عاد النظام السوري... أم لم يعد!

بعد ثورة شعبيّة مستمرّة منذ اثني عشر عاما، من حق العرب التركيز على انقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا.

عاد النظام السوري إلى جامعة الدول العربيّة أو لم يعد. لن يصنع ذلك أي فارق من أي نوع. ما هو مهم امران. أولهما مصير الشعب السوري ومستقبل سوريا، الواقعة تحت خمسة احتلالات طبعا، والآخر هل يطرأ تغيير على السلوك الإيراني في دول المنطقة، خصوصا في ما يخص العراق وسوريا ولبنان.

ثمّة أسئلة في غاية الأهمّية تتجاوز الإنفتاح العربي على النظام السوري وعودته إلى جامعة الدول العربيّة وحضور بشّار الأسد، بشخصه الكريم، القمة العربيّة المتوقعة في الرياض بعد أسابيع قليلة... أو حضور من يمثله للقمّة. لن يقدّم ذلك ولن يؤخّر ما دام القرار في دمشق قرار تتخذه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ايران ولا احد غيرها، خصوصا في ضوء الغرق الروسي في الوحول الأوكرانيّة.

في مقدّم الأسئلة المهمّة التي يفترض طرحها هل يقتنع النظام السوري أنّه لم ينتصر سوى على الشعب السوري؟ إنّه الإنتصار الوحيد المسموح له به، تماما مثلما أنّه ليس مسموحا لـ"حزب الله" سوى بتحقيق الإنتصار تلو الآخر على لبنان اللبنانيين فقط.

ما الذي يستطيع بشّار الأسد عمله بهذا الإنتصار على الشعب السوري؟ في النهاية، لن يستطيع النظام السوري المحافظة على وحدة سوريا، كما يتمنّى ذلك العرب المخلصون الذين هبوا لمساعدة الشعب السوري بعد الزلزال الذي تعرّض له في الإسبوع الأوّل من شباط – فبراير الماضي.

ثمّة واقع سوري يرفض النظام الإعتراف به. ليس متوقعا أصلا اعترافه بهذا الواقع نظرا إلى أنّه لم يكن في يوم من الأيام مهتما بالتخلص من الاحتلال الإسرائيلي. منذ احتلت إسرائيل الجولان في حزيران – يونيو 1967، وكان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع، انحصر همّ النظام في كيفية المتاجرة بالجولان المحتل وليس باسترجاعه. اهتم النظام، بعدما صار حافظ الأسد رئيسا للجمهوريّة في كيفية استمرار حال اللاحرب واللاسلم التي تعني، بين ما تعنيه، بقاءه في دمشق بغض النظر عن ثمن هذا البقاء. هذا ما يفسّر إلى حد كبير لماذا لم تقدم إسرائيل على أي خطوة تستهدف النظام منذ بداية الثورة الشعبيّة في آذار – مارس من العام 2011. كشفت التصرفات الإسرائيلية اهتماما واضحا ببقاء نظام لعب دوره في تفتيت لبنان وتدمير مؤسساته وأدّى في الوقت ذاته كلّ المطلوب منه من أجل ألّا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام.

لم يعد مهمّا انفتاح العرب على النظام السوري وعدم انفتاحهم عليه. تجاوزت الأحداث هذا الإنفتاح. على سبيل المثال وليس الحصر، ما العمل بالوجود التركي في الشمال السوري، وهو وجود فرضته عوامل عدة من بينها الثورة السوريّة وقبلها اتفاق اضنة للعام 1998 الذي اعطى الجيش التركي حرّية التدخل في العمق السوري؟

احتلت تركيا نحو 35 في المئة من جزيرة قبرص صيف العام 1974، أي منذ نصف قرن تقريبا. ما الذي تغيّر منذ الاحتلال التركي لجزء من قبرص باستثناء أن الجيش التركي ما زال موجودا في الجزيرة. لم يتغيّر شيء. سيكون مستبعدا خروج الجيش التركي من الشمال السوري، فاز رجب طيب اردوغان ام لم يفز في الانتخابات المقررة في الرابع عشر من أيّار – مايو المقبل. يوجد عقل تركي يقوم على فكرة أن البلد ظلم وعليه استعادة امجاده عن طريق التوسّع!

يوجد الاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال التركي، والإحتلال الروسي، والاحتلال الأميركي، والاحتلال الإيراني. هذا هو الواقع السوري الذي يهرب منه النظام. النظام يهرب أيضا من القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أواخر العام 2015. يرفض النظام السماع بهذا القرار كونه يعرف جيدا أنّه نهايته. القرار، الذي اتخذ باجماع أعضاء مجلس الأمن، واضح كلّ الوضوح. يركز على "فترة انتقالية" وعلى انتخابات "حرة" باشراف الأمم المتحدة بعد الفترة الإنتقالية التي مدتها 18 شهرا.

مثلما يرفض بشّار الأسد السماع بالقرار 2254، يرفض السماع بعودة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي اخرجهم منها مستعينا بالميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران وبالقوات الروسيّة التي قصفت مواقع واحياء مدنيّة مع تركيز خاص على المدارس والمستشفيات. هذه هي سوريا التي صار نصف شعبها خارج أراضيها... هذا اذا تجاهلنا الذين نزحوا من منطقة سورية إلى منطقة أخرى.

باختصار شديد، إننا امام نظام يرفض شعبه كما أنّه مرفوض من شعبه واكثريته السنّية التي عانت الأمرّين من نظام اقلّوي حاقد على كلّ مواطن يرفض ان يكون عبدا لديه.

تبدو المسألة السوريّة في غاية التعقيد. لا ينفع معها التعاطي مع النظام، لا لشيء سوى لأنّ لدى النظام اجندة خاصة به من جهة ولأن المطروح في نهاية المطاف مستقبل ايران في سوريا من جهة أخرى. من سيتولى إعادة اعمار سوريا في حال بقي قسم كبير منها، بما في ذلك دمشق والمناطق المحيطة بها، تحت السيطرة الإيرانية المباشرة وغير المباشرة؟

بعد ثورة شعبيّة مستمرّة منذ اثني عشر عاما، من حق العرب التركيز على انقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا وعلى السعي إلى مساعدة الشعب السوري من زاوية انسانيّة في انتظار اليوم الذي ستقرّر فيه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ايران ما الذي تريده من الاتفاق الذي عقدته مع المملكة العربيّة السعوديّة برعاية الصين. سيظل السؤال المهيمن هل تستطيع "الجمهوريّة الإسلاميّة" ممارسة مزيد من المناورة والفصل بين الشق اليمني في الاتفاق والشق الآخر المتعلّق بسلوكها خارج حدودها، خصوصا في سوريا ولبنان والعراق؟ في انتظار معرفة الجواب الإيراني عن هذا السؤال، يصعب القول هل يمكن عمل شيء لسوريا في عالم يزداد وضعه تعقيدا في كلّ يوم، بل في كلّ ساعة.

تعطي الحرب الأوكرانيّة التي دخلت سنتها الثانية فكرة عن هذه التعقيدات التي باتت العلاقات الأميركيّة – الصينية جزءا لا يتجزّأ منها.