اصلاح البرلمان وكفاءة النظام السياسي في الكويت
لا تتنافس التيارات السياسية وحدها في الكويت لحجز مقعد في مجلس الامة 2022، وانما تتنافس جميع المكونات العشائرية، والقبلية، والمذهبية، والاقليات الاثنية والمناطقية، للحصول على مقاعد في البرلمان.
تحتشد المجاميع تباعا، وتجتمع او تفترق طبقا لمقتضيات الفوز بهذا المقعد، اذ يمكن ان يتحالف السنة والشيعة كما حصل في انتخابات 2006 في الدائرة 1 والدائرة 13 اذا كان هذا التحالف معبرا للفوز في المقعد البرلماني، ويمكن أن يدخل اتباع المذهبين في نزاع حاد، كما يحدث في اغلب الجولات الانتخابية، اذا كانت الاثارة المذهبية هي ورقة حسم ماراثون الانتخابات.
يمكن كذلك ان تتحالف القبائل مع الاسلاميين كما استقرت التحالفات في اغلب الدوائر وفقا لاستراتيجية "تعزيز النفوذ" التي اتبعها التيار الاسلامي من خلال تمثيل احد الاسلاميين للقبيلة، كما حدث في الدائرة 2 والدائرة 4، حيث استطاع التيار الاسلامي بشقيه السلفي والاخواني الصعود على ظهر القبيلة لتحقيق اختراقات في السباق الانتخابي.
وفي ذات الوقت يمكن ان تكون الاثارة والشقاق والتسقيط هو عنوان الانتخابات بين القبائل والاسلاميين، او بين القبائل انفسهم، او بين التوجهات الاسلامية ذاتها بما يعرف بمعارك كسر العظم، مثاله ما جرى في الانتخابات التكميلية في الدائرة الثالثة بين الاسلاميين او ما حدث في الدائرة الرابعة بين القبائل.
ما افترضه هنا أن محور الاختلاف والالتقاء بين التيارات والتوجهات المختلفة في الانتخابات الكويتية، لا علاقة له دوما بالافكار الاصلاحية، والسعي نحو التغيير، والشعارات الانتخابية، وانما يرتبط احيانا بالحاجة الى صناعة واجهة سياسية او اجتماعية، أو بوصفه مشروعا للثراء والمكاسب السريعة.
لاشك ان حق الترشح للمقعد النيابي مكفول للجميع، بغض النظر عن النوايا، لكن تبدو المعضلة في الاتي:
الاول: غياب التنظيم السياسي: ان التأخر في تشريع الاحزاب السياسية ساهم في تكريس واقع سلبي تماما، اذ ازدهر العمل العشائري والقبلي والمذهبي بديلا عن العمل الوطني، حتى ان الشخصيات والتيارات السياسية تبحث عن غطاء قبلي او طائفي للفوز بالانتخابات، وقد كرس ذلك من تراجع مرشحي البرامج التنموية وتقدم نواب الخدمات، اذ تلعب الاحزاب السياسية دورا مهمًا في تطوير التجربة السياسية في البلدان الديموقراطية، وتساهم في صهر الانتماءات العرقية والمذهبية والفئوية في قالب عمل وطني واحد، فبدلا من الانتماء الى القبيلة والتعصب للطائفة، يلتقي ابناء عدة قبائل وعدة طوائف تحت فكرة سياسية ووطنية.
الثاني: حدود العمل السياسي: عدا مؤسسة الحكم، تكاد تنصرف كافة صور الممارسة السياسية في الكويت الى العمل داخل وحول أسوار البرلمان، في ظل تهميش تام لدور بقية المؤسسات والهيئات الاجتماعية في البلد، واذا عرفنا ان التطور السياسي في اي مجتمع انما هو نتيجة صيرورة اجتماعية تاريخية، فاننا ندرك حينها ان مساعي حصر عمل الافراد السياسي في البرلمان لا يصنع تطورا ولا نموا في التجربة السياسية.
نلاحظ على سبيل المثال ان الهيئات والانشطة والفعاليات تكاد تنحصر في انتخابات الجمعيات التعاونية واتحادات الطلبة وبعض النقابات، وكلها تصب في حدود خدمة انتخابات مجلس الأمة، ولا شخصية اعتبارية لها مطلقا.
الثالث: فساد المؤسسة السياسية: وعليه فان بقاء النشاط السياسي حول اسوار البرلمان، من شأنه أن يحول المقعد النيابي من كونه بوابة للاصلاح والتغيير الى اعتباره مدخلا للثراء السريع والوجاهة الاجتماعية، وهو ما ينتهي الى:
1- نشوب صراعات عنيفة والغائية وطاردة ضد المنافسين، سواء مناهج او تيارات او أفكار او وجوه جديدة.
2- انعدام فرص العمل السياسي التنموي، وركود الفكر السياسي.
3- تضخم حجم الثراء والفساد الذي يوفره غطاء المقعد النيابي وامتيازات الحصانة.
3- تكريس العلاقات القائمة على المصالح والمنافع على حساب تهميش دور البرلمان، وتحول دوره الرقابي والتشريعي الى التبعية للسلطة التنفيذية.
وقد اشارت بعض التقارير الصحفية الى شبهات مالية، وتضخُّم حسابات، وشبهة غسل أموال تورط بها عدد من اعضاء مجلس الامة خلال السنوات الاخيرة، حيث دأبت الحكومة الكويتية على تقديم تسهيلات لأعضاء البرلمان شملت تعيينات في مناصب قيادية أو تمرير خدمات أو إرسال طلبات علاج في الخارج للنواب أو للمقربين منهم.
واصبح حديث الناس يدور حول "ضربة الحظ" التي تمكن تيارا او قبيلة او جماعة او عائلة من الفوز في عضوية البرلمان، لان ذلك مرتبط بشكل مباشر في اتساع فرص الثراء الفاحش، وامتلاك العقارات، والمشاركة في المناقصات الحكومية، حتى لم يعد غريبا أن يتم تعيين أقارب النواب من الدرجة الأولى والثانية في مناصب عليا في الدولة، او تسافر عوائل نواب بأكملها على حساب الدولة، او توزع كوبونات البنزين على ابناء واشقاء وزوجات النواب، والتعامل مع اموال الدولة على أنها اموال مستباحة.
واذا اتفقنا على ارتباط الاصلاح بكفاءة النظام السياسي، وان الاصلاح يجـب أن يكـون ذاتيا ولـيس موضوعيا، فان صيانة التجربة البرلمانية، وتنقيتها من الشوائب، يعتبر أحد أهم دعائم التطوير في التجربة السياسية، اذ لا يمكن ان يراقب مجلس فاسد فساد الحكومة، ولا يصح أن يكون المشرع جزءا من مكينة الفساد.
تحرير المجلس من هيمنة مؤسسة الفساد، يتطلب تعدد جهات العمل السياسي المؤثرة، واعادة الاعتبار للهيئات والمؤسسات الوطنية كفاعل وشريك في الشأن العام، وهو الاجراء الذي من شأنه أن يعيد البرلمان الى حجمه الطبيعي كمؤسسة تشريعية تابعة للقوى الوطنية لا كشركة استثمارية تتبع الغرفة التجارية.