الرياض وواشنطن تدفعان لإحياء المفاوضات بين البرهان ودقلو
الرياض/الخرطوم - دعت الرياض وواشنطن طرفي النزاع في السودان للعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد، قبل يومين من زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية وفي الوقت الذي استخدم فيه الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان القوة المميتة في قصف جوي ومدفعي مكثف استهدف مناطق سكنية يقول الجيش إن قوات الدعم السريع تنتشر فيها.
وجاء في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس" الأحد أنّ "الميسرَيْن على استعداد لاستئناف المحادثات الرسمية"، كما يدعوان "الطرفين إلى اتفاق على وقف إطلاق نار جديد وتنفيذه بشكلٍ فعال بهدف بناء وقف دائم للعمليات العسكرية".
وتابع البيان "ما زال وفدا القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع موجودين في مدينة جدة، رغم تعليق المحادثات وانتهاء وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام".
وجاءت الدعوة غداة قصف جوي ومدفعي هز الخرطوم السبت بغياب أي أفق للتهدئة في نزاع دخل أسبوعه الثامن ويواصل حصد الضحايا الذين أعلن الهلال الأحمر السوداني دفن 180 منهم من دون التعرف على هوياتهم.
وزادت حدة المعارك في اليومين الماضيين بعدما لاقت هدنة مؤقتة أبرمت بوساطة سعودية-أميركية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مصير سابقاتها بانهيارها بشكل كامل.
ويتجه الوضع نحو الأسوأ مع اعتقاد الجيش الذي انسحب الأربعاء الماضي من مفاوضات جدة بالسعودية، أنه يمتلك القدرة على قلب المعادلة على الأرض، وهو اعتقاد سيجر البلاد نحو حرب طويلة الأمد وسيكون السودان بعدها بلد أشباح، مع حصد الآلة العسكرية أرواح المدنيين.
وهز القصف الجوي والمدفعي الخرطوم السبت، حيث أفاد سكان في الخرطوم عن تسجيل قصف بالطيران الحربي العائد للجيش على مناطق في شمال الخرطوم وجنوبها، ردّت عليه نيران المضادات الأرضية من مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
كما أفاد شهود عن سماع أصوات اشتباكات في ضاحية أم درمان بشمال الخرطوم، علما بأن المنطقة نفسها شهدت "قصفا مدفعيا" صباح السبت.
وسقطت قذائف في حي الصحافة بجنوب العاصمة، ما أدى الى "إصابات بين المدنيين"، وفق السكان.
كما سجّلت اشتباكات حول مدينة كتم بولاية شمال دارفور الواقعة شمال الفاشر عاصمة الولاية، وفق شهود.
وزادت حدة المعارك في اليومين الماضيين بعدما لاقت هدنة موقتة أبرمت بوساطة سعودية-أميركية بين الجيش الذي يقوده عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، مصير سابقاتها بانهيارها بشكل كامل.
ومنذ اندلاع النزاع في 15 أبريل، لم يفِ الجانبان بتعهدات متكررة بهدنة ميدانية تتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية.
وقال الهلال الأحمر إن القتال أرغم متطوعيه على دفن 180 شخصا بدون التعرف الى هوياتهم، هي 102 في مقبرة الشقيلاب في الخرطوم، و78 في إقليم دارفور (غرب)، وهما المنطقتان اللتان تشهدان المعارك الأكثر احتداما.
وتعهد طرفا النزاع مرارا حماية المدنيين وتأمين الممرات الإنسانية، الا أن هذه الوعود لم تنفّذ ميدانيا.
وقتل أكثر من 1800 شخص منذ اندلاع المعارك منتصف أبريل، وفق مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها. إلا أن مسعفين ووكالات إغاثة ومنظمات دولية حذّروا مرارا من أن الأرقام الفعلية للضحايا أعلى بكثير، نظرا لوجود جثث في مناطق يصعب الوصول إليها، أو لعدم قدرة بعض المصابين على بلوغ المراكز الطبية للعلاج.
وقال الهلال الأحمر الذي يتلقى الدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن متطوعيه عانوا للتنقل في الشوارع لانتشال الجثث "بسبب القيود الأمنية".
وخلال مباحثات وقف إطلاق النار التي استضافتها مدينة جدة السعودية اعتبارا من مايو، اتفق الطرفان على تمكين الجهات الفاعلة الإغاثية من "جمع الموتى وتسجيلهم ودفنهم بالتنسيق مع السلطات المختصة"، لكن بفعل الانتهاكات المتكررة، انهارت اتفاقية الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة والسعودية.
وأعلن الجيش الأربعاء تعليق مشاركته في المحادثات واتهم قوات الدعم بعدم الإيفاء بالتزاماتها باحترام الهدنة والانسحاب من المستشفيات والمنازل. وأعقب ذلك تأكيد الوسيطين السعودي والأميركي تعليق المحادثات رسميا.
وفي ما يبدو تمهيدا لتصعيد إضافي محتمل في أعمال العنف، أعلن الجيش الجمعة استقدام تعزيزات للمشاركة "في عمليات منطقة الخرطوم المركزية".
والسبت، أفاد سائقو حافلات تربط بين الخرطوم وولايات أخرى أن "السلطات تمنع منذ الأمس دخول العاصمة".
وتشكّل هذه الحافلات واحدة من الوسائل النادرة لسكان الخرطوم المقدّر عددهم بأكثر من خمسة ملايين، للخروج منها نحو مناطق أكثر أمنا. ويقدّر بأن أكثر من 700 ألف تركوا العاصمة نحو أنحاء أخرى منذ بدء المعارك.
وباتت ظروف الحياة صعبة في العاصمة حيث قطعت المياه عن أحياء بأكملها ولا تتوافر الكهرباء سوى لبضع ساعات في الأسبوع، فيما توقفت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال ويعاني السكان لتوفير المواد الغذائية.
والوضع مروع بشكل خاص في إقليم غرب دارفور الذي يقطنه نحو ربع سكان السودان ولم يتعافَ من حرب مدمرة استمرت عقدين وخلفت مئات الآلاف من القتلى وأكثر من مليوني نازح.
وقتل مئات من المدنيين وأضرمت النيران في القرى والأسواق ونُهبت منشآت الإغاثة مما دفع عشرات الآلاف إلى البحث عن ملاذ في تشاد المجاورة.
وفي مقابل الوساطة السعودية-الأميركية ومباحثات جدة، تعمل أطراف أخرى على محاولة ايجاد حلّ للأزمة، مثل الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) المؤلفة من ثماني دول بينها كينيا التي استضافت السبت مستشار قائد قوات الدعم يوسف عزت.
وأكد الرئيس الكيني وليام روتو بعد استقباله عزت التزام بلاده "الوقف العاجل للأعمال الحربية في السودان".
من جهتها، أشارت قوات الدعم في بيان الى أن الزيارة تأتي "في إطار جولة تشمل عدداً من الدول الشقيقة والصديقة لشرح تطورات الأوضاع في السودان".
وقال البيان إن "عزت قدم شرحاً وافياً للرئيس وليم روتو حول أسباب الحرب والأوضاع الراهنة بالبلاد وتمليك كافة المعلومات الحقيقية بشأن دوافعها والمتورطين في إشعالها".
وأكد عزت دعم قوات الدعم السريع لمنبر جدة بمبادرة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وتطويره بما يحقق الوقف الدائم لإطلاق النار وبدء التفاوض السياسي. وفق البيان.
ولفت البيان إلى أن اللقاء بحث أيضاً الدور الأفريقي وإمكانية تركيز كل الجهود الإقليمية والدولية للحل السياسي، مشيراً إلى أن رؤية قوات الدعم السريع تشدد على ضرورة أن تعالج أسباب الحرب من جذورها بما يعيد السودان للمسار الديمقراطي بمشاركة واسعة للسودانيين في تشكيل مستقبل البلاد.
وأتى ذلك في يوم أحيا السودانيون الذكرى الرابعة لفضّ اعتصام مطالِب بحكم مدني قرب المقر العام للجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو 2019، قضى خلاله 128 شخصا على الأقل، بعد أشهر من انقلاب عسكري أطاح حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وهاجم أشخاص يرتدون زيا عسكريا مكان الاعتصام. وأفاد تحقيق أولي أمر الجيش بإجرائه بأن عناصر قوات الدعم كانت متورطة في العملية.
واعتبرت السفارة الأميركية في الخرطوم في بيان نشرته عبر تويتر أن الذكرى تحلّ على السودانيين في وقت "تغرق بلادهم بمأساة سرقت بالفعل الكثير من الأرواح، ويجب أن تتوقف".
واعتبرت السفارة التي أجلت طاقمها كغيرها من البعثات الأجنبية في المراحل الأولى من المعارك، أن استمرار القتال "يهدد شعب السودان باحتمال نزاع طويل الأمد ومعاناة واسعة الانتشار على يد القوات الأمنية التي تفترض مهامها أن تحمي مواطنيها لا أن تضعهم في خطر".
وكان مجلس الأمن الدولي مدّد الجمعة لستة أشهر المهمة السياسية للأمم المتحدة على رغم اتهام البرهان للمبعوث فولكر بيرتيس بالإسهام في تأجيج النزاع والمطالبة باستبداله.
ووافق المجلس على تمديد تفويض "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" حتى الثالث من ديسمبر 2023. ويعكس اقتصار تمديد التفويض على هذه المدة القصيرة مدى دقة الأوضاع في البلاد.
وأكد الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش "ثقته التامة" ببيرتيس.