أفارقة في المغرب يصرون إما 'الفردوس الأوروبي' أو الموت

المهاجرون غير النظاميين لا يعتبرون المغرب سوى محطة عبور نحو أوروبا ولا تثنيهم ظروفهم الصعبة عن تكرار محاولة التسلل إلى إسبانيا على أمل تحقيق هذا الحلم.
السلطات المغربية تشدد عمليات مكافحة الهجرة غير النظامية

الدار البيضاء (المغرب) - لم تعد ظاهرة انتشار الأفارقة في المدن المغربية تلفت الانتباه ولا تثير الفضول، بل أضحت وجوه أصحابها مألوفة في الشارع المغربي، خاصة مع تزايد تمسك هؤلاء بحلم العبور إلى أوروبا رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها.

ويلجأ المهاجر الغيني عمر ورفاقه المقيمين بشكل غير قانوني لافتراش جانب من رصيف شارع في مدينة الدار البيضاء، واصفا يومياته بأنها "قتال من أجل الحياة".

ويشكو حاله قائلا إنه "لأمر منهك أن تظل جائعا وتنام في العراء دون أمان، فضلا عن التمييز العنصري"، مضيفا "في الصباح الباكر تطاردنا الشرطة كل يوم.. ننتشر في أماكن مختلفة قبل أن نعود مساء".

ويعيش الشاب البالغ من العمر 25 عاما في المغرب منذ خمسة أعوام، حيث حاول العبور عدة مرات إلى إسبانيا دون نجاح.

ويقع هذا التجمع قبالة محطة الحافلات في حي أولاد زيان بالعاصمة الاقتصادية للمغرب ويضم نحو خمسين شابا وفدوا من بلدان جنوب الصحراء جلهم غينيون.

يتسلى بعضهم بالثرثرة في حلقات صغيرة، بينما يستلقي آخرون فوق فرش أو على الرصيف الذي يضم أيضا ما يشبه مطبخا صغيرا، فيما علقت بعض الثياب والأغطية على حائط مقابل للمحطة.

أصبح هذا المأوى الذي يحتل جانبا من سكة للترامواي قيد البناء "جزءا من المشهد العام.. لكنهم لا يزعجون أحدا"، كما يقول بائع حلويات جوال في المنطقة.

المغرب يحاول التخلص من الملجأ العشوائي للأفارقة
المغرب يحاول التخلص من الملجأ العشوائي للأفارقة

اتخذه المهاجرون غير النظاميين ملجأ بسبب قربه من محطة المسافرين، إذ يسهل عليهم ركوب حافلات نحو المناطق الشمالية، حيث يسعون للعبور نحو إسبانيا عبر المتوسط أو عبر اقتحام سياجات جيبي سبتة ومليلية الإسبانيين.

ويشكل جيبا سبتة ومليلية الإسبانيان في شمال المغرب الحدود البرية الوحيدة بين الاتحاد الأوروبي والقارة الأفريقية ويتولى المغرب وإسبانيا مراقبة هذه الكيلومترات الثمانية من الحدود البرية.

ويرتفع السياجان الخارجيان أكثر من ستة أمتار ويتضمنان في البعض من المواقع أسلاكا شائكة وشفرات قاطعة.

ويقول مهاجر غيني لم يتجاوز 18 عاما قضى ثلاثة منها في المغرب في انتظار ذلك نعيش هنا "واقعا حزينا، لكن لا أحد يريد أن يلاحظه".

ويشهد هذا الملجأ العشوائي من حين لآخر توترات بين المهاجرين والسلطات التي تحاول إخلاءه وأسفر آخر تلك التوترات عن توقيف ستة منهم الأسبوع الماضي، بسبب مواجهات مع قوات الأمن لدى محاولتها إبعادهم.

لكن عددا من المهاجرين عادوا لاحتلال المكان مجددا وهم منظمون في مجموعات بحسب جنسياتهم.

ويشير المهاجر الآتي من مالي بوبكار (27 عاما) "أينما استقررنا يتم إبعادنا، نود ألا ننام فوق سكة الترامواي لكن لا أحد يقترح علينا بديلا".

عاطلون عن العمل لكنهم يتعاونون
عاطلون عن العمل لكنهم يتعاونون

ويتعاون المهاجرون الماليون الذي ينامون تحت خيام ينصبونها هنا لتدبر قوتهم، بالرغم من أنهم جميعا عاطلون عن العمل.

وتعد حمامات محطة الحافلات المكان الوحيد المتاح أمامهم للاستحمام، لكنهم "أحيانا يمنعون من دخولها"، بحسب بوبكار، منددا بـ"عنصرية سكان الحي" وغياب الإدارة المحلية أو جمعيات مدنية، فيما يفضل السكان عدم التحدث للصحافيين.

واعتبرت مجلة 'ماروك إيبدو' في عددها لهذا الأسبوع أن الأمر يتعلق "بمشكلة اجتماعية وأمنية وسياسية تجد الدولة صعوبة في تدبيرها"، داعية إلى "وقف الهجرة السرية".

ويعتبر الناشط في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نور الدين رياضي أن "هؤلاء يعيشون ظروفا صعبة وعلى الدولة التكفل بهم"، داعيا إلى "إدماج الأكثر هشاشة منهم في مراكز إيواء مؤقتة".

وكانت السلطات المغربية باشرت منذ العام 2014 عملية لتسوية أوضاع نحو 50 ألف مهاجر غير نظامي معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء.

كما تم في العام 2020 افتتاح المرصد الأفريقي للهجرة في الرباط وهو منصة بحثية أطلقها الاتحاد الأفريقي لصياغة حوكمة أفضل للهجرة في القارة بمناسبة اليوم الدولي للمهاجرين.

لكن المهاجرين غير النظاميين لا يعتبرون في معظمهم المغرب سوى محطة عبور نحو "الفردوس الأوروبي" ولا تثنيهم ظروفهم الصعبة عن تكرار المحاولة على أمل تحقيق هذا الحلم.

ويؤكد المهاجر المالي لامين (20 عاما) ذلك قائلا "ما زلت أؤمن بأنني سأنجح في العبور ولو أن تفاؤلي يتراجع يوما بعد يوم"، علما أنه حاول خمس مرات اختراق السياج المحيط بجيب مليلية الإسباني.

ويتابع بوبكار ممتعضا "إنه لظلم كبير أن تغلق الحدود في وجهنا في النهاية يعتبروننا مثل سلع"، مؤكدا "بالنسبة لي إما الوصول إلى أوروبا وإما الموت"، معتبرا أن العودة إلى بلاده بمثابة "اعتراف بالفشل".

وشددت السلطات المغربية في مقابل هذا الإصرار، في الفترة الأخيرة، عمليات مكافحة الهجرة غير النظامية التي تعد ملفا أساسيا في إطار شراكتها مع الاتحاد الأوروبي وخصوصا الجارة إسبانيا.

وأوقفت الشرطة المغربية العام الماضي ما يزيد عن 32 ألف مرشح للهجرة غير النظامية و566 شخصا يشتبه بتورطهم في شبكات لتهريب المهاجرين، بحسب معطيات رسمية.

وينتظر أن يمنح الاتحاد الرباط أكثر من 500 مليون يورو لمساعدتها في مكافحة الهجرة غير النظامية.

ووفقا للأرقام الصادرة في عام 2018 في الرباط، فإن الهجرة تجري في أفريقيا بشكل أساسي بين البلدان الأفريقية، إذ يبقى 80 في المئة من المهاجرين من البلدان الأفريقية في القارة ويصل 12 في المئة فقط منهم إلى أوروبا ويغادر البعض الآخر إلى وجهات أخرى.

وأصبح ضبط حركات الهجرة، لاسيما من القارة الأفريقية مصدر قلق كبيرا للاتحاد الأوروبي بعد أن تدفق إليه أكثر من مليون مهاجر في عام 2015.