توقف الرصاص في بغداد لكن الوضع كالنار تحت الرماد
بغداد - عاد الهدوء إلى العراق بعد الاشتباكات الدامية واستهداف المنطقة الخضراء التي راح ضحيتها العشرات من أنصار التيار الصدري، لكن الأزمة بين الإطار التنسيقي والصدريين ترخي بظلال ثقيلة على عودة الحياة إلى طبيعتها في بلد يتقلب بين أزمة وأخرى منذ الغزو الأميركي في العام 2003.
ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى قرب انتهاء الأزمة أو حتى بوادر لحلحلتها مع دعوة الرئيس العراقي برهم صالح لانتخابات مبكرة وحل البرلمان ووجوب التواصل مع الزعيم الشيعي النافذ مقتدى الصدر.
لكن القيادي صالح محمد العراقي المعروف بقربه من الصدر، غرّد اليوم الأربعاء عبر حسابه "وزير القائد"، متهجما على الإطار التنسيقي الذي يضم أيضا ممثلين عن فصائل شيعية منضوية في الحشد الشعبي وموالية لإيران. ودعا إيران إلى أن "تكبح جماح بعيرها في العراق والا فلات حين مندم".
ويمثل الإطار التنسيقي الواجهة السياسية للحشد الشعبي الذي يتعرّض ولاءه المطلق لإيران لانتقادات حادة من شريحة واسعة من العراقيين.
ورأى المحلل العراقي سجاد جياد أن "الدولة هي الخاسر الأكبر لأنها تراقب فقط فريقين مسلحين قويين يتقاتلان على السلطة". وكتب "إلى أن يتم إيجاد حلّ مناسب، من الممكن حدوث مزيد من الاحتجاجات والعنف".
ورأى الناشط فلاح البرزنجي (63 عاما) أن الهدوء لن يستمر طويلا، مضيفا في حديث من ساحة التحرير في وسط بغداد "اليوم، عادت الحياة إلى طبيعتها، لكن النار تحت الرماد".
ودعت عدة دول عربية ودولية إلى التهدئة خلال الاشتباكات. وقال البابا فرنسيس الذي زار العراق العام الماضي، إنه "يتابع بقلق أحداث العنف التي وقعت في بغداد"، مضيفا "الحوار والأخوة أفضل السبل لمواجهة الصعوبات الحالية".
وقتل 30 شخصا وأصيب حوالي 600 من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خلال المواجهات التي اندلعت الاثنين واستمرت قرابة 24 ساعة في المنطقة الخضراء شديدة التحصين والتي تضمّ مقار الحكومة وبعثات دبلوماسية، بين الصدريين من جهة وعناصر من القوى الأمنية والحشد الشعبي من جهة ثانية.
وفي دليل جديد على تحكّم الصدر بشكل واضح بقاعدته، توقّف الرصاص وصمتت المدافع وغادر أنصاره المنطقة الخضراء بعد دقائق من إصداره أوامر بذلك في مؤتمر صحافي من النجف الثلاثاء.
وعادت الحياة الأربعاء إلى العاصمة، عقب رفع حظر التجوال الذي كان أعلنه الجيش إثر اندلاع المواجهات وعادت الاختناقات المرورية اليومية إلى شوارع بغداد. وعادت الأسواق والمحال التجارية للعمل و"استؤنفت امتحانات المدارس"، وفقا لوزارة التربية والتعليم.
ومثّلت المواجهات قمة الخلافات حول الأزمة السياسية التي يمرّ بها العراق منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2021. وبسبب الانقسامات الحادة بين الأطراف السياسية، لم يتم تعيين رئيس وزراء جديد ولا تشكيل حكومة بعد الانتخابات. كما فشل البرلمان في انتخاب رئيس جمهورية جديد لبلد يعدّ بين أغنى دول العالم في موارده النفطية، لكنه غارق في أزمات اقتصادية واجتماعية.
ويتفق مقتدى الصدر وأبرز خصومه المنضووين في الإطار التنسيقي وبينهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، على نقطة واحدة لحل الأزمة، هي الحاجة إلى انتخابات مبكرة جديدة. لكن فيما يصر مقتدى الصدر على حلّ البرلمان أولا، يريد خصومه تشكيل الحكومة قبل البرلمان.
ولإجراء انتخابات مبكرة، يجب حلّ البرلمان، الأمر الذي لا يتمّ إلا بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضائه، وفقا للدستور. ويمكن أن يتم ذلك بناء على طلب ثلث أعضائه أو طلب رئيس مجلس الوزراء بموافقة رئيس الجمهورية. ولا تملك أي قوة أغلبية واضحة في البرلمان.
ومن الواضح أن الأزمة مستمرة، لعدم توصل الكتلتين الشيعيتين الرئيسيتين إلى توافق.
وتمسّك الإطار التنسيقي بمواقفه وجدّد في بيان صدر الثلاثاء مطالبته بـ"الإسراع بتشكيل حكومة خدمة وطنية تتولى المهام الإصلاحية ومحاربة الفساد".
أما موقف الصدر المعروف بتصريحاته وتحركاته المتقلبة والتي لا يمكن توقعها، فليس واضحا اليوم. فقد دعا الثلاثاء أنصاره إلى"الانسحاب" من الشارع تماما، حتى من "الاعتصام أمام البرلمان" الذي كانوا بدؤوه قبل أسابيع. وأوقف انسحابهم الاشتباكات، لكنه لم يأت بأي مبادرة للتفاوض. بل على العكس، ردّ على أسئلة الصحافيين حول ما سيحدث بأنه لن "يتكلّم في السياسة".