فؤاد أبوترابة والتفعيل في إطلاق مشاهد بصرية
أربعة عقود وفؤاد أبوترابة يصارع اللون في صيغ بحثية، بحثا في العلاقة بين الإبداع التشكيلي وخصوصيات نوعية منتجة جمالياً إلى حد الذهول، بحث في القيمة المعرفية وفق ذائقة مزدهرة إيقاعياً، متجاوزة للمكان حتى حدود غليان الروح، فإذا كانت حركة تفاصيل أعماله تتعلق بإشكاليات الفرز المتوافر في مبادراته اللونية حيث النظرات تدمج أفقياً فيها وفي مساحاتها حيث أجنحته الحالمة ترفرف فيها لإطلاق سراح تلقائياته ضمن عمليات تنظر إلى الواقع الإفتراضي في بعده التاسع، ومن وجهة ذاته وفي السياق نفسه يملك أبو رابة إمكانات الإستمرارية في خلق تقاطع أسئلة تؤكد مشروعية إستحضار حالات تحمل كل إشارات النسيج العاطفي، الاقرب لرؤى إحالاته بحركة وفعل لا ينقصها إلا حضور عمل داخل عمل، وبخاطر تداولي معتاد يستكمل أبو ترابة مقارباته وبفهم جديد ومغاير بتلامس مفردات تتحرك في المخيلة لتشكل منبعاً ثرّاً لخيوط الضوء في روائح ألوانه.
وقد يكون هذا التتويج الأهم عند أبوترابة حيث التفعيل في إطلاق مشاهد بصرية تتخللها مقاطع فاصلة وصامتة تسرعه في رصده لمشاهده التي يجعلك تتوقف رغماً عنك للحظات ثم تقترب متأملاً، ليبرز تلك التفاصيل الدالة على عمق التجربة وثم الغوص فيها لكشفها ضمن التوليفة المتاحة وضمن مستوياتها المختلفة في مواجهاتها التي بها يعزز أبو ترابة بحثه عن مرتكزات تجربته في مبناها ودلالاتها فتتعدى طموحاته تحرير الثقافة والوعي إلى محاورة الوجود والكينونة في مناخ يتكاثر فيه الهزائم بالترابط مع الأزمة الحادة في إحياء المقولات التي ترتبط بشكل أو بآخر بنسق من القيم الإنسانية.
وأحسب أن أبو ترابة يتحاشى الإحتكاكات الوعرة والتي قد تؤثر في منتجه الجمالي، فهو يعلم أن محاولاته المثمرة في توفير السياق الصحيح لتطور حالة مدى منتجه في بعده الأفقي تكمن في تطور منهجه في دراسة الواقع ومؤثراته ولكن دون أن نأخذ ذلك بعين الإعتبار فإن أعماله تملك معايير مضمونة للنجاح مؤمناً بأن العفوية قادرة على نقل المتخيّل من موقع إلى آخر فهي تملك نزاهة واضحة ... تملك معايير تسويقية المبني ذاتاً على معايير جمالية فهو في الحقيقة يبحث عن نفسه لأخذ مكان حقيقي يليق به، وهنا لا نفاجأ في قراءتنا إذا وجدنا لديه حساسية شديدة من فكرة غياب القيمة الفنية للعمل المنتج في زحمة الإنتاج وتخريب الذائقة الفنية للسائد، فالجهد الذي يبذله أبو ترابة لفرض أحكام معيارية عادلة ليست قليلة، فالعمل الفني وبتطور تقنياته بات من القنوات المهمة للتواصل بين الناس بغض النظر عن لغاتهم وإنتماءاتهم، فهو يخترق الزمن بتعدد آفاق المتلقي وهذا كسب للعمل الفني على نحو أخص ويدعم الرغبة في الإنطلاق إلى جهات مغايرة بوصفه فعالية جمالية تنشط الذهن نحو إكتشافات تخرجه من مقولات موروثة مع دفعه لتنشيط معايير اللاوصول الإشارية منها والبصرية ليتحول العمل مع أصابعه إلى نص مفتوح يستوجب على المتلقي العوم فيه بمتعة خاصة وبأريحية ذاتية / مكانية ضمن تعالقات رؤيوية في صيغها الراهنة والتي تستوجب من أبي ترابة البحث عن خصائص حكائية مع النظر في رؤياه المنشطرة بينه وبين عمله المنتج، وبين العمل المنتج والمتلقي.
وثمة سؤال يبرز هنا وهو كيف وفق أبو ترابة في خلق كل ذلك، فقط يكفي أن نقول بأنه في إنتقالاته العفوية العذبة وعدم إغفاله لآليات التكريس وقابليته الكبيرة للحوار والبحث لا بد أن يبعد الإخفاقات من طريقه.