برهان صالح يطرح تساؤلات قلقة ويكشف آفاقا فردوسية

عالم التشكيلي يكتظ بمعالجات تتخطى مفاهيم العلاقة ما بين الألوان المضاءة بطموحات هي أقرب إلى السعي نحو نمط ما من التفكير باللحظة الحاسمة وما بين تلمس معالم التراث وإدراك تحولاته.

منذ زمن ليس بالقليل وأنا أحاول الاقتراب من أعمال الفنان التشكيلي برهان صالح.

فكلما عزمت الرحيل إليها وحملت نفسي وقلمي ليكونا جواز سفري للعوم في فضاءاتها، وجدت بعد ساعات من الإبحار أني وقلمي ما زلنا صامتين في محرابها.

أنا الذي اعتدت الغوص بشبكة ناعمة جزئياً وأعود بلآلئ وكنوز ثمينة في كل محاولة من محاولاتي.. فعالم برهان صالح، وعلى نحو أخص في السنوات الأخيرة، مكتظ بمعالجات تتخطى مفاهيم العلاقة ما بين الألوان المضاءة بطموحات هي أقرب إلى السعي نحو نمط ما من التفكير باللحظة الحاسمة وما بين تلمس معالم التراث وإدراك تحولاته.

 فبرهان صالح يدفع بجذور ماضيه نحو السطح، تحمل رؤيته كإنسان باحث عن نفسه أولاً وعن تلك الأشياء التي تفقد مسوغ حضورها ثانياً وعن مسافات مرّ بوعي في الذاكرة المفقودة منذ اقترابه من حركات تشبه الممارسات الطقوسية التي تجري في حفلات المريدين الدينية ثالثاً. فيطرح صالح تساؤلات روحية قلقة تكاد تكون ملخصاً لإجابة كبيرة ربما كان يبحث عنها منذ سعيه لبلوغ الزمن ومعرفة لحظة اللقاء الذي يوقظ الماضي لديه بآفاق مختلفة، ملخصاً لإجابة ترتبط بالضرورة باستخداماته الجمالية التي هي أشبه بأشرطة موسيقية، فيتحول العمل لديه إلى ما يشبه دوائر حلزونية تحدد ملامح المرحلة لديه، فهو يتجنب الواقع كما يتجنب التجريد وكذلك يتجنب عزل الصورة الإنسانية داخل إطار ما.

فهذا التوجه شبه الواعي يأخذ منحى ذي دلالات تعبيرية، ولعل استخدامه رقصة المولوية كتعبير عن إدراك مفهومي لشيء حسي يحقق به فعل الفن كنشاط إنساني فيستمد أنموذجه من فلسفة التباينات اللونية متخطياً السماء التاسعة في التحليق دون أي تجاهل لمحور دوائره وهي تبرز لتضم مختلف النطاقات بما فيها الأكثر صفاء، فالحركة العذبة التي يخلقونها في التواصل مع السموات وجعلها قريبة من تلك الشظايا للحقيقة المتفجرة هنا والعميقة هناك بإيحاءاتها المتداخلة وكأنها مساحات متموجة ذات إيماءات فيها الكثير من الاختزالات التعبيرية.

فبرهان صالح يتناول خطوط مفرطة في الأبعاد لاكتشاف آفاق فردوسية عبر وضع أسس لمفاهيم جمالية جديدة تنطلق من تولد انفعالات جديدة، فيجعل ألوانه تتدرج بالكثافة الموضوعة على القماش. فليس هناك مواد غريبة كما لم يكن همه الوصول إلى استعارات رمزية ولا التعرف على الاختلاف في المرئيات بل الانطلاق برؤى يلامس اللاوعي، يلامس تلك الأحاسيس المنطلقة من معطيات خاصة فيقبض عليها في فضاءاته كلها ثم يحررها لاحقاً للتناغم مع الإدراك البصري مع الاستعانة بالسعي لاكتشاف حركة ذات مسار ملائم لعالمه اللامرئي متمسكاً في الغالب بالحالة الحاملة للقيمة الفنية والروحية معاً.