الغموض يُخيم على تركيا أشهرا قبل انتخابات مصيرية
أنقرة - يترقب الشارع التركي اسم المرشح الذي سينافس أردوغان في سباق الرئاسة، بينما ترخي حالة الضبابية السياسية والاقتصادية بظلالها على مشهد ستشكل فيه الانتخابات المرتقبة انعطافة حاسمة إذا قدّر لها أن تسير وفق ما تخطط له المعارضة التركية.
والمشهد بتجلياته الراهنة يشير مبدئيا إلى أن حزب العدالة والتنمية سيخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية بدعم من تحالفه السابق 'تحالف الشعب' الذي يضم الحزب الحاكم وحزب الحركة القومية و'الاتحاد الكبير' في منافسة مرشح محتمل من التحالف السداسي، لكن الغموض لا يزال سيد الموقف في ما يخص التحالف الأخير الذي لم يحسم أمره بعد.
والواضح في هذا المشهد الملتبس هو أن تركيا انفتحت على خارطة تحالفات سياسية جديدة على خلاف المشهد في الانتخابات السابقة، بينما انضم حلفاء سابقون لأردوغان ومنشقون عن حزب العدالة والتنمية لجبهة المعارضة وأبرزهم أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق وعلي باباجان وزر الاقتصاد الأسبق.
وبعد القرار القضائي بإقصاء عمدة اسطنبول أكرم إمام أغلو القيادي البارز في حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، من الحياة السياسية بتهم يقول خصوم الرئيس التركي إنها كيدية وسياسية، يتردد حاليا اسم علي باباجان وزير الاقتصاد السابق المنشق عن حزب العدالة والتنمية، كمرشح محتمل لجبهة المعارضة، إلا أنه لا إعلان رسميا يشير بوضوح إلى أنه الخيار الحاسم.
وقال باباجان زعيم حزب الديمقراطية والتقدم (الحزب الذي ولد من رحم الانشقاق عن حزب العدالة والتنمية) إنه سيترشح لانتخابات الرئاسة في مايو أو يونيو القادمين بدعم مشترك من كتلة المعارضة، وفق ما ذكرت أمس وكالة ديميرورين التركية.
وأوضح في تصريحات للصحفيين في ديار بكر التي تقطنها غالبية من الأكراد المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي، أنه يمكن أن يترشح للرئاسة إذا رشحه تحالف "طاولة الستة" كمرشح رئاسي مشترك في الانتخابات المقبلة، مضيفا أنه يمكن اختياره ليكون الرئيس القادم لتركيا وسيخدم البلاد بأفضل ما لديه.
ويضم تحالف 'طاولة الستة' حزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليتشدار أوغلو وحزب الخير بزعامة ميرال أكشنار، وحزب السعادة بزعامة تمل كرم الله أوغلو وحزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) بزعامة علي باباجان وحزب المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق الذي انشق عن حزب العدالة والتنمية والحزب الديمقراطي بزعامة غول تكين أويصال.
وتعهد هذا التحالف الذي تشكل أواخر فبراير 2022 بإعادة تركيا إلى الديمقراطية البرلمانية وإلغاء النظام الرئاسي التنفيذي الذي أدخله الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بعد استفتاء عام 2017 إذا أطاحوا به في انتخابات 2023. ووقع أعضاء هذا التحالف إعلانا التزموا فيه بتعزيز النظام البرلماني إذا نجحوا في الإطاحة بالرئيس الحالي في الاستحقاق الانتخابي المرتقب.
وقال باباجان إن حزبه منفتح على كل أنواع الخيارات الأخرى بما في ذلك ترشيح زعيم حزب معارض آخر من التحالف السداسي أو شخص من خارجه طالما سيحظى مرشحه (التحالف) بدعم الكتلة المشتركة.
وتابع أنه في حال فشل التحالف السداسي في الاتفاق على مرشح موحد فإنه يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية ولن يترشح للانتخابات التشريعية.
وقد تم انتخاب أردوغان لأول مرة رئيسا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد في عام 2014 عن طريق التصويت المباشر في ظل النظام البرلماني. وتحولت تركيا إلى نظام الحكم الرئاسي من خلال استفتاء عام 2017 وأجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في عام 2018 عندما تم انتخاب أردوغان رئيسا مرة أخرى. وبموجب النظام الرئاسي ، يمكن انتخاب أي شخص رئيسا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد إذا تم إجراء الانتخابات كما هو مقرر.
من المتوقع أن يكون أردوغان المرشح الرئاسي للتحالف الذي يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية اليميني المتطرف لانتخابات عام 2023.
وينظر للانتخابات القادمة خاصة الرئاسية على أنها القضية الساخنة التي تشغل الأتراك بينما ينتظرون اسم من سينافس أردوغان في السابق الرئاسي. ويقول الرئيس التركي في أحدث تصريح له أدلى به اليوم الخميس إنه لا يعرف من سينافسه، مرجحا أن يتم تقديم موعد الانتخابات.
وبينما قدم باباجان نفسه مرشحا محتملا لخوض السابق الرئاسي في منافسة أردوغان، يطرح في الأثناء اسم كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري كمرشح محتمل للمعارضة ولطالما أعلن رغبته في منافسة الرئيس التركي، لكن هذا الأمر لم يحسم بعد.
وكان عمدة اسطنبول من أكثر الأسماء تداولا لمنافسة الرئيس التركي، لكن جرى استبعاده بقرار قضائي بعد حكم بالسجن على خلفية قضية اعتبرتها المعارضة مسيسة كان الهدف منها إزاحته من طريق أردوغان الطامح لولاية رئاسية جديدة.
ويتمتع إمام اوغلو بشعبية كبيرة وهو شخصية تمتلك قدرة عالية على الإقناع واستقطاب أصوات الناخبين وسبق لحزب العدالة التنمية أن اختبر قدراته في الانتخابات البلدية السابقة (2019) التي انتزع فيها فوزا في مناسبة أولى شككت السلطة في نتائجها وأعادت هيئة الانتخابات جولة جديدة، ليفوز مجددا في معاقل حزب العدالة والتنمية فوزا أثار مخاوف أردوغان.
وبرز كذلك اسم رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش بالتوازي مع بروز اسم أكرم إمام أوغلو، باعتباره مرشحا محتملا، لكن لا شيء رسميا يشير إلى أنه قد يترشح.
وتفصل تركيا أشهر قليلة عن استحقاق انتخابي (رئاسي وتشريعي) تجمع كل الآراء على أنه سيكون حاسما، بينما تسعى المعارضة التركية لإنهاء 21 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ، لكن المشهد يبدو ملتبسا بالنسبة لحظوظ الأطراف التي ستتنافس في السباق الرئاسي، فالمعارضة لم تخرج بعد من دوامة الحيرة على الرغم من مساعيها للتوحد في جبهة واحدة لعزل الرئيس رجب طيب أردوغان، ولم تحسم بعد أمرها وسط تباين في الرؤى وإن حرصت على مداراة ذلك، بينما يكابد الحزب الحاكم في مواجهة تراجع ثقة الأتراك فيه على خلفية الأزمة المالية وارتداداتها الاجتماعية التي تهاوت معها القدرة الشرائية للمواطن وتدهور معها الوضع المعيشي وهو محدد مهم لمسار صوت الناخبين.