رئيس جمهورية آخر تحت الوصاية

لو تحرر الرئيس القادم من شري هيمنة حزب الله ووصاية إيران فإنه سيعيد إلى منصب الرئاسة شيئا من كرامته التي هُدرت.

لبنان من غير رئيس جمهورية هو أفضل منه برئيس هو عنوان لفشل السيادة الوطنية والاستقلال. ذلك لأن اختيار شخص ما لذلك المنصب لم يعد شأنا داخليا. فالطبقة السياسية المتمسكة بالسلطة رغم أن فشلها صار علامة تجارية قابلة للتصدير إلى دول غامضة المصير مثل العراق لا تقوى على اتخاذ قرار، تتمسك دول كثيرة بحقها في اتخاذه، لتؤكد وصايتها على لبنان.

أما الشعب الذي جرى تحييده فيما يخصه فإنه يدرك جيدا أن المقيم في قصر بعبدا هو ضيف غير مرغوب به. أولا لأنه لا يملك أن يقرر شيئا وثانيا لأن أجندته لا تقع خارج المعادلات السياسية التي انزلقت بالبلد إلى الهاوية وثالثا لأنه سيكون محكوما بإرادة الدولة التي فرضت قوتها من خلال تنصيبه. في زمن مضى كانت لسوريا اليد العليا في ذلك تبعتها إيران والآن دخلت فرنسا ودول اقليمية أخرى على الخط. لذلك لم تعد للانتظار قيمة تُذكر ليس بالنسبة للشعب وحده، بل وأيضا بالنسبة لأعضاء مجلس النواب الذين يُفترض أن يكون لهم رأي في ذلك.

ليس رئيس الجمهورية في لبنان كما يُفترض قانونيا واجهة سياسية للدولة، بل هو ممثل لمصالح الدولة التي أنعمت عليه بذلك المنصب الذي قد لا يكون شرفيا في ظل غموض ما ينطوي عليه من واجبات وهو ما فرضته النزاعات الداخلية التي وصلت إلى درجة القطيعة في ظل هدنة غير معلنة قد لا تصمد إذا ما قرر حملة السلاح أن يفرضوا خيارهم بالقوة حسب ما تمليه الأوضاع المضطربة في الإقليم الذي يمثل لبنان فيه طرفا سائبا لم يحسم موقفه في ما يتعلق بهويته.

فالمسافات بين لبنان العربي ولبنان الإيراني لا يمكن اختصارها بمسافة واحدة. ذلك لأن اللبنانيين أنفسهم غير متفقين على صيانة وحدتهم الوطنية. ففي الماضي البعيد كان الأمر يتعلق بموقف مسيحي موحد في سياق ما يمليه النظام الطائفي من استحقاقات. غير أن الأمر لم يعد كذلك بعد أن فشل اللبنانيون كلهم في احترام ذلك الحق الدستوري فصارت المسألة تخص الجميع وما من أحد ي إمكانه أن يزعم أن في إمكانه أن يتعامل معها في حدود رؤية وطنية واضحة. صار الكل يمد يده عابثا من غير أن يعلن عن مسؤوليته.

ربما يفضل اللبنانيون أن يكونوا من غير رئيس جمهورية وقد يصل الضجر بهم إلى نفي رغبتهم في أن يكون هناك رئيس للحكومة ولا حكومة. فما نفع كل ذلك إذا كان حزب الله وهو ميليشيا متمردة بحملها سلاح غير شرعي قادرا على فرض إرادته على الجميع هاربا بمحتويات خزانته من كل ما يمكن أن يلحق بالشعب من أضرار؟

محنة لبنان هي أكبر من أزمة اختيار شخص مناسب للإقامة في قصر بعبدا. لا يزال لبنان يُقيم في مصيره القلق كما لو أنه لم يخرج من حرب أهلية لم يهتد اللبنانيون إلى الكثير من مفاتيحها. من المؤلم تشبيه اللبناني بلص أضاع مفتاح بيته وصار عليه أن يقتحمه من الشباك. ولكن الواقع المزري يفرض الكثير من المحظورات.  

اللبنانيون اليوم يبحثون عن وطن وليس عن رئيس جمهورية لوطن لا يعرفون أين يقع. من المؤكد أن تنصيب رئيس جمهورية سيريح إلى حد بعيد أفراد الطبقة السياسية ويجعلهم يعودون إلى التفرغ لرعاية مصالحهم وابتكار طرق جديدة للاستمرار في عمليات الفساد. وبالرغم من خلافاتهم الحالية فإنهم سيرحبون بأي شخص طالما ينهي وجوده في القصر الرئاسي وجع الرأس الذي هم في غنى عنه.

كل هذه التباينات في الاراء واللغة الخشنة التي يستعملها أطراف المسألة المعروضة للنقاش ستختفي ارضاء للدولة التي ستكشف عن هيمنتها على القرار اللبناني. الدولة التي ستكون وصية على لبنان عبر السنوات القادمة. فالموضوع لا يتعلق بشخص رئيس جمهورية (لا يحل ولا يربط كما يُقال) بل بنوع المعادلات السياسية التي تحكم البلد سياسيا وتتحكم بعلاقاته الخارجية ومواقفه العربية والدولية.

كان ميشال عون من أسوأ رؤساء لبنان لأنه حكم في ظل هيمنة حزب الله ووصاية إيرانية. ولو تحرر الرئيس القادم من الشرين فإنه سيعيد إلى منصب الرئاسة شيئا من كرامته التي هُدرت. ذلك ما يقاومه حزب الله في محاولة منه للسخرية من كل محاولات الفكاهة الشعبية في لبنان.