ليست صفاقس وحدها بل تونس كلها
فيما زحفت القمامة من الشوارع إلى البيوت في صفاقس، عاصمة الجنوب التونسي وصار الأهالي يستغيثون بحثا عمَن ينقذهم وينقذ مدينتهم من خطر التلوث قال الرئيس التونسي قيس سعيد لدى استقباله وزيرة البيئة لمناقشة تلك القضية المحرجة إنسانيا ما معناه إن المعارضة تنكل بالناس. فالرجل وإن كان بليغا في حدود معرفته المبسطة باللغة العربية لم يكن موفقا حين ألقى باللائمة على مَن يعارضون طريقته في الحكم وحملهم مسؤولية ما جرى لصفاقس، المدينة التي تستحق أن تكون واجهة سياحية حسب تعبيره.
ولو كان سعيد على دراية بالأوضاع البيئية في بلده لعرف باعتباره المسؤول الأول وقبل أن تتصاعد صرخات أهالي صفاقس أن كل المدن التونسية بما فيها العاصمة "تونس" تعاني من مشكلة التلوث بسبب القمامة، إضافة إلى المشاهد البشعة التي يُصدم بها الزائر الذي يحمل صورة جيدة عن بلد الزيتون والياسمين. ولو أنه كان يمتلك شيئا من الخبرة السياسية لأدرك أن حكومته تتحمل كل المسؤولية عما يحدث وليس للمعارضة التي تنتظر نهاية سريعة لحكمه أية علاقة بالأمر.
قد يكون الرجل محقا في التفكير في السنوات التي حكمت حركة النهضة فيها تونس والتي تفشت فيها الفوضى المقصودة وكان من مظاهرها أن يهمل البلد بكل ما فيه ويُترك للقمامة، بل ويتحول إلى تل من القمامة. غير أن ذلك التفكير لا يصح بعد أن أصبح سعيد رجل السلطة الأوحد الذي يحكم بطريقة مطلقة وبقبضته كل خيوط السلطة.
صحيح أن معاناة صفاقس مع التلوث تعود إلى أبعد من عمر الثورة وهي موجودة قبل أن تستلم حركة النهضة الحكم وقبل أن تظهر الأحزاب وتدب الفوضى في جسد الجمهورية، ولكن ذلك لا يمكن أن يشكل مبررا لاستمرار المعاناة التي تحولت إلى مأساة، بحيث صار على أهالي صفاقس أن يغادروا بيوتهم من أجل الحفاظ على حياتهم. وإلا فإنهم سيصابون بأمراض من الصعب معالجتها في ظل ضعف القطاع الصحي العاجز عن مواجهة الأوضاع العادية فكيف به مع الأوبئة.
لا يرى الرئيس سوى معارضيه، بعد أن تحولوا إلى كابوس شخصي. بالرغم من أنه يملك رصيدا شعبيا من شأنه أن يُنسيه أمر تلك المعارضة وبالأخص حركة النهضة التي صار رموزها يُجرون إلى المحاكم بتهم مختلفة تكشف عن تحويلهم تونس إلى حديقة حزبية لا مكان للمصلحة الوطنية فيها. وهو ما يعني أن سعيد لا يحتاج إلى استحضار معارضيه في أزمة ينبغي أن يواجهها بشجاعة وحسم، تتجلى من خلالهما إرادته في الانتقال بتونس من الفساد إلى النزاهة ومن التلوث إلى النقاء.
لا تستحق تونس أن يُلقى بها في القمامة في معركة بين الرئيس ومعارضيه، ليتهم كل طرف منهما الآخر بالمسؤولية عما جرى للبلاد. فالرئيس كما يوحي تصريحه يعتقد أن المعارضة هي التي تؤجج الوضع في صفاقس ضد سلطته من خلال تحميل الدولة مسؤولية الاهمال الذي قاد إلى المأساة متناسيا أن كل ما قيل لا كذب فيه وأن الحياة مهددة فعلا في صفاقس وأن القمامة المجازية التي ذكرها هي قمامة حقيقية صار أهالي صفاقس يتنفسون هواءها بدلا من هواء البحر الذي تلامسه المدينة نظريا من غير أن تقود دروبها إليه واقعيا.
تونس كلها سيادة الرئيس ستكون صفاقس في القريب العاجل وليست قرطاج التي تحيط بقصرك بحدائقها الغناء وشوارعها النظيفة سوى مظهر زائف لسلطة لا ترغب في أن ترى الشعب الذي تحكمه وأنت لست من الطينة التي تصدق ذلك الزيف. لقد انقلبت على الأحزاب من أجل إستعادة الوجه الحقيقي للثورة، من أجل إستعادة الثورة من اللصوص وهو ما جعل التونسيين يتنفسون هواء فكرة نقية هبطت عليهم من السماء. أما أن تتركهم وهم في ذروة مأساتهم لتتفرغ لتقريع معارضيك إعلاميا فذلك ما لم يكن يتوقعوه منك.
لقد ظن التونسيون ذات مرة أنك أكبر من ذلك. فلأنك لست حزبيا كنت أكبر من الأحزاب. ولأنك لست سياسيا فإن الشعب صدق أنك ستكون صادقا في كل ما تقول وتفعل. لذلك فإنك لا تحتاج إلى تبرئة مؤسسات الدولة التي تقودها من مسؤولية الإنهيار الخدمي الذي تتعرض له المدن التونسية وفي مقدمتها صفاقس. ليذهب معارضوك إلى حيث يشاءون ولكن عليك أن تمنع ذهاب شعبك إلى الجحيم.