفق كونية، وهنا أود أن أشير بأن بريمو يحمل من المفردات والشروط ما يحمله إلى البحث المستديم لإعتاق اللوحة الفنية في المقام الأول.