محمد ظاظا يمتطي جواده مهرولاً وصاهلاً

الفنان التشكيلي السوري يغامر في عوالم اللون والرؤية، مرتّلاً بإبداعه جدلًا بين المحسوس والمرئي، تجربته تسعى لتحرير الفن من المألوف عبر تشكيلات تحتفي بالدهشة وتُشرك المتلقي في مغامرتها الجمالية.

وأنت تشق طريقك نحو عالم الفنان التشكيلي محمد ظاظا (1987)، لا تنسى أن تكون على أهبة الاستعداد لتلقي تفاصيل بصرية قد تحملك إلى داخل المشهد ذاته، أو قد تجعلك تعيد ترتيب مفرداتك. فعملية الإنشطار الجارية لترسيخ علاقة المرئي بالمحسوس ستكون موحية وغنية ومشجعة، وهذا ما سيسمح لك بتحديد الخطى نحو أكثر من محور، لكل منها سلسلة من العلاقات التي تحاكي السعي الذي قد يغدو مقاربات إبداعية.

ظاظا من أبرز الوجوه الشابة في الفضاء التشكيلي السوري الذي يعوّل عليه، والذي سيكون له حضور لافت وفاعل في ولادة قيم جمالية تعبيرية جديدة. فأصابعه لا ترسم بل ترتل، ويعز في ترتيله الرهافات والحساسيات التي تحاكي الموسيقى في بعدها الأجمل والأكثر أثرًا في العرف السائد. فظاظا يرفع من عطاءات أصابعه بتعدد أنماط الرؤية لديه، وإذا كان هناك الكثير من الفنانين يصادرون مخيلة القارئ/المتلقي، إلا أن ظاظا يؤكد أن المتلقي هو الموصوف لونًا. كل ما هنالك يعرضه لبعض التحوير بوصفه عاملًا ودافعًا عذبًا للعمل المبدع وفتح آفاقه بمعيار الوصول لمعرفة التأصيل.

ظاظا، وبجدلية خاصة بلحظات الاستنباط والافتراض، ينتج معرفة مع كل حقولها المثمرة وكل مكوناتها الممكنة، ليستحوذ على مفاهيم قائمة على توفير خصائص الاشتغال على الكشف عن الشكل الأكثر تحليلاً، وعن لغة أعمق إدراكًا. فهو يتقصى مادته بإبداع مفتوح على تقنيات حديثة ويتحمس لها بإمعان الرؤية والرؤيا، ويدرس صيغ اختزالاته من منظور مقولات حداثية، مقولات ينجزها ظاظا برصده لكل التحولات التي مرّ بها دوائر الفن التشكيلي السوري، ساعيًا إلى رجّها لخوض مغامرته المختلفة، أقصد تجربته التي تلح على مسيرتها المدهشة. فظاظا، وباعتباره يسلك طرقًا غير مألوفة لإظهار ثوب التجريب في حركيتها، يرفض الانجرار مع اتجاه عقارب دوائر وسم الآخرين. فهو يدرك تمامًا أهمية مستنداته الجمالية المرتبطة حتمًا بحركيته الإبداعية، ولهذا فهو يحاول طرح جرعة تجليات تحمل خصائص إشكالياته في سياقها العام، وهذا ما يمكن وصفه ببلورة الرؤى الفنية لمعطياته الموضوعية.

ظاظا يهرول المسير بصهيل، فلعل ما يوحى له يكون قادرًا على محاورة ما هو جدير بالانتماء إلى مشاهد حية منبثقة من ذاكرته القريبة. فهو الذي يمتطي جواده صاهلاً ومدافعًا عن محاولاته التي تبدو غير معزولة من رؤية فلسفية جمالية تنبثق من نقاشه مع مفاهيمه المنظومة من نشاطه الحسي والإدراكي المعرفي. كما أنه يرتدي خطواته بأنفاس واضحة، مدركًا تمامًا كم يلزمه من جرأة اللون حتى يتخلص من تيه الصحراء، ويحدق في آفاق بعيدة، مطوقًا السماوات بعيون تتحرك في كل الجهات، مظهرًا نظرته الجمالية في منح عمله وحدة الحس والإدراك، وبهذا يلقي حصاة صغيرة في البحر الراكد من حوله.

ظاظا يبذل جهدًا إضافيًا لإيجاد نوع من التوافق بين الأضداد (الكرسي والإنسان)، بين الحقائق الجافة الجامدة وبين الحقائق الناطقة بالأضواء، بين المستغرقة في الأشياء وبين الأشياء ذاتها المملوءة بالخيال والروح. فهو يدفع الغرابة والدهشة بمؤثراتها نحو أمكنة فيها من المغامرة الفردية الشيء الكثير، نحو أمكنة فيها تتآكل الروح دون أن يكون بمقدوره أن يعيد التوازن لها وللحياة/الإنسان.

ظاظا يدحرج دواليب تجربته بوعي مزدوج نحو تحرير الذات المبدعة من إبتهالات الآخرين، آخذًا بعين الاعتبار أن الإحساس السليم لا يمكن إلا أن يجد صلة لا متناهية بين الإبداع الجمالي العام في جانبيه الإدراكي والتأويلي. يدحرج دواليب تجربته نحو أمكنة أكثر عمقًا وأكثر دلالة، حتى يرسم لنفسه دائرة مفتوحة يجعل منه رقمًا مهمًا في التشكيل السوري المعاصر.