هجمات مباغتة تخترق وضعا أمنيا هشا في سوريا
دمشق - في مؤشر جديد على هشاشة الوضع الأمني في سوريا رغم بعض مظاهر الاستقرار التي بدأت تظهر مؤخرًا، قُتل ثلاثة عناصر من الشرطة وأصيب آخرون، بينهم مدنيون، جراء انفجار سيارة مفخخة في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، يوم الأحد. وأعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا" عن وقوع الانفجار قرب مركز للشرطة في المدينة، مشيرة إلى أن التحقيقات الأولية رجّحت أن يكون الهجوم قد تم بواسطة سيارة مفخخة.
وقال مدير منطقة الميادين، خليل عبد المنعم الأيوب، إن الانفجار وقع في الساعة 19:03 مساءً بالتوقيت المحلي، وأسفر عن مقتل ثلاثة عناصر من الأمن العام، وإصابة شخصين بجروح. من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد القتلى ارتفع إلى خمسة، بينهم أربعة من عناصر الشرطة، كما أُصيب مدنيان، أحدهما طفلة كانت بالقرب من موقع التفجير.
وتأتي هذه الحادثة في توقيت حساس تمرّ به البلاد، حيث تسعى السلطات السورية الجديدة إلى تعزيز الأمن، ومواصلة الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى إنهاء العزلة السياسية والاقتصادية التي فرضتها العقوبات الغربية والإقليمية منذ أكثر من عقد. وقد أحرزت دمشق خلال الأشهر الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في هذا المسار، تمثل في رفع تدريجي لبعض العقوبات الاقتصادية، واستئناف العلاقات مع عدد من الدول العربية، إضافة إلى انخراطها في محادثات إقليمية حيوية برعاية أطراف دولية.
لكن هذا التحول لم يرق لبعض القوى التي كانت مستفيدة من حالة الفوضى، وعلى رأسها فلول النظام السابق ومجموعات مرتبطة بها وكذلك فلول تنظيم داعش، والتي ترى في النجاحات السياسية والاقتصادية الجديدة تهديدًا مباشرًا لنفوذها المتراجع. وتشير مصادر أمنية إلى أن هذه الفلول تقف خلف عدد من العمليات التخريبية التي شهدتها البلاد مؤخرًا، بما فيها الهجوم في الميادين.
ووفقًا لمصادر ميدانية، فقد جاءت العملية متزامنة مع حملة أمنية تنفذها القوى الأمنية السورية في المدينة، ضمن سلسلة من الإجراءات الاستباقية التي تهدف إلى تعقب بقايا التنظيمات المسلحة والعناصر التخريبية. وتشمل هذه الإجراءات مداهمات وتفتيشات مركزة في مناطق بريف دير الزور وريف اللاذقية، وهي مناطق كانت في الماضي بؤرًا لنشاط الجماعات المسلحة والمليشيات الخارجة عن القانون.
وكان الساحل السوري وكذلك محافظة اللاذقية ذات الغالبية الدرزية، شهدت خلال الفترة الماضية تطورات أمنية غير مسبوقة، تمثلت في اشتباكات بين وحدات أمنية ومجموعات محلية مسلحة أسغرة عن سقوط قتلى وجرحى. ورغم احتواء الموقف بسرعة، إلا أن الاحداث سلطت الضوء على حجم التحديات الأمنية التي تواجهها الحكومة الجديدة في مناطق ساخنة طائفيا.
ويرى مراقبون أن فلول النظام السابق، وبعض المجموعات المسلحة غير المنضبطة، تسعى إلى ضرب حالة الاستقرار الأمني لخلق حالة من الإرباك، لا سيما في المناطق التي بدأت تشهد عودة تدريجية للنشاط الاقتصادي والحكومي. وفي هذا الإطار، تكثف السلطات السورية حملاتها الأمنية، إلا أن تكرار الخروقات الأمنية يؤكد أن الطريق إلى استقرار شامل لا يزال طويلًا وشاقًا.
وكانت مدينة الميادين، الواقعة قرب الحدود العراقية، كانت لسنوات معقلًا لتنظيم "داعش" قبل أن تستعيدها القوات الحكومية في عهد الاسد، بدعم من حلفائها، في عام 2017. ورغم تطهيرها من الوجود العلني للتنظيم، إلا أن خلاياه النائمة لا تزال قادرة على شن هجمات خاطفة بين الحين والآخر.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يتعين على السلطات السورية الحالية أن توائم بين جهود إعادة الإعمار والانفتاح الدبلوماسي، وبين الحذر الأمني الذي تفرضه المرحلة، خاصة في ظل محاولات من جهات داخلية وخارجية لإعاقة مسار التعافي السياسي والاقتصادي.