لبنان يقف على حافة انفجار اجتماعي
بيروت - يغرق لبنان يوما بعد آخر في غموض سياسي بينما يقف على حافة انفجار اجتماعي مع شغور في الرئاسة وحكومة تصريف أعمال بلا صلاحيات وغياب أي ملامح وساطة خارجية كانت تساعد عادة البلد الذي يواجه باستمرار أزمات سياسية واقتصادية على الخروج من المأزق.
وتسود مخاوف حاليا من اشتعال الجبهة الاجتماعية مع حالة الافلاس والانهيار المالي وغياب أي بوادر لمعالجة المشاكل الاجتماعية فحكومة تصريف الأعمال باتت تعتمد على المنح والهبات لتسيير بعض شؤون الدولة بينما يتلقى الجيش وقوات الأمن دعما رواتبهم من جهات مانحة.
ولا تلوح في الأفق نهاية قريبة للأزمة الممتدة منذ العام 2019 والتي تمددت وصولا إلى حالة الشغور الدستوري الأخير وجزء منها نتاج عهدة رئاسية خاوية أنهاها الرئيس السابق ميشال عون بقيود دستورية على حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي بعد أن وقع في اللحظة الأخيرة لمغادرة قصر بعبدا مرسوم إقالة حكومة ميقاتي. ويمثل رئيس مجلس الوزراء عادة رئيس الدولة في حالة شغور منصب الرئاسة.
ولا يزال لبنان بلا رئيس دولة ولا مجلس وزراء كامل الصلاحيات منذ انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول، وهو فراغ غير مسبوق حتى بمعايير بلد لم يتمتع باستقرار يُذكر منذ الاستقلال.
ومع عدم إبداء السياسيين لأي مرونة لحل الصراع على السلطة، يقول محللون وبعض المصادر السياسية إن التوصل إلى حل وسط بشأن الرئاسة قد يتطلب ذات نوع الوساطة الأجنبية التي أنقذت لبنان من أزمات سابقة مماثلة.
لكن لا يوجد ما يشير إلى وجود أي وساطة في الوقت الحالي، ويحتمل أن الأوان لم يأت بعد. وهناك توترات كبيرة في المنطقة بين القوى الأفضل للتوسط، إيران من جهة والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى.
ويمثل الفراغ مرحلة جديدة في الأزمة التي تعصف بلبنان منذ انهيار نظامه المالي في عام 2019 والذي دفع بالكثير من المواطنين إلى براثن الفقر وأصاب البنوك بحالة من الشلل وأجّج أكبر موجة هجرة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990.
وتطفو الضغوط في الدولة المفلسة على السطح بطرق جديدة باستمرار، مع اعتماد الحكومة أكثر من أي وقت مضى على المنح الأجنبية لتوفير الخدمات الأساسية. وانهارت قيمة رواتب الموظفين المدنيين والجنود بالعملة المحلية، التي فقدت 95 بالمئة من قيمتها منذ عام 2019.
ومن المقرر أن يبدأ الجيش وهو الركيزة الأساسية للسلم الداخلي، في تلقي مساعدات الرواتب التي تمولها الولايات المتحدة عن طريق الأمم المتحدة. سعت واشنطن إلى تعزيز قوات الأمن اللبنانية بمزيد من المساعدة.
وقدمت فرنسا اللقاحات اللازمة لمكافحة تفشي الكوليرا في لبنان، واصفة ذلك بأنه علامة على "الانخفاض الحاد في توفر المياه وخدمات الصحة العامة للسكان".
ومع تكرار حوادث اقتحام المودعين للبنوك للحصول على مدخراتهم، نشر الجيش مقطع فيديو تدريبيا للجنود وهم يحيطون بأحد البنوك ويحتجزون مشتبها به.
وقال نبيل بومنصف المحلل السياسي في صحيفة النهار، إن الوضع الاجتماعي هو الفتيل الذي يمكن أن يعرض لبنان للخطر، إذا استمر الفراغ وتفاقمت الأزمات المالية والاقتصادية.
لكن مسؤولة أميركية قالت في تحذير شديد اللهجة في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني إنها تلمح في الأفق سيناريوهات "لا شيء سوى الانهيار مع عدم توفر رواتب الجيش وقوات الأمن الداخلي سوى ستة أشهر، وبالتالي فهم يفقدون السيطرة على الأمور كون جميع الإجراءات مؤقتة، كما أن هناك هجرة جماعية".
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف في تصريحات في مركز ويلسون، إن هذه هي "أحلك نهاية للطيف" وإن هناك "العديد من السيناريوهات الأخرى في المنتصف".
وأضافت "لا شيء يمكن أن نفعله نحن أو أي شريك أجنبي آخر يمكن أن يعوض ما فشل القادة السياسيون اللبنانيون في إنجازه حتى الآن: تشكيل حكومة والاضطلاع بالمهمة العاجلة المتمثلة في إبعاد لبنان عن حافة الهاوية".
وحثت الحكومات الغربية بيروت على تنفيذ إصلاحات طال انتظارها للخروج من الأزمة بإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكن الصندوق ينتقد "البطء الشديد" في إحراز تقدم. وتواجه جهود تنفيذ الإصلاحات عقبات من جانب السياسيين الذين يحمون المصالح الخاصة ويتهربون من المساءلة.
ولا يرى المحللون أي تحرك نحو الاتفاق على حكومة جديدة، فمن ناحية، تعكس المواجهة لجهة الخصومات بين المسيحيين الموارنة المخصص لهم منصب الرئيس ومن ناحية أخرى، تعكس صراعا على السلطة بين حزب الله الشيعي المدعوم من إيران وهو الحزب الذي أوصل حليفه عون إلى الرئاسة في عام 2016- وبين خصومه، بما في ذلك فصائل متحالفة مع السعودية.
وهناك علامات على تجدد الاهتمام بلبنان من جانب الرياض التي رفعت يديها إلى حد كبير من البلاد بعد أن أنفقت المليارات لمساعدة بيروت على الخلاص من الهيمنة الإيرانية، مما أدى إلى تنامي دور حزب الله.
واستضاف السفير السعودي وليد بخاري مؤتمرا في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني بمناسبة الذكرى السنوية لاتفاق سلام أُبرم بوساطة المملكة قبل 33 عاما لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان.
وقال أندرو تابلر من معهد واشنطن "الدور السعودي يتمثل في مواجهة إيران ومواجهة الدولة اللبنانية الفاشلة".
وقال سياسي بارز متحالف مع حزب الله إن الرياض على ما يبدو عازمة على إعادة بسط نفوذها على المشهد السياسي السُني المتصدع منذ تعليق سعد الحريري حليف الرياض في بيروت لسنوات سابقا، مشاركته في السياسة.
وأضاف أن هذا قد يساعد الرياض على ممارسة نفوذها على مصير الرئاسة في لبنان الذي يتم تحديده من خلال تصويت في البرلمان، حيث يوجد بالفعل عدد من الأصدقاء المتشابهين في الفكر مع السعودية مثل حزب القوات اللبنانية المسيحي.
كما أن حزب الله لديه حلفاء مسيحيون بارزون لديهم طموحات رئاسية ولا سيما سليمان فرنجية صديق الرئيس السوري بشار الأسد وجبران باسيل، صهر عون. ولم يعلن حزب الله بعد عن مرشحه المفضل، تاركا الباب مفتوحا أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق على مرشح مقبول على نطاق أوسع. وأحد الاحتمالات هو قائد الجيش العماد جوزيف عون. ولم يعلن حزب الله عن موقفه من عون الذي لم يبد نيته في الترشح.
وفي عام 2008، أدت الوساطة الخارجية إلى انتخاب قائد سابق آخر للجيش هو ميشال سليمان، رئيسا ونزع فتيل أزمة أشعلت الصراع بين حزب الله وخصومه.
وتوقع مصدر مطلع على تفكير حزب الله حدوث فراغ لفترة غير محددة، قائلا "نحن بأمس الحاجة إلى دَفعة خارجية". وقال السياسي الدرزي وائل أبوفاعور إن الضغط الخارجي يمكن أن يكون له "دور تسهيلي... لكن المبادرة والحل يجب أن يأتيا من القوى السياسية الداخلية".