المواطنة الناقصة هي سر العذاب الكردي الطويل

الأكراد ضحايا الدول التي يقيمون بها مثلما هم ضحايا التقاسمات العشائرية لقياداتهم.

الأكراد غاضبون في باريس بعد أن قام مسلح فرنسي يكره الأجانب بقتل ثلاثة منهم وجرح ثلاثة آخرين. وكما يبدو فإن المركز الثقافي الذي وقعت الحادثة قربه يتبع حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي دفع شخصيات تركية رفيعة المستوى إلى الإعلان عن شماتتها بفرنسا التي استقبلت "الارهابيين" حسب التعبير التركي وها هي تدفع الثمن إذ أحرق الأكراد الغاضبون السيارات في الطرق.

وفي إيران اعتقل الحرس الثوري سبعة من قادة الاحتجاجات الأكراد وهم يحاولون السفر إلى بريطانيا التي يتمتعون بمواطنتها. وليس هناك ما هو غريب في ذلك الاعتقال. بالنسبة للأجهزة الأمنية الإيرانية فإن كل إيراني يحمل جنسية بلد أوروبي هو جاسوس لذلك البلد، يجري اعتقاله ومحاكمته وإدانته والحكم بسجنه إلى أن يتم التفاوض عليه وتحصل إيران على الفدية التي هي ليست مالا بالضرورة.

الأكراد ضحايا العنف الذي تمارسه حكومات الدول التي يقيمون فيها. ذلك مؤكد وهو ظلم تاريخي. لكن ما هو مؤكد أيضا أن بعضهم يلتهم البعض الآخر إذا ما أتيح لهم القيام بذلك. ما يفعله الطالبانيون والبرزانيون في إقليم كردستان شمال العراق الذي هو دولة مستقلة هو عنف مبطن قد يؤدي إلى إستعادة زمن الاقتتال بين الطرفين. تلك حكاية لا يوليها الأكراد كثير اهتمام لإنهم يعتبرونها شأنا داخليا وهي ليست كذلك بالنسبة للدول التي هم حتى الآن مواطنوها.         

لقد تعرض الأكراد عبر التاريخ الحديث لظلم مزدوج. الدول التي يقيمون على أراضيها اضطهدتهم بسبب مواطنتهم الملتبسة والنظام العشائري الذي جعل منهم مادة غذائية صالحة للاستهلاك على مائدة صراعاته. لا أحد في إمكانه أن يضمن أن أكراد إيران لو استقلوا لن يقاتل بعضهم البعض الآخر تحت غطاء عشائري وكذلك الأمر بالنسبة لأكراد تركيا، بالرغم من أن كردستان العراق صارت الحاضنة لأكراد الدولتين. تلك أخوة في لحظة هزيمة لا يمكن أن يُعتد بها.

علينا أن نتذكر أن مسعود برزاني وهو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني كان قد استنجد بحكومة بغداد في قتاله ضد حزب الاتحاد الوطني الذي كان يقوده جلال طالباني عام 1996. استجاب صدام حسين يومها للنداء فالحقت القوات العراقية الهزيمة بميليشيا طالباني وأعادت برزاني سيدا على أربيل.

ولأن أكراد العراق يستضيفون اليوم قواعد عسكرية لأكراد تركيا وإيران فإنهم يمنحون الدولتين فرصة لقصف الأراضي العراقية وإمكانية غزوها بريا. تلك حرب سيدفع ثمنها الناس العاديون. الأكراد الذين قُدر لهم أن يكونوا ضحايا من أجل أن يستمر النظام العشائري الذي سيظل يستعملهم في حروبه. العراق هو الآخر يدفع ثمن استقلال إقليم كردستان. ولأن حكومته لا تملك إرادة وطنية بسبب تبعيتها لإيران فإنها حتى حين تحتج على التدخل التركي لا تفعل ذلك إلا لذر الرماد في العيون كما يُقال.

أما كان في إمكان الأكراد أن يتعاملوا مع حلمهم في إقامة وطنهم القومي بطريقة مختلفة، تبعدهم عن الخلافات بين الدول وتحقق الأمن والسلام لهم؟

افترض أن اقليم كردستان العراق هو فرصة تاريخية لن تتكرر. وما صراع برزاني وطالباني على المصالح فيه إلا نوع من استغفال الشعب الكردي وسرقة ثرواته وتعطيل زمنه والإبقاء عليه عاكفا على حلم يتوهم أنه في الطريق إليه وإلا ما معنى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في اقليم يحصل بطريقة ريعية على 17% من ميزانية العراق السنوية التي تزيد على المئة مليار دولار. ذلك واحد من أكثر مؤشرات الفساد خطرا لأنه يتعلق بمصير الإنسان وكرامته.

كانت النزعة العشائرية ولا تزال تقف حائلا دون أن يتمتع الأكراد بالمواطنة القائمة على المساواة والعدالة. لذلك فإن كردستان العراق بالرغم مما شهدته من توسع في البناء ليست هي نموذج الوطن القومي الذي ضحى الأكراد سنوات طويلة من أجل انشائه. فهو عبارة عن سطح قلق قابل للانفجار في أية لحظة بسبب تضارب المصالح بين القوى السياسية التي لم ترتفع بسلوكها إلى مستوى الفهم الوطني المشترك.

وإذا ما كان أكراد تركيا وإيران يعانون من تمييز على مستوى المواطنة بسبب سياسات الدولتين فإن أكراد العراق ليسوا أفضل حالا بالرغم من أنهم كانوا قد دعموا الأحزاب الحاكمة في رغبتها في الانفصال عن العراق وكانوا قد وضعوا أنفسهم في خدمة تلك الأحزاب من أجل تنفيذ سياساتها.