سيادة الرئيس، تونس بلد عبقري في الخير والشر أيضا

سؤال من نوع "ما الذي تنتظره لتعلن عن مشروعك التنموي البديل؟" هو سؤال مشروع.

حين اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد إجراءاته (تموز/يوليو 2021) التي انقلب من خلالها على الحياة السياسية كان يعرف أن البلاد التي يقودها هي حقل ألغام. الفقر فوق السطح والارهاب تحته.

ولأن التخلص من حركة النهضة التي احتكرت الحياة السياسية عشر سنوات بعد أن قامت على أنقاض ثورة الياسمين عام 2011 أمر عسير فقد كان متوقعا أن يقوم الرئيس بتسريع عجلة العمل داخل الدولة من أجل إظهار إمكاناتها التي كانت معطلة في الوقت الذي تجرى عملية تصفيتها من شبهات الدولة العميقة وذلك من أجل وضع التونسيين في مواجهة دورهم في إعادة الدولة إلى المسار الذي انحرفت عنه.

ولم يكن هناك ما يمنع من إعادة تفعيل القضاء بعد أن جرت تنقيته من ذيول حركة النهضة وذلك من أجل فتح ملفات العشر سنوات الماضية التي شهدت تفاقم الفقر وتسلل الارهاب إلى مفاصل الدولة بسبب تفرغ حركة النهضة لمشروعها الذي وضعت في خدمته الدولة التي تم استصغارها لتكون جاهزة لتتحول إلى ولاية إسلامية. 

وليس الفقر أقل خطرا من الارهاب. لذلك كان من الضروري أن تظهر على الملأ خطط تنمية بديلة تنقذ وبشكل تدريجي الوضع المعيشي للتونسيين مخافة أن يتدهور ذلك الوضع ويزداد عدد الفقراء وتتسع دائرة الاوساط التي تقع تحت خط الفقر. لا يكفي أن يُسن دستور جديد لكي يكون الناس بخير. وقد لا تحمل قروض البنك الدولي أي بشرى للفقراء إذا ما رافقتها شروط لاصلاحات اقتصادية، لن تكون في صالح الفقراء.

غير مرة كادت العلاقة مع الاتحاد التونسي للشغل أن تصل إلى درجة الانفجار. ذلك مؤشر غير حسن. فبالرغم من أن الاتحاد بالغ في رفع سقف مطالبه من غير أن يراعي الظرف السياسي الحساس، غير أن تحييده إذا لم يتم كسب صداقته ممكنا أفضل من استعدائه لما يملكه من رصيد جماهيري ضخم.

انطلق اتحاد الشغل في خلافه من حقيقة لا يختلف عليها تونسيان. الوضع المعيشي لغالبية التونسيين في ترد مستمر. وليست هناك حلول معلنة. ذلك لأن الأطراف السياسية كلها بضمنها حركة النهضة التي صارت حركتها المعلنة محدودة تعيش حالة من الغموض، لا يجد لها أحد تفسيرا. وإذا كان الرئيس سعيد اعتمد السرية مبدأً للمضي في خطواته الاصلاحية فإن شيئا من تلك الخطوات لم يظهر إلى العلن حتى الآن.

كان الرئيس سعيد قد استقوى بالشارع في صراعه مع الأحزاب وليس مع حركة النهضة وحدها. غير أن ذلك الشارع الذي وقف معه متفائلا يمكن أن يخذله متشائما بعد أن يصل إلى مرحلة اليأس. وهي مرحلة لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تنتجه من أخطار. وينبغي أن لا ننسى أن حركة النهضة يمكنها أن تستعيد شارعها العريض انطلاقا من الفقر اليائس.    

لن ينفع عدم المكاشفة الرئيس سعيد ولن يخفي المصاعب التي يواجهها بل من المؤكد أنه سيزيدها صعوبة. فالفقر هو المنجم الذي يستخرج منه الإرهاب مادته. كما أن حركة النهضة تعيش عليه. فهي وإن كانت لا ترعى الارهاب غير أنها وقد فقدت سلطتها لا تمانع في أن تنزلق تونس إلى الفوضى أو تحترق.  

مساءلة الرئيس سعيد الآن باتت ضرورية وملحة. فتونس وإن كانت دولة صغيرة فإن أرهابييها سبق لهم وأن شاركوا في حروب، وضعت تونس على خارطة الارهاب العالمي. تنظيم القاعدة لا يزال حيا هناك. ذلك التنظيم لو وجد أن ممراته آمنة وأن هناك من يهيئ له الملاذات المحصنة فإنه سيقلب حياة التونسيين رأسا على عقب. وليس علينا هنا سوى أن نذكر بالعمليات التي نفذها وأدت إلى تعطيل قطاع السياحة بالكامل. بدلا من أن يتم تنشيط ذلك القطاع الحيوي الذي يدر ثروة لا حدود لها بسبب تفوقه على ما يماثله في العالم العربي يُخشى أن يتم تعطيله بسبب كونه هدفا للإرهابيين. لذلك فإن سؤالا من نوع "ما الذي تنتظره لتعلن عن مشروعك التنموي البديل؟" هو سؤال مشروع لأنه ينطلق من حب لتونس وخوف عليها. لا تزال الوحوش تقيم في الأعماق.

تونس بلد صغير سيادة الرئيس غير أنه كان عبقريا في الخير. وفي المقابل يمكنه أن يكون عبقريا في الشر. تلك معادلة هي اختبارك الذي يمكن أن يتحقق من خلاله رهانك على انقاذ تونس.