'منحوتات من الذاكرة الاندلسية' تنطلق من الحنين للغوص في الابداع

التشكيلي فتحي سعيدان: ارى انه يجب ان يكون فن التدوير ثقافة وطنية تفضي الى الحد من النفايات وذلك من خلال التركيز على الاطفال والشباب والتكثيف من الورشات داخل المعاهد والمدارس للتعريف بثقافة التعامل مع المخلفات.

أحيانا ما يكون الحنين نقطة انطلاق نحو الغوص في تجربة تشكيلية وممارسة فنية إبداعية، من هنا كانت فكرة اقامة المعرض الشخصي "منحوتات من الذاكرة الاندلسية" وهو اول معرض يضم أعمالا نحتية حيث افتتح نشاطه بدار الثقافة العربي النجار بالعالية ليتواصل ضمن الفترة من يوم الجمعة 10 الى غاية الجمعة 17 من فبراير/شباط 2023.

والمعرض ضم 11 منحوتة اختلفت فيها التقنية والمادة، وفي هذا السياق يقول النحات عن معرضه هذا الذي تم بدعم من صندوق التشجيع على الابداع الأدبي والفني "أحيانا وضفنا تقنية اللحام على مواد حديدية مهملة مثل القطع الميكانيكية والمفاتيح القديمة ومطارق الابواب العتيقة واحيانا أستعملنا تقنية المودلاج والقولبة في أعمال بمادة  résine والاشتغال على محامل قديمة مثل مشط السداية وفق هذا الحنين الى الذاكرة الاندلسية وهو نفس الحنين الى المدينة الاندلسية التي ترعرعت بها بين تلك الازقة والجدران والابواب على ايقاعات الموسيقى الاندلسية..كل تلك الحقبة الزمنية كان لها طعم راسخ حاولت توظيفه في عمق ممارسة تشكيلية حيث تحول الحنين والذاكرة الى أعمال تشكيلية نحتية تحاكي الموسيقى تارة بمنحوتة تمثل الكمنجة واخرى تمثل القيتارة تارة أخرى لتنقل لنا صورة عن ثقافة تلك الحقبة الاندلسية في الشعر والمدح والخط العربي والخيل..".

في هذا السفر المفتوح على الأكوان ثمة موسيقى باذخة وتلوينات شجية كالأصوات ونظر باتجاه الأقاصي حيث العناصر والتفاصيل عناوين شتى للقول بجواهر الدواخل.. وهل في الدواخل غير الكنه والخلاصة والينابيع.

هذا العمل الفني ضمن معرض الفنان فتحي سعيدان كان في سياق تجربته التي يعيشها منذ سنوات وفق تخيره الفني الجمالي...هي فسحة الذات وهي تبتكر قولها المخصوص تجاه العوالم والآخرين بكثير من شجن الوقت وحرقة الأمكنة.

هكذا هو الذهاب في دروب الفن.. ضرب من الدهشة والفرح والانتشاء تقصدا لما به تسعد الذات وهي ترسم صور غنائها في ثنايا شتى.. ثنايا في الحياة وما فيها من جهات يغمرها الشعور والأحاسيس والذوق والبهاء.

في تلوينات هذا الفن المتعددة يتخير البعض نهجا مخصوصا لنحت ما ينطبع من الفعل الشغوف الذي يجمع المتروك والمهمل والملقى خارج دورات العمل والفعل والنفع ليصبح في دور فني جديد وفعل جمالي، انها لعبة استعادة الوظائف تجاه المهمل نحتا للقيمة، قيمة أخرى وذلك وفق جماليات في التركيب والتأليف الجمالي المبتكر..هي نظرة متجددة للفنان المبدع تجاه كل شيء..كل شيء لديه متاح لجمال آخر.. مغاير ومختلف.. متجدد ومحبذ...وهكذا هي لعبته مع العناصر والأشياء وصولا الى الخلاصة.

والخلاصة هنا هي المغامرة الفنية الجميلة في لون فني يطلب الكثير من العمل والصعوبة والدأب الشديد..خلال تجربته مع الفنون التشكيلية.. كان شغفه بينا بفن اعادة التدوير (الرسكلة).. حتى يبتكر اعمالا فنية ممتع النظر اليها... وممتعة في مراحل انجازها.. فكيف للموسيقى الطالعة من قيثارة قدت من بقايا ومهملات قطع ميكانيكية وغيرها.

كيف لهذه الموسيقى المنبثقة من هذه التحفة الميكانيكية المستعادة خلالها وظائف قطع مختلفة ضمن وظيفة جمالية جديدة..هي بعنوان الجمال والعزف والنزف.. من تعب ومراحل وصعوبات الانجاز حيث الفنان ومتعة النزف، ليكون الوصول الى الجمال والروعة، عزف بعد نزف، قيثارة الروح والألق الجمالي.. وغير القيثارة أعمال وهيئات فنية أخرى متعددة ومختلفة...هي عصارة العمل في هذا السفر المفتوح تجاه الابداع من فنان جاء من هناك.. هنا.. من جهة رائعة الجمال بتونسنا جاء الفتى الفنان الحالم.. من تواريخ أندلسية قديمة.. من علو بهيج وساحر ببنزرت.. من العالية.. كان صاحبنا يشهر حلمه وهو ينظر باتجاه الآفاق.

هكذا نلج عوالم التجربة المفتوحة على عناوينها القادمة.. تجربة فنية يخوضها الفنان التشكيلي فتحي سعيدان وهو الذي ينشط في المجالات الفنية بين تونس وبنزرت وكانت له مشاركات متعددة في معارض فنية فردية وجماعية.

وعن تجربته ونشاطه يقول "فتحي سعيدان فنان تشكيلي إختصاص نحت ،تجربتي التشكيلية تنطلق من خلال مجموعة المعارض الجماعية مع هياكل وطنية للفنون التشكيلية ومنها مع جمعيات ثقافية، ايضا من خلال العديد من التظاهرات الثقافية لا سيما على المستوى الجهوي والوطني أنا خريج المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس وكان اختصاصي نحت، هذا الاختصاص خول لي الطريق في مرحلة لاحقة الى الخوض في تجارب ميدانية من خلال تزويق الفضاءات مثل المقاهي والنزل والمنازل في بعض الأحيان من خلال انشاء الشلالات الاصطناعية cascade artificielle  كذلك الرسم على الجدران وبيع منحوتات تقوم على تقنية القولبة ثم في مرحلة لاحقة كان شغفي بفن اعادة التدوير(الرسكلة) وهو ما دفعني الى التطوير من قدراتي بتعلم تقنية اللحام التي خولت لي انجاز منحوتات تعتمد بالكامل على مواد معدنية حديدية لكن في بعض الأحيان اضيف إليها مادة (résine) لتعطي بعدا نظريا للقارئ من خلال التعرف على المواد المستعملة وهي تسمى (technique mixte)".

"صحيح ان المواد المستعملة هي بمثابة خردة لا تصلح لشئ في نظر البعض حيث كنت (في بداياتي) في كل مرة اذهب الى الميكانيكي أو بائع الخردة و(السيكليست) وأقوم بجمع القطع الميكانيكية التالفة فكانوا يستغربون مني ومن مدى صلوحياتها ثم بعد اطلاعهم على قدرتي على توظيفها في أعمالي الفنية اصبحوا يقدرون ما أقوم به واصبحت بعض المحلات تكدس لي الخردة خصيصا".

"أنا ارى انه يجب ان يكون فن التدوير ثقافة وطنية تفضي الى الحد من النفايات وذلك من خلال التركيز على الاطفال والشباب والتكثيف من الورشات داخل المعاهد والمدارس للتعريف بثقافة التعامل مع المخلفات.. ودائما كنت اريد ان اجعل من الخردة التالفة في أعمالي التشكيلية مصدر إعجاب وتأمل اريد ان اعطيها صورة جميلة تسر الناظر بعد أن كانت تلك القطع الميكانيكية تالفة ويغطيها الصدأ فتارة كان اشتغالي على آلة القيتارة لحبي لهذه الآلة وحبي للموسيقى فكنت في كل مرة هند انجازي لاعمالي التشكيلية أعزف على القيتارة لاني اجد فيها نوعا من أنواع التأمل والتذوق وهي فسحة زمنية أتأمل فيها مراحل انجاز العمل الفني".

"كذلك جعلت من الخردة محورا لعديد المواضيع حيث اشتغلت على الحرية من خلال عمل (l'affranchi) وعمل (délivrance) كذالك اشتغلت على ظواهر انسانية منها التشرد وكان عنوان العمل المتشرد (SDF).. كذالك كانت لي تجربة ميدانية من خلال انجاز مجسم بمدينتي ومسقط رأسي العالية من ولاية بنزرت".

مسار فني فيه المغامرة والابتكار والابداع ونهج ملون بشغف فني وذات حالمة ديدنها الذهاب عميقا في دروب الابداع نحتا للفرح والجمال وقولا بالعذوبة.. نعم من الأشياء الصلبة والمعادن وغيرها يبتكر فتحي سعيدان ابن العالية تحفا رائقة وأعمالا فنية بها حالات بهاء شتى.. وجمال.. نعم من الأشياء الصلبة المعادن وعناصرها.. تأتي العذوبة.. انه الفن في عناوينه الدالة.