أربيل تحبط هجوما بمسيرة مفخخة على قاعدة للتحالف الدولي

إقليم كردستان يعلن اسقاط طائرة مسيّرة مفخخة قرب مطار أربيل الدولي، الذي يضم قاعدة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن وسط اتهامات لعدد من الفصائل المدعومة من إيران.
العراق تمكن من منع هجمات الفصائل على القواعد الأميركية خلال حرب ايران واسرائيل
تساؤلات حول قدرة الحكومة العراقية على مواصلة ضبط الفصائل المسلحة

بغداد – تتوالى الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على مواقع عسكرية في العراق، لا سيما تلك التي تضم قوات أميركية، في تطور يثير مخاوف متزايدة من انزلاق البلاد مجددًا إلى دائرة التوترات الإقليمية، وسط تصاعد الصراع غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران.
وكان أحدث تلك الهجمات ما أعلنه إقليم كردستان العراق مساء الخميس، حيث أسقطت الدفاعات الجوية طائرة مسيّرة مفخخة قرب مطار أربيل الدولي، الذي يضم قاعدة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن. ورغم عدم تسجيل أي خسائر بشرية أو مادية، فإن تكرار هذه الحوادث في الفترة الأخيرة يعيد طرح تساؤلات خطيرة حول قدرة الحكومة العراقية على ضبط الفصائل المسلحة، وتحييد العراق عن الصراعات المحيطة به.
في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تحديات معقّدة داخليًا وخارجيًا، تأتي هذه الهجمات لتسلّط الضوء على الدور المتنامي لفصائل مسلحة موالية لطهران لا تخضع عمليًا لسلطة الدولة، رغم أنها منضوية شكليًا ضمن قوات "الحشد الشعبي".
وتُتّهم بعض هذه الفصائل بتنفيذ عمليات ضد قواعد أميركية ومصالح غربية في العراق، سواء في الشمال أو الوسط والجنوب، ما يشير إلى وجود أجندات تتجاوز الإرادة الوطنية، وتصب في خانة الصراع الإقليمي بين الولايات المتحدة وإيران.
وعلى الرغم من أن أي جهة لم تتبنَّ الهجوم على أربيل، ولا الهجمات الأخرى الأخيرة، فإن النمط المتكرر والهدف الواضح (قواعد تضم قوات أميركية) يعزز من الشكوك حول تورط فصائل مرتبطة بإيران، في محاولة لفرض وقائع ميدانية ضمن "حرب بالوكالة" تدفع بغداد ثمنها الأمني والسياسي.
ومنذ تسلمه رئاسة الحكومة، حاول السوداني أن النأى بالعراق عن صراعات المحاور، متمسكًا بسياسة "الحياد الإيجابي" وساعيًا إلى تمتين علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، بما فيها واشنطن وطهران. لكن الهجمات المتكررة تقوّض هذا التوازن الدقيق، وتضع الحكومة في موقف صعب بين حماية السيادة الوطنية، والحفاظ على علاقات الشراكة الدولية، خاصة مع الولايات المتحدة التي لا تزال تلعب دورًا محوريًا في دعم الاستقرار ومكافحة الإرهاب في العراق.
كما تشير الهجمات الأخيرة إلى وجود خلل أمني في بعض المناطق، لا سيما تلك التي تنتشر فيها فصائل مسلحة غير منضبطة أو لا تلتزم بتوجيهات الحكومة المركزية. وغالبًا ما تستخدم هذه الفصائل الطائرات المسيّرة في هجماتها، ما يعقّد مهمة رصدها وصدها، ويُظهر ضعف الرقابة العسكرية والاستخباراتية في مناطق معينة.
رغم تحسن الوضع الأمني نسبيًا في العراق خلال العامين الأخيرين، تبقى حالة الاستقرار هشّة وقابلة للانهيار في أي لحظة، خاصة إذا ما تطورت هذه الهجمات إلى عمليات أوسع قد تستدعي ردودًا من الجانب الأميركي، ما يُدخل العراق في دوامة جديدة من العنف.
وشهدت مناطق كركوك وصلاح الدين والناصرية وبغداد خلال الأسبوعين الماضيين أكثر من خمس هجمات بطائرات مسيّرة أو صواريخ، بعضها استهدف قواعد عسكرية وأخرى منشآت حيوية مثل مصافي النفط.
وفي كل هذه الحالات، اكتفت الجهات الرسمية بتأكيد وقوع الهجمات دون اتهام مباشر، وهو ما يُفسره البعض على أنه محاولة من الحكومة لاحتواء الوضع وتجنّب التصعيد، بينما يراه آخرون عجزًا عن مواجهة الفصائل المتورطة فعليًا.
إلى جانب التهديد الأمني المباشر، تضع هذه الهجمات مصداقية الدولة العراقية على المحك، لا سيما في نظر شركائها الدوليين، خصوصًا التحالف الدولي الذي لا يزال يحتفظ بوجود عسكري محدود لمساعدة القوات العراقية في محاربة تنظيم "داعش".
كما تهدد هذه التطورات آفاق الاستثمار والتعاون الاقتصادي، في بلد يسعى جاهدًا لجذب رؤوس أموال أجنبية لإعادة الإعمار وتحسين الخدمات. إذ لا يمكن لأي دولة أو شركة أن تستثمر بثقة في بيئة أمنية غير مستقرة تتعرض فيها القواعد والمطارات والمنشآت النفطية لهجمات متكررة.
وفي ظل الهدوء الحذر بين إيران وإسرائيل بعد اتفاق وقف إطلاق النار، يخشى كثيرون من أن يتحول العراق إلى ساحة بديلة لتصفية الحسابات، سواء من خلال ضربات غير معلنة أو عبر تصعيد ميداني تشارك فيه الفصائل المسلحة الموالية لطهران.
وتؤكد مصادر أمنية أن الأجهزة العراقية تتابع بدقة هذه التهديدات، لكنها تعترف في الوقت نفسه بصعوبة ضبط جميع الفاعلين المسلحين على الأرض، خاصة في ظل غياب إجماع وطني حول سلاح الفصائل ودورها السياسي والعسكري.
مع استمرار الهجمات الغامضة، وتكرار استهداف قواعد التحالف الدولي، يجد العراق نفسه في موقف حرج: بين الضغوط الخارجية ومخاطر الداخل، وبين جهود الحكومة للتهدئة وممارسات فصائل لا تعترف بسلطة الدولة عمليًا.
وإن لم تُتّخذ خطوات حازمة لإعادة ضبط الوضع الأمني وإنهاء فوضى السلاح، فقد تعود البلاد إلى مسارات الانفجار، وتفقد ما تحقق من استقرار نسبي خلال السنوات الأخيرة.