انتقام أم تعصب.. تسميم غامض لتلميذات يثير غضبا في إيران
طهران - عادت قضية تسميم التلميذات التي هزت إيران منذ عدة أسابيع إلى الواجهة الثلاثاء بالقرب من طهران حيث تسممت عشرات من التلميذات مجددا، في سلسلة هجمات نسبت إلى أفراد يعارضون تعليم الفتيات.
وقالت وكالة تسنيم للأنباء إن 35 تلميذة في مدرسة خيام للبنات في مدينة بارديس، الواقعة في محافظة طهران "تم نقلهن إلى المستشفى". ولم تكن حالة أي من هؤلاء التلميذات تثير القلق بعد أن استنشقن غازا لا يزال مجهولا.
وبينما استمرت التظاهرات التي بدأت بعد مقتل الإيرانية الكردية مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، أصبح المرأة التي خرجت على رأس الاحتجاجات رمزا للنضال في وجه قوانين المؤسسة الدينية المتشددة، فيما تزايد كره المتعصبين من تيار المحافظين للنساء اللاتي تمردن على رجال الدين وضوابط تفرضها الجمهورية الإسلامية على لباس المرأة وخلعن الحجاب تضامنا مع أميني.
ومع ذلك فإن النظام يحاول بكل وسيلة ممكنة منع الفتيات من الالتقاء أو الاختلاط في المدارس. وتبين أن 650 طالبة في ثانوية قم تم تسميمهن عمدا لهذا السبب، بينما أكد وزير الصحة الإيراني يونس بناهي وقوع الحادث، مضيفا أنه تم فتح تحقيق لكشف ملابسات هذه الجريمة.
واتضح أن عملية تسميم المئات تم بطريقة محكمة ومدبرة بشكل دقيق، فيما عانت الفتيات من أعراض مثل ضيق التنفس والاغماء والتعب.
وقال الوزير الإيراني إنه "يبدو أن بعضهم يريد إغلاق جميع المدارس خاصة مدارس البنات"، مشيرا إلى أن "السم يتكون من مواد يمكن العثور عليها في السوق"، موضحا أن "السم ليس قاتلا ولا مجال للذعر".
وتم تسجيل حالات التسمم الأولى في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عندما تم إدخال 18 طالبة من مدرسة نور الفنية الثانوية في كوم إلى المستشفى. ومنذ ذلك الحين، تعرض طالبات أخريات للتسميم.
وفي منتصف فبراير/شباط، نُظمت مظاهرة أمام مكتب المحافظ في قم شارك فيها ما لا يقل عن 100 شخص. وقال أولياء التلميذات في مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل إن "الحكومة عليها واجب حماية أبنائنا والشيء الوحيد الذي يمكنهم فعله هو عدم إرسال الأطفال إلى المدرسة".
هل هو انتقام؟
ويقول الآباء "إنهم لا يريدون أن تغادر الفتيات منازلهن" ، لكنهم يطالبون بالتعليم عبر الإنترنت من أجل سلامة أطفالهم وصحتهم. ويتساءل الإيرانيون عما إذا كانت الهجمات على المراهقات هي انتقام للاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة.
وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قد تحدثت قبل أشهر عن تسميم مئات الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن عشرة أعوام في مدارس مدينة قم المقدسة بوسط إيران. ونقل بعضهن إلى المستشفى لوقت قصير.
وقالت وزارة الصحة الأحد إن "بعض الأفراد" يسعون عبر ذلك إلى "إغلاق كل المدارس، وخصوصا مدارس الفتيات". وللقيام بذلك، يستخدمون "مركبات كيميائية متوفرة" في الأسواق، بحسب الوزارة، باستثناء المكونات "المخصصة للاستخدام العسكري".
وأثارت القضية غضبا في البلاد وندد البعض بصمت السلطات عن العدد المتزايد من المدارس التي شهدت هذه الظاهرة.
وأعلنت السلطات إجراء تحقيق حول منشأ التسميم، لكنها لم تعلن اعتقال أحد إلى الآن. وإزاء هذه المخاوف، أعلن قائد الشرطة الوطنية أحمد رضا رادان الثلاثاء، إن أجهزته "بصدد تحديد المشتبه بهم المحتملين"، لكن السلطات لم تعلن اعتقال أحد إلى الآن، مؤكدا أن "جميع أجهزة الدولة تحاول تبديد مخاوف السكان"، بحسب تسنيم.
أعلنت وكالة فارس من جانبها عقد "اجتماع طارئ" في البرلمان للتحقيق في القضية، بمشاركة وزراء التربية والتعليم والاستخبارات والصحة.
وقارن ناشطون المسؤولين عن هذه الهجمات بطالبان في أفغانستان وجهاديي بوكو حرام في غرب إفريقيا، كون هؤلاء يعارضون تعليم الفتيات.
واعتبر النائب عن مدينة قم أحمد أميري فرحاني أن هذه الهجمات عمل "غير عقلاني"، مؤكدا أن سكان المدينة المقدسة "يؤيدون تعليم الفتيات".
من جهتها حضت نائبة الرئيس السابقة معصومة إبتكار السلطات على التعامل بشدة مع "المتعصبين الكارهين للنساء"، فيما أعرب رجل الدين الشيعي آية الله جواد علوي بوروجردي عن أسفه لـ "التصريحات المتناقضة للسلطات" حول أصل القضية.
ونقلت عنه وكالة 'شفقنا' قوله إن "أحد المسؤولين تحدث عن التسميم المتعمد، فيما عزا آخر السبب إلى خلل في نظام التدفئة. مثل هذه التناقضات تعزز عدم ثقة الناس بالدولة".