هادي ضياء الدين ومزاميره الغائرة في أرواحنا
هادي ضياء الديني من مواليد سنندج /كردستان إيران عام 1956، غني عن التعريف، لا يحتاج أن نقدمه كثيراً فهو يقدم نفسه بقوة، ومعروف جداً كردستانياً وعربياً وإيرانياً، رسّام ونحات، نحت التماثيل لعشرات الشخصيات الكردية (شهرام ناظرى، بابا طاهر، مير عماد خوشنويس، محمود دولت آبادي، مولانا جلال الدين بلخي الذي تعلمنه هادي الفن، محمد رضا لطفي .... إلخ)، وله نصب تزين بعضها ساحات كردستان ايران كنصبه الذي يحمل عنوان رمز التضحية والمقاومة وهو على إرتفاع خمسة عشر متراً والموجود في أبيدار، سنندج، وبعضها تزين مدن كردستان العراق كنصبه عن شيخ محمود في السليمانية، وآخر بعنوان الإنتفاضة في قلعة دزة، وله تمثال عن فاجعة الأنفال، أنجزه بتكليف من حكومة اقليم كردستان العراق قبل أكثر من عشر سنوات وكان يمكن أن يتحول إلى أحد عناوين كردستان، لم ينصب حتى الآن وهو على إرتفاع ثمانية عشرة متراً ويضم خمس وعشرين هيئة وشخصية، إشتغل عليه على مدار سنة ونصف حتى أنجزه تماماً، فهادي ضياءالديني لا يمكن تجاهله، وله قامته وفعله، له ريشته وازميله، هما صوته المدوي في هذه الحياة، وتسمع بقوة من قبل الجميع، ومنذ عام 1975 وهو يقيم معرضاً سنوياً، ومنذ فاجعة حلبجة عام 1988 وهو يرى من واجبه أن يقدم شيئاً في ذكراها، فإختاره كيوم لمعرضه السنوي يقدم فيه نتاجه الذي يحكي عنه الكثير وتقول عنه الكثير، وله معارض كثيرة قدمها في الكثير من المدن الكردستانية العراقية والإيرانية، وفي الكثير من مدن الخارطة العالمية.
هادي ضياء الديني من الأسماء المهمة في المشهد التشكيلي الكردي، وإن تناولته الصحافة الكردية وأجهزتها الإعلامية بوقفات مخجلة، فهو يستحق أن يكون تحت الضوء أكثر من ذلك بكثير، وهو بحق كنز من كنوز كردستان لا يجب أن يفرط به، بل أن يستيقظ القائمون على المؤسسات الثقافية من غفواتهم، وأن يلتفتوا إلى هذا الكنز ووضعه في المكان الذي يليق به، فرغم ما قدمه ليس قليلاً، ولكنه مازال يملك الكثير ليقدمه لناسه وبلده فهو المجبول بحبهم إلى نقي روحه، وكل ما فيه من مشاعر وأحاسيس والتي تخرج عبر أعمال تنبض بالتراب المقدس والإنسان المقدس، فتدفقه لم يهدأ، بل كأنهار كردستان بغزارته، لا يمل ولا يكد أن يسقي بإبداعه كل ساحات وحدائق ومتاحف كردستان، فهو الأصيل كأحد أحصنته التي أنتجها لتزين إحدى ساحات البلاد، فأعماله هي جذوره الممتدة في الوجع الكبير، التي توصلنا مفرداتها إلى التمسك بأحلام لم نتمكن من الوصول إليها بعد، فهو ينحت في الزمن، كما الزمن ينحت فيه، للتعرف على تلك التأثيرات التي تعتمد على الألم ومزاميره الغائرة في أرواحنا، ومع أنه عادة لا يعود إلى البدايات، إلا أنه يبقى مشرداً بكل عزلته في أعماله التي تنطق عنه، والتي تعيد نفاذ بصيرته بمزاعمها وهي تبذل قصارى جهدها لإثبات أن الفن هو الأسبق في الحياة، في التعبير وما يعزوه من آثار تؤدي وظيفته داخل نسق ما.
هادي ضياء الديني "مقتنع تماماً بأن الفن يجب أن يكون في خدمة الإنسان والمجتمع " ولهذا فجلّ أعماله النحتية منها والتصويرية تحوم حول ذلك، بل غارق فيه، تحكي حكايات هذا الإنسان وهذا المجتمع، وتستهويه كثيراً حين يتوقف حيالها، يتأملها بحثاً عما خلفها من التفاصيل، يذهب معها نحو تحفيزها وشحنها بالمعاني، يساعده في ذلك مخزونه الكبير بمفرداتها التي تصطحب معها مساراتها وأبعادها التاريخية، ولكي نفهم أعماله، لا بد أن نفهم تلك الأوجاع والآلام التي رافقته منذ صغره ومازالت توخز روحه، وجميعها أوجاع وآلام جمعية تمتد من داخل النسق الغائب إلى داخل النسق الحاضر، فهو وبكل ما يترتب على قلبه من تحمل كل ذلك وما يلائمه من إبتكار مفردات تلاعب أحواله في كل الأحوال، هي مفردات محرجة تعمل على إبراز ما بعد الألم كتمرين غير إرادي وفي منتهى اللاجدوى، وثمة من يلاحظ أن نتاجه ما هي إلا محاكاة لتلك الآلام بكل درجاتها، ما هي إلا صياغات موازية لتلك المحاكاة برهافات جمالية لافتة، برؤى تسعى إلى جر كل تأثير إنساني معها ومع أشيائها، لتتحول إلى منابع للإستلهام منها يقتبس مشاهداته، سعياً إلى تغلغل أكثر عمقاً في العوالم، في كل مفصل من مفاصلها، مانحاً إياها طاقة إبداعية لدرجة أنه بات بمقدورها أن تعيد صياغة الحكاية بكاملها، مانحاً إياها كثافة تعبيرية تساعدها في التفاعل الكبير مه متلقيها، وبأمانة ملزمة بعبر ضياءالديني عن الحالة الشعورية الخاصة التي تنتابه وهو ينجز هذه الأعمال .
حين يقول هادي ضياءالديني: "الفنان ليس مراسلاً ينقل الأخبار والأحداث، بل هو متأثر بخصائص عصره، ويتأثر بدون قرار أو تخطيط بأحداث وأوضاع مجتمعه، نعم مرّت بنا فواجع كثيرة، وقد اتخذت من حلبجة رمزاً يمثلنا ويمثل جميع الظلم الذي لقيناه " فنحن ندرك ما يحكم رؤيته وما يتجاذب خفية، فهو لا ينفي حضور المجتمع وأبنائه، بكل ما يعيشون ويعانون، ويدفع بهم إلى ما يسند مشروعه كرموز لا تخذله في النطق عنه، أو في طريقته في نهوضها وما تومىء به، فالمكونات البانية لجسد نصه مهما كانت فظيعة في لحظة تشابكها وتعالقها، تحكمها قانون مركزي لا يتخلى عن منجزاته مهما إتكأ على إستعارات تدل على الحياة وأناشيده الحزينة، وبذلك فهو يبني نصه بزمنه الخاص ويخبر عن ذلك الزمن بطريقته الخاصة في التشكل، فهو يتمسك بلحظات محدودة من الزمن، ويلحفها بتلاوين الرمز الشخصي، محملة إياها بدلالات ترتقي في لاشعوره حتى تتسامى تماماً نحو الخلود في المتخيل البشري، وهكذا يقول النص، أقصد نصه فيوحي بالوجع والحزن والتعب والضنى ما يوحي بذهنه وما يحمله من دلالات رمزية مرتبطة بالحياة والموت، محققاً بذلك الرغبة المغروسة في اللاشعور والتي لا يمكن أن يلغيها، فهي تنقاد للريشة والازميل بما تفي حاجاته، وبما سيعلن عنه حين تتماهى المسافات وهي تختزل بين أبعاده.