عراقيل لبنانية تعترض المحققين الأوروبيين في قضية سلامة

زيارة الوفد القضائي الأوروبي إلى بيروت اصطدمت بهجوم سياسي استباقي بذريعة التعدي على السيادة الوطنية والقضائية وقوبلت بعض طلباته بالرفض.

بيروت - يستعد القضاء اللبناني لتعيين محقق جديد في قضية ثروة رياض سلامة حاكم مصرف لبنان (محافظ البنك المركزي) التي تراوح مكانها، في خطوة قد تعرقل التعاون مع محققين أوروبيين يجرون تحقيقهم الخاص.

وقال غسان عويدات مدعي عام التمييز في لبنان لـ"رويترز" اليوم الثلاثاء إن المحقق الجديد سيُعين في غضون الأيام المقبلة وسيكلف بتوجيه اتهامات لسلامة قبل إحالة القضية إلى قاضي تحقيق. وأكد أن القاضي قد يطلب بعد ذلك تأجيل الرد على طلبات القضاة الأوروبيين للتعاون القضائي حتى تتم تحقيقات القاضي اللبناني.

ويواجه سلامة تحقيقات في لبنان وخمس دول أخرى على الأقل بدعوى قيامه وشقيقه رجا باختلاس وغسل أموال تزيد على 300 مليون دولار في البنك المركزي اللبناني، لكنه يتشبث ببراءته نافيا كل الاتهامات التي يصفها بأنها تهدف إلى "تشويه صورته".

وقال المحامي نزار صاغية من منظمة "المفكرة القانونية"غير الحكومية إن وجود محققين من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ في بيروت هذا الأسبوع ربما يزيد الضغط على القضاء اللبناني ليحرز تقدما.

وقال مصدر القضائي لوكالة فرانس برس، طالبا عدم الكشف عن اسمه، إن المحققين الأوروبيين استمعوا لأكثر من ثماني ساعات لكل من رئيس مجلس إدارة بنك الموارد الوزير السابق مروان خيرالدين والنائب السابق لحاكم المصرف المركزي أحمد جشّي.

وتجمع خير الدين الذي تولى منصب وزير دولة عام 2011 برياض سلامة علاقة جيدة وشغل جشّي منصب نائب حاكم مصرف لبنان بين العامين 2003 و2008.

وقال بيار أوليفييه سور محامي سلامة الفرنسي "على حد علمي لم يتلق إلى هذا اليوم أي استدعاء".

وتولى قاضيان لبنانيان حضرا جلستي الاستماع طرح الأسئلة على الشاهدين وتركزت الموجهة إلى نواب سلامة على قرارات اتخذها المجلس المركزي لمصرف لبنان، فيما تركزت الأسئلة الموجهة إلى مدراء وأصحاب المصارف على حسابات فيها عائدة لرجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان، وتحويلات إلى حسابات الشقيقين في الخارج.

وأشار المصدر نفسه إلى أن الوفود ركزت أسئلتها على دور شركة "فوري اسوشياتس" المسجلة في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها رجا سلامة.

وتبحث التحقيقات الأوروبية في العلاقة بين مصرف لبنان وشركة "فوري" التي يُعتقد أنها لعبت دور الوسيط لشراء سندات خزينة "يوروبوند" من المصرف المركزي عبر تلقي عمولة اكتتاب جرى تحويلها إلى حسابات رجا سلامة في الخارج.

ولم تمر زيارة الوفد القضائي الأوروبي إلى بيروت دون الاصطدام بهجوم سياسي استباقي بذريعة التعدي على السيادة الوطنية والقضائية وقوبلت بعض طلباته بالرفض من جانب المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش المُكلّف بإطلاع المحققين على ملف التحقيق مع سلامة وشخصيات مالية مصرفية بهدف تسهيل مهمتهم.

واستقبل حاموش الوفد الألماني في مكتبه في قصر العدل في بيروت ومكنه من الاطلاع على جوانب من الملف، لكنه رفض طلب تصويره كاملا، بذريعة أن ذلك يخالف معاهدة مكافحة الفساد الدولية، وقد لاقت خطوته تأييد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري باعتبار أنه التزم تطبيق القانون.

وتفجرت هذه القضية التي أثارت صدمة اللبنانيين عندما جمدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه بتهم تبييض أموال و"اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو في الفترة بين 2002 و2021". 

ويحافظ سلامة على منصب محافظ البنك المركزي اللبناني منذ 1993 مستفيدا من دعم قادة لبنانيين أقوياء ويوجه له اللبنانيون اتهامات بالفساد وتسببه في دفع بلدهم إلى هاوية الإفلاس محمّلينه مسؤولية تبخر ودائعهم المصرفية وتحوّلها إلى مجرد أرقام وهمية، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية كبيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وأغلقت المصارف أبوابها لفترة غير مسبوقة في تاريخ البلد.

وكان أكبر قاض لبناني قد صرح في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن التدخل السياسي في العمل القضائي أدى إلى وضع فوضوي يتطلب "ثورة في النهج" لحله.

وأنهى قاض لبناني الصيف الماضي تحقيقا أوليا استمر 18 شهرا في القضية لكن التحقيق توقف عندما تنحى المدعي العام واستبعد لاحقا بعد شكوى من سلامة الذي يتمسك ببراءته رافضا تحويله إلى "كبش فداء" للأزمة الاقتصادية.

واستقال العديد من كبار القضاة خلال العام الماضي بسبب تدهور الظروف المعيشية والإحباط من عرقلة قضايا مهمة مثل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في أغسطس/آب 2020 وأسفر عن سقوط أكثر من 215 قتيلا و6500 جريح.